إعداد: الدكتور محمد الخضراوي
التضامن الإنساني في مواجهة كورونا: مسؤولية تاريخية
يقال في طي كل نقمة نعمة و في المحن تظهر المنح.
في زمن كورونا ظهرت على مجتمع المعرفة و الإعلام و الذكاء الاصطناعي أعراض الأخبار الزائفة و التشكيك و التهويل و أصبحت المعركة الأولى هي “مواجهة وباء الخوف”.
في زمن السرعة صار الجميع مطالبا بالدخول في سباق ضد السرعة من اجل الهدوء و الحكمة و التبصر.
في زمن انحسار الحدود و بزوغ شمس العولمة و المواطن الكوني، طفا عل سطح الواقع نزوح حاد نحو مبدأ اللاعولمة و إغلاق الحدود و النظر في قمر الذات.
في زمن الفردانية و التواصل الافتراضي أدركنا أن العلاج يقتضي جرعات كبيرة من التضامن الإنساني و الوطنية.
في زمن كورونا اكتشفنا أن المجتمع القوي يكتسب مناعته تلقائيا و ان الاختبار الحقيقي يكمن في القيم الذاتية و المناعة الأخلاقية و الإنسانية.
و أدركنا أن الصحة “عامة”، و أنها مسؤولية الجميع.
كثيرة إذن هي الدروس الأولية المستفادة من بين ثنايا التدابير الوقائية و الاحترازية التي عرفتها بلادنا، لكن يبقى في نظري أول و أقوى الدروس المغربية هو صندوق التضامن الذي يعكس عمق المبادرات و التوجهات الملكية المتبصرة القوية الدلالة، المنسجمة مع رؤيته الإستراتيجية التي عبر عنها جلالته في كل الأوراش الإصلاحية الكبرى التي يقودها بكل ثبات المبنية على قيم التضامن و التكافل و المواطنة و المسؤولية الجماعية و الحكامة في التخطيط و التدبير.
صندوق مخصص لتأهيل المنظومة الصحية و دعم الاقتصاد الوطني و الحفاظ على مناصب الشغل و التخفيف من التداعيات الاجتماعية لجائحة كورونا، يبرز الشخصية المغربية الحقيقية المتفردة من خلال التفاعل التلقائي لمختلف مكونات الشعب مع هذه المبادرة الحكيمة.
بنات و أبناء هذا المغرب الذين اعتادوا المحافظة على أعراف و تقاليد التضامن في مناسبات العقيقة و الأعراس كما في الوفاة و النوائب.
المغاربة الذين أسسوا نظام “التويزة” كعمل تطوعي جماعي في الحرث و البناء و الحصاد و نظام “شرط الفقيه” و افطارات رمضان و أضحيات العيد و تكاليف الدخول المدرسي، كأنظمة تضامنية لتامين تماسك المجتمع.
التضامن الذي اعتبره جلالة الملك محمد السادس في إحدى خطبه السامية انه يشكل ” دوما احد انشغالاتي الرئيسية” مضيفا ” و مما لا شك فيه ان التضامن جزء لا يتجزأ من ثقافتنا .. إن هذا التضامن يجب أن يكون اقل فردانية و محدد الأهداف و محكم التنظيم من حيث حيزه الزمني كما ينبغي أن يفرز أدوات دائمة و مضمونة و أن تخضع لتدبير شفاف و ذي مصداقية..”
إننا إذن أمام مسؤولية أخلاقية أساسية في ظل أزمة صحية عالمية حرجة يجب أن نتجاوز مرحلتها الأولى بكل تداعياتها و انعكاساتها دون سقوط في الهلع أو الاستهتار أو التشكيك و الانتقاد و بكثير من المسؤولية و الالتزام و الحكامة و الانضباط.
فيروس كورونا يطرح علينا في هذه المرحلة سؤال الأولوية: ما هو الأهم الآن؟
اليوم المجتمع أمام اختبار صعب في مواجهته لوباء عالمي، يستلهم فيه الدواء و الترياق من عمق قيمه و تقاليده الأصيلة المجسدة في الدستور وفي التفاف جميع مكوناته.
لا شك أن الرخاء معلم عظيم لكن الشدة معلم أعظم، وفي ساعة الشدة تنكشف المعادن.
و الأكيد أن الحياة تنتمي إلى الذين يواجهونها بدون خوف.