الرئيسية آراء وأقلام الدكتور أحمد طوالة يكتب: تخليق الحياة السياسية بالمغرب ضرورة حتمية لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي

الدكتور أحمد طوالة يكتب: تخليق الحياة السياسية بالمغرب ضرورة حتمية لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي

IMG 20250309 WA0018
كتبه كتب في 9 مارس، 2025 - 12:27 مساءً

تشكل عملية تخليق الحياة السياسية حصنا واقيا لحياة الأفراد والشعوب والأمم، و هي ركيزة أساسية للبناء الديمقراطي ولضمان النزاهة والشفافية، وهكذا فان التخليق لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال نهج متكامل تشاركي متعدد الأبعاد، لأنه قضية مجتمعيةبالدرجة الاولى.
لهذا، أضحى تخليق الحياة السياسية بالمغرب الآن ذا راهنية قصوى وموضوعا أساسيا للنقاش المجتمعي لما يثيره من اسئلة حساسة واشكاليات مؤرقةوتحديات داخليا وخارجيا.
وفي هذا السياق، أصبح ترسيخ تخليق الحياة السياسية خيارا استراتيجيا للدولة ولجميع مؤسساتها المعنية، فمسألة إضفاء الطابع الأخلاقي على الحياة السياسية في المغرب هي مسألة مركزية انطلاقا مما أكدته الخطب الملكية الساميةوالمرجعية الدستورية، فقد أعرب جلالة الملك محمد السادس مرارا وتكرارا عن التزامه بتحديث مؤسسات المملكة، وتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتجويد الفعل الترابي محليا وجهويا.
وهو ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش 2023  “الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة.
ونستحضر في هذا الشان الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الذكرى الستين لتأسيس البرلمانالمغربي، التي حثت على وضع “مدونة أخلاقية” ملزمة للبرلمانيين.
وهي دعوة صريحة لاستكمال بناء ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، على أساس فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وبالرجوع الى مقتضيات دستور 2011، ونجد الفصل 36 ينص على أنه: “يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي … من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات“.
وبناء على ما سبق، فإن تخليق الحياة السياسية بالمغرب يتطلب أولا تخليق العمل الحزبي والهيئات السياسية كلها، وهو ما يستوجب تخليق المسار الانتخابي برمته بدء من عملية انتقاء وتزكية وانتخاب أشخاص لشغل مهام تمثيلية ونيابية، لا تحوم حولهم شبهة، وبذلك تتحقق فيهم مبادئ النزاهة والشفافية والكفاءة، بالإضافة الى الدور التأطيري للأحزاب للمنتخبين مع التركيز على تقوية قدراتهم التواصلية وتملكهم المعرفة القانونية الخاصة بالمجالس المنتخبة من اختصاصات وأدوار، وذلك في اطار بناء ديمقراطية داخلية للأحزاب تقوم على أليات ومعايير تواكب التطورات التي تشهدها بلادنا داخليا وخارجيا، بعيدا عن الشعارات الجوفاء والرنانة في الوقت نفسه التي تساهم فقط في رفع نسبة العزوف السياسي والانتخابي خاصة في صفوف الشباب، هذه الفئة العريضة تمثل نسبا عالية في الديموغرافية بالمغرب، التي وجب اليوم اقناعها والتأثير في مواقفها من أجل المشاركة في العملية السياسية ببلادنا في أفق تخليق الحياة السياسية بالمغرب.
لقد حان الوقت، اليوم، لكل الفاعلين السياسيينالتواصل الفعال والناجع مع المطالب الاجتماعية والسياسية المتطورة للمواطنين، من خلال ابداع في تبني بدائل سياسية واقعية وقابلة للتنفيذ في حيز زمني معقول، وابتكار برامج سياسية خلاقة تستجيب لكل الاصوات المجتمعية، وتلبي انتظارات كل الفرقاء السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين.
وفي هذا الاطار، تتحمل الأحزاب السياسية كذلك مسؤوليتها إلى جانب المواطن في الوضع الحالي، لذا وجب على الاحزاب وضع آليات تُمكن من احداث مدونة أخلاقية بشكل تشاركي والعمل على تنزيلها وتتبعها بشكل جيد، استجابة أولا للدعوة الملكية وترجمة لمجموعة من المبادئ المتضمنة في دستور المملكة.
إن قضية إحداث مدونة أخلاقيات حزبية وسياسية أضحت مسألة لا مناص منها نظرا لكون الحياة السياسية الوطنية تغلغلت فيها مجموعة من الظواهر التي تمس جوهر الأخلاق السياسية من قبيل العائلية السياسية على مستوى النخب والفاعلين السياسيين وكذا الاستعمال المفرط واللاقانوني للمال الشيء الذي أدى الى بروز ظاهرة غريبة على الحياة السياسية ألا وهي زواج المال والسلطة مما ساهم بشكل جلي في فقدان الثقة والمصداقية في الفاعل السياسي ورفع من نسبةالعزوف والنفور من مختلف الفئات للمشاركة في الحياة السياسية وتدبير الشأن العام.
ان المساهمة في هذا الورش الإصلاحي يجب أن تصاحبه كذلك ارادة حقيقية في إخراج منظومة قانونية إلى حيز الوجود ككل ولاسيما مدونة الانتخابات التيينبغي أن تثمن تراكمات بلادنا في هذا الباب، والدينامية السياسية التي انخرطت فيها بلادنا.
وفي الختام، لابد أن نشير الى أن تحقيق و تكريس هذهالعملية، لن يتأتى بالاقتصار على الاعتماد على الترسانةالقانونية ومجهودات الأحزاب السياسية في هذا الاطار،وانما يستلزم ذلك تظافر الجهود والنوايا الحسنة بينمختلف الفاعلين ومكونات المجتمع المدني باعتماد مقاربة تشاركية لا تقصي أي جانب مهما كانتالاختلافات، والتوفر على ارادة حقيقية مبنية على تغليبالمصلحة العليا للوطن، وهي أمور من شأنها أن تساهمبشكل فعال في بلوغ الهدف المنشود وتحقيقالتفعيل الواقعي لتخليق الحياة السياسة بالمغرب.

مشاركة