بقلم..ذ.نور الدين بوصباع
في هذا الوطن كل شيء يتم قتله بمهارة و إتقان..في هذا الوطن لم يعد شيء مربح غير الاستثمار في الرداءة والتفاهة وذلك بقتل الذاكرة ومحو التاريخ..في هذا الوطن كل شيء يتم تصفيته واغتياله لكي يصبح المجال خصبا للتافهين كي يتحكموا في الاذواق والرغبات..
الضجة التي أثارها المغرب مؤخرا حول الزليج المغربي ايمانا منه بأنه أي الزليج موروثه الثقافي الضارب في التاريخ و عنوان حضارته المبدعة والخلاقة، السؤال أليست في المقابل الأغنية المغربية العصرية موروثا ثقافيا يجب التنويه به، والاعتزاز به؟ لماذا تم اغتيال رواد الاغنية المغربية ولم يعد لهم ذكرمثل أحمد البيضاوي وعبد القادر الراشدي و محمد بالخياط و الطيب لعلج ونعيمة سميح و فاطمة مقدادي وعبد الوهاب الدكالي وكثير من الرواد الذين أعطوا للاغنية الكثير؟ لماذا لم تعد تلفزتنا الموقرة تقدم ولو وصلة من أغانيهم، أو تتحدث عن إبداعاتهم الراقية؟ هل يمكن لطوطو و لبنج و البيغ و وووأن يعطوا ما أعطاه الرواد للأغنية المغربية من إشعاع عالمي؟
الحقيقة المرة أن تردي الأغنية المغربية كان مخططا له منذ السبيعينيات، وهذا الأمر هو ما عبر عنه الموسيقار عبد الوهاب الدكالي في أحد حواراته مع سعيد الوازن بجريدة الأخبار المغربية، إنه مخطط جهنمي كان هدفه خلق جيل معطوب بدون ذاكرة فنية لا يعرف شيئا عن الرواد الذين غنوا الأغاني الملهمة ولا الأغاني الوطنية الحماسية ولا الأغاني العاطفية الصادقة.. إنه مخطط كان هدفه إخصاء الذاكرة ومحوها في مقابل تشكيل ذوق زائف يحرك الاجساد والأرداف والمؤخرات عوض الرقي بالذائقة الجمالية..إنه مخطط جهنمي كانت غايته قتل الفنان المغربي المؤمن برسالته القيمية والجمالية التي تهذب الذوق وترقى بالرغبة نحو التطهير، وهذا ما بتنا نشاهده في تلفزتنا الموقرة التي لم تعد تختار في سهراتها غير الحثالة من الفنانين الذين لم ينتجوا أغاني تصمد أمام التاريخ، كما صمدت لحد الآن أغنية “ياك جرحي” لنعيمة سميح أو “مرسول الحب” لعبد الوهاب الدكالي أو “الشاطئ” لعبد الهادي بالخياط وغيرها من الأغاني التي لازلنا نسمعها دون ملل..
الواقع أنه مثلما ارتفع منسوب الوطن وهو يتحدث عن سرقة موروثه المتمثل في سرقة الزليج المغرب عليه أن يرفع منسوب حديثه عن الاغنية المغربية التي يتم قتلها منذ عقود خدمة للرداءة والتفاهة…
