صوت العدالة- مصطفى منجم
إن كتابة التاريخ المغربي في مونديال قطر انتهت في السطر الرابع، وزئير الاسود داع في جميع أنحاء العالم، المنتخب المغربي اخترق العادة وكسر القاعدة، وادخل الفرحة في قلوب المغاربة، ووضع اسمه في خانة لم يسبق لأي منتخب عربي او افريقي أن كتب فيها حرفا ولو حتى في الخيال.
قتالية عالية وروح وطنية غالية تحلت بها العناصر المغربية، بين كبار الكرة العالمية، منافسة اعرق المنتخبات لم تكن بمحض الصدفة، بل بعمل شاق ولو في وقت وجيز، كان كفيل بمقارعة الكبار، وحجز مقعد في الصفوف الأمامية، رغم المضايقات التي تعرض لها منتخبنا العظيم في الكواليس، حيث أضاء الطريق على منتخبات عربية رائدة، رغم أن وجود الڤار لم يكن له فائدة.
بدأت كتابة صفحات الحكاية التاريخية يوم 31 غشت 2022، الذي اشرق فيه النور، وبزغ فيه فجر الامل، تزامنت مع فترة مظلمة عاشها المنتخب المغربي مع البوسني وحيد حاليلوزيتش، يوم عرف انجاب مولود جديد غير مكانة الكورة المغربية، حيث سبق وان قام بغزو القارة الأفريقية، مع عميد الأندية الوطنية، كان هدفه هذه المرة الإطاحة باكبر المنتخابات العالمية.
تعيين الركراكي انحصر بين قوسان المعارضة والتأييد، لكن بعد المباريات الودية التي خاضها ضد الشيلي والبارغواي، اتضحت الصورة لدى الناقدين أنه هناك منتخب قوي سيحمل العلم المغربي بشرف واعتزاز، كما نتج عن اللائحة التي ستشارك في المونديال تناحر واضح في الرأي، وانتقادات لاذعة لم يكن للركراكي سوى المستطيل الأخضر من أجل إجابة المتشائمين.
إن الحظ لم يكن رحيما للاسود، بعد أن وقعته القرعة في مجموعة الموت، مع وصيف بطل كأس العالم في النسخة الماضية والحائز على مركز الثالث، بالإضافة إلى المنتخب الكندي، لكن “النية”و”العائلة” مفهومان كان حاضران بقوة في تفاصيل هذه المعركة، التي هزت اركان العالم العربي والافريقي، وفرضت على عدسة الكاميرات متابعة خطوات المجد الغير مسبوق.
تعادل مع كرواتيا وهزم بلجيكا واضافة كندا إلى ضحايا الاسود في المونديال، كان كافيا لضمان مقعدا في الثمن النهائي، حيث خرج المنتخب المغربي من مجموعة الموت حيا، وزرع الفرحة والسرور في محبيه، في الوقت الذي اصبح معادلة صعبة تضرب لها الف حساب للاطاحة به، من طرف أبرز المنتخبات العالمية والتي سبق وان فازت بهذا اللقب الذهبي.
وبعد ان أعادة المغرب ذكريات 1986، رفع سقف التحديات الى الاعلى، حيث بات الجميع يرغب في الوصول على الاقل إلى النصف النهائي، الركراكي يطالب جماهيره المغربية بالتفائل و”النية”، التي اعتبارها نقطة إيجابية في مسار الاسود، ولغة “العائلة” نجحت من جديد كما نجحت مع الوداد في دوري ابطال افريقيا.
الجميع كان ينتظر ما ستسفر عنه مباراة المغرب واسبانيا، مباراة صعبة على الطرفين، على الورق كان المطادور مرشح للفوز، لكن لغة الأرقام تبقى مجرد تكهنات، ففي العشب الاخضر تبقى لغة الاقدام هي الحاسم الوحيد في مباريات كرة القدم، مباراة عرفت قتالية كبيرة من المنتخب المغربي، اجبر الاسبان على التواضع واللجوء إلى ضربات الجزاء التي ابتسمت للمغرب، وكتابة سطر جديد في كتاب المونديال كأول منتخب عربي يمر الى الربع النهائي.
