الرئيسية آراء وأقلام حين تلد الحكومة معارضتها: هل نحن أمام أذكى مناورة سياسية أم أكبر خدعة انتخابية؟

حين تلد الحكومة معارضتها: هل نحن أمام أذكى مناورة سياسية أم أكبر خدعة انتخابية؟

IMG 20250208 WA0012
كتبه كتب في 8 فبراير، 2025 - 10:24 صباحًا


بقلم…معاذ فاروق

حين تتغير نبرة الخطاب السياسي فجأة، يكون السؤال الأهم ليس عن مضمون الكلام، بل عن السبب الحقيقي وراء هذا التغيير، إذ لا يمكن لحزب مشارك في الحكومة أن يكتشف فجأة أن هناك اختلالات تستحق النقد، ما لم يكن الأمر مدروسًا في سياق أوسع. ولذلك، فإن تحول حزب الأصالة والمعاصرة إلى انتقاد الحكومة، رغم أنه أحد ركائزها، لا يمكن فهمه بمنطق العفوية، بل بمنطق إعادة التموضع الاستراتيجي، خصوصًا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية حيث تتحول المواقف إلى أوراق تفاوضية قبل أي إعادة لترتيب الخارطة السياسية. وبالتالي، فإن ما يبدو ظاهريًا كنوع من الجرأة النقدية قد يكون في عمقه محاولة للتموقع بين صفوف المعارضة دون مغادرة الحكومة، الأمر الذي يمنح الحزب مساحة للمناورة، إذ يمكنه الاحتفاظ بمكاسب السلطة دون أن يتحمل تبعات الفشل الحكومي، مما يسمح له بالظهور كقوة “تصحيحية” بدل أن يكون جزءًا من الإشكالات المطروحة.غير أن هذا الأسلوب، رغم دهائه، لا يخلو من مخاطر، إذ أن الناخب ليس دائمًا ضحية للإيقاع الإعلامي الذي يُراد له أن يتبنى رواية معينة، بل أصبح أكثر قدرة على تمييز الخطاب الانتخابي من الخطاب السياسي الحقيقي، خاصة في سياق يزداد فيه الضغط الاجتماعي وتتنامى فيه المطالب بالمحاسبة بدل إعادة إنتاج نفس المشاهد القديمة بوجوه وأدوار متجددة. وبما أن السياسة لا تعترف بالنيات، بل فقط بالتأثير، فإن السؤال الجوهري ليس حول أحقية الحزب في انتقاد الحكومة التي هو جزء منها، وإنما حول مدى قابلية الشارع لتصديق هذا التحول، لأن القواعد الجماهيرية لم تعد تنخدع بسهولة بالتغيرات الخطابية كلما اقتربت الانتخابات، بل أصبحت أكثر اهتمامًا بمن يُحسن صياغة البدائل بدل الاكتفاء بإعادة إنتاج نفس اللعبة بعبارات مختلفة.في ظل هذه المعادلة، لا يمكن النظر إلى هذا التحول على أنه مجرد موقف سياسي، بل يجب اعتباره جزءًا من معركة أكبر تتعلق بالصورة الذهنية للحزب ومدى قدرته على خلق مسافة بينه وبين قرارات الحكومة دون أن يخرج فعليًا منها، مما يجعله يحاول الجمع بين ميزتين متناقضتين: الاستفادة من السلطة، والتملص من تبعاتها. لكن هذه المعادلة، رغم ما تبدو عليه من حنكة سياسية، تظل محفوفة بالمخاطر، لأن الجمهور حين يدرك أنه أمام خطاب مصمم لتحقيق مكاسب انتخابية، فإنه لا يكتفي برفضه، بل يُحوّله إلى دليل على غياب المصداقية، مما قد يجعل التكتيك ينقلب على أصحابه في اللحظة الحاسمة. وبذلك، فإن الرهان الحقيقي لا يكمن في التحولات الخطابية بحد ذاتها، وإنما في قدرة الحزب على تقديم هذا التغيير على أنه ضرورة سياسية وليس مجرد حساب انتخابي، وهو أمر قد يبدو ممكنًا من الناحية النظرية، لكنه يظل خاضعًا لاختبار الوعي الجماهيري الذي قد يُفاجئ الجميع بردود فعل غير متوقعة.

مشاركة