الرئيسية آراء وأقلام الديمقراطية التركية

الديمقراطية التركية

BF0B211E C35F 4B94 AFC1 C0F6962F7082.jpeg
كتبه كتب في 30 مايو، 2023 - 9:37 مساءً

ظهر مصطلح الديمقراطية لأول مرة ببلاد اليونان القديمة للتعبير عما يعرف بحكم الشعب، ديموس تعني شعب، وكراتوس تعني سلطة، بحيث كان الشـعب آنـذاك يمثل مصـدر الشرعية ويمـارس السـلطة فـي اتخـاذ القـرارات بشكل تشاركي جماعي، وبالتالي يمكن تعريف الديمقراطية بأنها العملية السلمية لتـداول السلطة بين الأفراد أو الجماعات، كما أن العملية الديمقراطية تقوم على المنافسة السياسية التي تفترض تواجد الأحزاب السياسية لضمان غرس وتعميق جذور الديمقراطية، بصفتها وسيطا بين المواطـنيـن والدول.

كمال كليجدار أوغلو منهزما في السباق الرئاسي قال إنه يشعربالحزن لأن هناك صعوبات تنتظر البلاد بينما غنى أردوغان احتفالا بفوزه في الانتخابات مع أنصاره، الشيء الذي عرفته المعارك الحزبية والاستقطاب السياسي منذ العهد الدستوري الثاني، رغم أن الهدف واحد كما يقول الكل وهو الدفاع عن الديمقراطية.

بين رغبة أردوغان في التغيير وحال الاقتصاد التركي، مع ارتفاع التضخم وضعف العملة لسنوات عدة، وانخفاض مستويات المعيشة، ثم تأثير الزلزال في مقتل الآلاف وتشريد ملايين آخرين، أضف إلى ذلك الأضرار الواسعة للبنية التحتية والشركات

بين مزاعم بالفساد الانتخابي وبين كلمة أر دوغان الحماسية أن لا أحدا بمقدوره أن يسيئ للحريات في تركيا، سارت عمليات الاقتراع بسهولة وبصورة انسيابية، دون وقوع مشكلات تذكر، لتظهر النتائج وتتوالى التهاني من الأصدقاء والخصوم أو علىأقل تقدير ممن لهم موقف من سياسات أردوغان.

كيف سيكون أثر هذا التدافع السياسي في البيئة السياسية؟

وما كانت الانتخابات إلا سبيلا من السبل التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة للبلاد، وهي من أهم الممارسات السياسية لنقل السلطة، ثم ظاهرة لإرساء قواعد الديمقراطية.

لم يكن للانتخاب في الديمقراطيات الإغريقية والرومانية دوراً بارزاً لأن الحقوق المدنية والسياسية كانت محصورة في عدد قليل من السكان أما الباقون فهم عبيد ليست لهم أي حقوق، وبعد انهيار الإمبراطورية الرومانية تقلصت فكرة السلطة العامة في أوروبا وانتشر نظام الإقطاع والطبقية فكان الفرد لا يتمتع بحقوقه إلا عن طريق الجماعة وكان دور الجماعة هو التمثيل، وعليه لم يكن الشعب يشارك في ممارسة السلطة العامة رغم الانتخاب، إلى حدود القرن الثامن عشر وظهور نظريات السيادة الشعبية ثم الديمقراطية التمثيلية، إلى أن أصبحت الانتخابات الأداة الأساسية للحفاظ على انتقاء الحكام بطريقة شرعية.

وتركيا، شأنها شأن غيرها من الدول، لها ساحاتها الأساسية الإقليمية ضمن البيئة المكونة لحدودها وأهميتها الجغرافية موقعها بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، تقوم بدور الجسر الطبيعي لنقل الطاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا. وتلعب دورا فعالا في المنطقة كوسيط في تحسين السياسات الخارجية، هي البلد الذي يتطور بسرعة، التحضر، التكامل الاقتصادي والثقافي مع العالم.  وما يجري فيها من 

تركيا تستبطن ذكرى الإمبراطورية العثمانية التي عانت مفهوم القوة القديم الذي يرتكز على إدارة النزاعات وتخفيف حدة التوتر والحفاظ على توازن القوى، لتلعب دورا أساسيا في تحول هذا المفهوم وبلورته في عمليات العقوبات والتأنيب والإدانة. في ظل هذه الظروف تظهر الهوية في الخطاب الذي تعتمده الديبلوماسية الجديدة والمطالبة بإدراج اسم تركيا ضمن الكبار مرتكزة على القوة الاقتصادية وبنيتها التحتية التكنولوجية والتراكم العسكري لديها عناصر متغيرة غير ثابتة، الشيء الذي تعلمه جيدا القيادة التركية، وتعلم كيف تقوم ببناء استراتيجيتها مرتكزة على العمق التاريخي والجغرافي، ثم الاستراتيجية و السياسات المرتبطة بالمناطق الجغرافية، ثم التفاعلات في إطار العلاقات الدولية، ولاسيما تلك التي تنطوي على دلالات ومؤشرات إقليمية يمكن أن تمس المصالح القومية التركية وتؤثر فيها. تركيا عضوة رئيسية في حلف الناتو، لها علاقة وثيقة مع روسيا لكنه في الوقت نفسه يقدم مساعدات لأوكرانيا، لها أيضا علاقات جيدة مع جميع حلفائها ذلك لوجود سياسة خارجية مستقلة. 

أو كما وضح دوفيرجيه إن القوة العددية لحزب معين ليست كافية لوصف حزب بالمهيمن بل وإضافة لعدد الانتصارات الانتخابية وسلطة الأرقام ثم اعتراف الساحة السياسية بقوة الحزب ونفوذه وهو أصبح متجليا تقريبا في جميع الانتخابات بحيث تحولت هذه الأخيرة إن صح التعبير عن استفتاء على الأداء السياسي لحزب العدالة والتنمية.

بين كل هذا فالظاهر أن تركيا تتمتع بخبرة كبيرة في ثقافتها السياسية، من خلال انتخاباتها، وتقاليدها الحزبية مستفيدة من إرثها الكبير في الحياة السياسية، نموذجا الانتخابات المحلية والرئاسية وكذلك الاستفتاءان الدستوريان.

8881f29e e722 4b09 b4a2 b7da8d41c511

يوسف الحفيرة 

طالب باحث بســلك الدكتـوراه جامعة محمد الخامس

مشاركة