فرحة لم يسبق ان شهدتها شوارع المملكة المغربية، وخاصة شوارع الرباط التي اضاءت بنور صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي خرج بدوره للاحتفال بهذا الانجاز، خروج الرياضي الاول بقميص المنتخب يعطي دلالات قوية، على أن الوطنية هي أساس نجاح الوطن، وأن النية والاخلاص في أداء العمل هي السر الوحيد لتحقيق مبتغى الشعب المغربي، لخروجه من الهزائم التي تكبدها لسنوات طويلة.
استمر مداد الأحمر والاخضر في كتابة على جدران التاريخ، ملاقاة البرتغال في الربع النهائي لم تكن سهلة، خصوصا بعد هزم سويسرا بسداسية مقابل هدف، لكن أبناء الركراكي كانو رجالا طيلة المشوار، رأسية النصيري كانت الفاصل في هذه المباراة، وضرب عصفرين برأسية واحدة، أولها التأهل إلى المربع الذهبي، وأخيرها تسديد الدين الذي كان على عاتق المنتخب المغربي منذ أربع سنوات.
طموح المغاربة ازداد بعد هذا الانتصار، وعين الاسود باتت تشاهد منصة النهائي رغم صعوبة الخصم الفرنسي، وبقي يومان على المباراة بدأت ملامح المنتصر تزيل الغشاء على البصر، حيث يشتبه على أنه هناك اشياء تطبخ على نار هادئة في الكواليس، بداية بإلغاء الرحلات الى قطر بحجة صعوبة المناخ، فيمكن أن نطرح بعض الأسئلة في هذا الصدد، هل الخطوط الملكية الجوية المغربية لم تقوم برحلات في تلك الفترة؟ لماذا تم الغاء جميع الرحلات الى قطر بالذات؟ هل المغرب كان يعلم مسبقا بنتيجة المقابلة؟ ام ان تمويل الدولة لهذه الرحلات جعلت تضع حدا لها؟ نظرا لكثرة الطلب.
وبعد يوم واحد من المقابلة وضعت فرنسا ورقة يمكن ان نسميها ضغطا على دولة قطر، بعد أن تم وضع نائبة رئيسة البرلمان الاوروبي إيفا كايلي في السجن بتهمة اتخاذ الرشوة من دولة قطر، لماذا اتخذ البرلمان الأوروبي هذا القرار في هذا الوقت بالذات؟ حيث يعتبر هذا كتهديد غير مباشر للدولة المستضيفة، من أجل البحث والنبش في تفاصيل احتضانها لهذا الحدث العالمي.
اما يوم المباراة حضور الرئيس الفرنسي وغياب الامير القطري الذي حضر جميع مباريات المنتخب المغربي، خطف ادهان الفاعلين، ووضع اكثر من علامة استفهام حول مصير المباراة، كما أن الشكوك ازدادت بعد المجزرة التحكيمية التي بصم عليها الحكم الميكسيكي، بعد أن تغاضى على ضربتي جزاء وعدم رجوعه الى تقنية الحكم المساعد.
انتهت المباراة لصالح ال”ديكة” وحملت معاها اسرار لم يتم كشفها وألغاز لم يستطع أحد ان يفكها، روايات عديدة من مصادر رفيعة أكدت على أن الشركات الإشهارية والراعية لهذا الحدث الكروي العالمي ضغطت بكل ما لديها من امتيازات على الفيفا من أجل جعل فرنسا والارجنتين في النهائي، لضمان أحسن وأفضل ترويج لهذه المناسبة العالمية.
لتبقى صورة المونديال مرتبطة بحركة أشرف حكيمي، التي اشعلت النيران واحرقت الطبخة، ولم ينال المغرب من الفيفا سوى “الأصفاد” التي ربطت ذراع العالم العربي والافريقي، بعد أن اصبحت المصالح والعلاقات الدولية لها ارتباط وطيد بالرياضة، وقطع أجنحة دول كانت ستحلق عاليا لولا صيدها ببندقية الفيفا، التي باتت تعرقل اي منتخب من دول العالم الثالث اراد ان يعيش حلم المنافسة والتتويج، لكم ألقابكم ولنا مجدنا.