الرئيسية آراء وأقلام الحرية الفردية بين التحريم و التجريم

الحرية الفردية بين التحريم و التجريم

IMG 20191024 WA0107.jpg
كتبه كتب في 24 أكتوبر، 2019 - 9:37 مساءً
  • الجزء الأول
    كتبه مصطفى امجكال
    بين الفينة و الأخرى في بلدنا العزيز تثار الزوبعة في فنجان الساحة السياسية و الفكرية و الدينية، فتتحرك الأقلام و ترفع الأعلام و تدق طبول الحرب و تحفر الخنادق و تبدأ أكبر عملية تصفية للحسابات بين كل الأطراف ، حيت يدعي الجميع الحقيقة ، بينما يتيه المواطن المسكين في أودية الحياة السحيقة.
    خرج بلافريج عند فيدرالية اليسار بتصريح حول الحريات الفردية و خرج المعترضون كما هي العادة يدافعون عما يعتقدون أنه الصواب و الحق ، و تزامن هذا مع قضية الإجهاض و هاجر الريسوني و العفو الملكي عنها مؤخرا وخروجها من السجن و ما صرحت به حول ما قاله الدكتور الريسوني عن الحريات الفردية . كل هذا و ذاك أشعل فتيل الحرب و حشد كل فريق أتباعه يناصرون و ينتصرون و يعلنون التضامن و التآزر و يوقعون العرائض ، فانغمس الكل في موضوع الحريات الفردية بين الضحية و الجلاد . لكن المواطن البسيط يسأل هؤلاء جميعا : من الضحية و من الجلاد ؟
    الضحية في اعتقادي هو الشاب الذي لم يتعلم اوصل النقد العلمي منذ نعومة أظافره و وجد نفسه ضحية الأيديولوجية تتلاعب به يمينا و شمالا، هذا يقول له فلان ضال وجب زجره و قتله فيسارع إلى التنفيذ كأقرب وسيلة الى الله و الجنة. و الضحية أيضا في الطرف الآخر ذلك الشاب الذي صورو له أن الحداثة و التقدم في معادات كل مظاهر التدين و زرعوا في خلده محاربة كل كلام تضمن قال الله و قال رسوله .. فصار كل متدين إرهابي ، وكل ملتح داعشي ، و كل محجبة او منتقبة اخوانجية متطرفة. ..
    لقد نجح زعماء الطائفتين في صناعة القطيع و تربية الاتباع و المقلدة ، يحاربون بهم في كل الجبهات و يحركونهم في كل الاتجاهات. فكيف بالله عليكم يا أولي الألباب يمكن لمجتمع كيفما كان أن يعرف معنى الحوار وفيه زعماء و اتباع من هذا النوع و هذه الفصيلة؟ !
    الضحية هو الفكر الديني نفسه الذي لم يستطع لحد الساعة أن يجد له أرضية للحوار بين كل الأطراف رغم كل الشعارات البراقة التي يرفعها الدعاة و المشايخ ، بالفعل انها شعارات جميلة و رنانة ، لكن تنزيلها سقيم و فاشل ، و يظهر ذلك عند أول جدال حيت تنتشر مصطلحات : كافر ، زنديق ، ضال ، مخنث، ديوث ….تؤثث فضاء الحوار و منصات التواصل الاجتماعي.
    و في المقابل، لا يزال أرباب الفكر التقدمي الحداثي ينظرون للأحداث و الوقائع من برجهم العاجي المتعالي الذي يرى كل خطاب تراثي رجعية و تخلف . فصار هذا الفكر ضحية في حد ذاته حيت يرى الحقيقة عنده لا عند غيره ، و مهما حاول الإدعاء فواقع النقاش العمومي هو المرآة الكاشفة لحقيقة الفكر و جوهره و ليس الشعارات .
    في عودة سريعة لموضوع الحريات الفردية و كمتتبع للأحداث و ملاحظ دون أي ميل لطرف على حساب الآخر، و ان كان كلامي هذا سيغضب بعض الأطراف، لكن يبقى الرأي عندي يقبل النقاش والحوار في حدود الأدب و المسؤولية .
    موضوع الحرية الفردية يرتبط اساسا بموضوع التفرقة بين التحريم و التجريم و هنا لابد من وقفة تأمل عميقة جدا في المفاهيم و التطبيقات
    اولا : الحرام هو النهي الذي يعاقب فاعله و يثاب تاركه ، هذا تعريف الحرام من الناحية الأصولية . يبقى مفهوم العقاب في التعريف هل هو عقاب أخروي ام دنيوي ؟
    من خلال التعريف أيضا لابد أن يكون العقاب أخروي كما أن الثواب أخروي أيضا، فالذي يترك شرب الخمر مثلا طاعة لله يجازيه الله بالأجر وحسابه عند الله في الجنة ، انا الذي يشربه فإثمه على نفسه و جزاءه عند الله في الآخرة.
    لكن متى يتحول الجزاء من أخروي إلى دنيوي ؟
    إذا تعدى الفاعل و تجاوز مسألة الحرام في ذاته إلى آثار سلبية على الناس والمجتمع هنا يصير العقاب بين يدي السلطة الدنيوية التي يبث فيها القضاء ، أن كان حدا فحد و ان كان تعزيرا أو أحكاما أخرى تراها المسطرة القانونية فيكون الحكم بحسب الحالة و درجتها .
    لماذا هذا التفريق و ما مصدره ؟
    هذا ما سأحاول طرحه في الجزء الثاني من المقال بإذن الله .
مشاركة