الرئيسية آراء وأقلام إزدواجية فهم النص القانوني هل هو إجتهاد قضائي أم تضارب قانوني ؟

إزدواجية فهم النص القانوني هل هو إجتهاد قضائي أم تضارب قانوني ؟

IMG 20211109 WA0110
كتبه كتب في 9 نوفمبر، 2021 - 1:57 مساءً

إن الزواج بمفهومه الديني العميق والأوسع رابطة مقدسة تهدف الى حصن النفس وتعففها وفي الحديث النبوي الشريف…يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه اغض للبصر واحصن للفرج..وقد جاء الإسلام فحرم الانكحة التي كانت سائدة في الجاهلية كنكاح الشغار والبدل والضيزن والمضامدة.. ، حماية منه للنسل وحصنا منيعا للعش الاسري كي لا يطاله العفَن وحتى لاتصبح الأسرة مرتعا للفساد والإفساد بل أرضا خصبة لتربية النشء على الطريق السوي والقوام الصحيح وقد سن الاسلام قواعدا وشروطا لا يستقيم هذا الترابط الشرعي الا بها وهو التوجه الذي ذهب به المشرع الأسري المغربي حيث خصص اركانا وشروطا
(م ١٣،١٠من مدونة الاسرة) تلزم الطرفين في إنشاء عقد صحيح ميزه الله تعالى عن باقي العقود المدنية فسماه بالميثاق الغليظ .
وأنا اليوم اكتب ليس تعريفا بمؤسسة الزواج ولا سردا لأركان وشروط عقد الزواج ولكن استوقفني قرار لمحكمة النقض كان محل نقاش وجدل واسع في الآونة الاخيرة؛ والذي اعتبر القاصر التي تتعاطى الخيانة الزوجية معفاة من العقاب بل إن شريكها يتابع بجنحة التغرير بقاصر وهتك العرض ..؛ وتعود فصول القضية الى سنة ٢٠١٩ حيث تابعت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالصويرة فتاة قاصر بعدما ضبطا متلبسين هي وشريكها بفعل الخيانة الزوجية بناء على شكاية مقدمة من طرف الزوج وقد احيل ملفهما على قاضي الأحداث.. . ولا أعلم حقيقة لماذا أحيل هذا الملف على قاضي الأحداث إذا كان مثل هاته الأفعال(الجرائم الماسة بالآداب) ينظر اليها القاضي الجنحي؛ أي قاضي الموضوع حتى ولو كان أحد طرفا النزاع قاصرا وهذا ما سايرته جل محاكم المملكة في جلساتها وفي القضايا المعروضة عليها من هذا النوع .. وقد صرح قاضي الأحداث ببراءة المتهمة من اجل مانسب اليها بعلة كونها قاصر مما يفرض التعامل معها على أساس كونها ضحية فعل تغرير وهتك عرض من طرف الشريك فاستانفت النيابة العامة قرار قاضي الأحداث متمسكة بمقتضيات المادة ٢٢من مدونة الاسرة والتي تنص على أن القاصر الذي يأذن لها قاضي الاسرة المكلف بالزواج تكتسب الاهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل مايتعلق بآثار عقد النكاح من حقوق والتزامات معبرة كذلك أن هاته المادة ترتب أيضا المسؤولية الجنائية في حق القاصر التي حصلت على إذن قضائي بالزواج..وهو المقرر الاستئنافي الذي نراه صائبا من طرف النيابة العامة .
وقد ذهبت محكمة الاستئناف في نفس توجه المحكمة بعدما ايدت حكم المحكمة الابتدائية وتقدمت النيابة العامة بعريضة نقض معتبرة أن هذا القرار فيه خرق لمقتضيات قانون الأسرة سيما المادة ٢٢ منه وكذلك القانون الجنائي المادة ٤٩١ منه.. وقد اعتبرت محكمة النقض ان قرار محكمة الاستئناف جاء صائبا حينما أيد الحكم المستأنف القاضي ببراءة الحدث من جنحة الخيانة الزوجية واستندت على كونها قاصر ضعيفة التمييز مما يستلزم التعامل معها كونها ضحية تستحق الحماية القانونية طبقا للفصل ٤٨٤ من القانون الجنائي ومن تم لايمكن اعتبارها فاعلة اصلية في جنحة الخيانة الزوجية وإنما ضحية مغرر بها طالما لا يتجاوز سنها ١٨ سنة وهو ما ينسجم مع التزامات المغرب الدولية سيما اتفاقية حقوق الطفل لسنة ١٩٨٩ وعليه قضت محكمة النقض بعدم قبول الطلب المقدم اليها من طرف النيابة العامة وتأييد الحكم الاستئنافي فيما قضى به ببراءة الحدث من جنحة الخيانة الزوجية.
إننا لا نخفي سرا اذا قلنا أن قرار محكمة النقض جاء في هاته المرة مجانبا للصواب لعدة أسباب نذكر منها أن المشرع الجنائي عندما أعطى تعريفا لمفهوم الفساد في الفصل ٤٩٠من مجموعة القانون الجنائي لم يميز بين القاصر والراشد ونص على “أن كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد…” فالقاضي الزجري ملزم بقاعدة عدم التوسع في تفسير النص الجنائي او مايطلق عليه مبدأ التفسير الضيق للقانون الجنائي لذا يكون ملزم بمتابعة الاطراف بالفساد أو الخيانة الزوجية كلما ضبطوا في حالة تلبس ومن المعلوم ان المشرع الجنائي خرج عن المبدأ المقرر في الإثبات في الميدان الجنائي المنصوص عليه في المادة ٢٨٦ من قانون المسطرة الجنائية والقائم على حرية القاضي الجنائي في تكوين قناعته ليلزمه في الفصل ٤٩٣ من ق ج بتتبع أدلة محددة في إثبات جريمة الفساد والخيانة الزوجية وهي ثلاثة يمكن الرجوع إليها(..).
إن الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل والتي وافق عليها المغرب والصادرة من الامم المتحدة في ٢٠ نونبر ١٩٨٩ والتي صادق عليها المغرب في ١٩٩٣ والتي استند عليها القرار في تعليله نجد في مقتضياتها انها ليس لها أية علاقة بمؤسسة الزواج هذا الترابط الشرعي الذي يجد أساسه وسنده في كتاب الله وسنة رسوله وفي تقريرات فقهاء الشريعة الإسلامية والهدف من هاته الاتفاقية حماية الاطفال( لا علاقة الازواج فيما بينهم التي يؤطرها نص خاص ‘مدونة الأسرة ‘ ) بسبب عدم نضجهم البدني والعقلي مع الاهتمام بقضايا الحضانة والتبني وقضايا الاحداث(قواعد بيكين) وعندما أراد المغرب الإنضمام إليها كان فطنا للمادة ١٤ من هاته الاتفاقية والتي صدر تحفظا منه بشأنها والتي تنص على ان “تحترم الدول الأعضاء حق الطفل في حرية الفكر والوجدان أو الدين” وقد نص المغرب على تسجيل التحفظ الآتي:
“إن المملكة المغربية التي يضمن دستورها لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية تتحفظ على أحكام المادة ١٤ التي تعترف للطفل بالحق في حرية الدين، نظرا لأن الاسلام هو دين الدولة ” . فالدين الإسلامي هو دين الدولة وهو المقرر في دستور المملكة والدين الاسلامي يدعونا الى حماية الأسرة بدءا بإنشاء عقد الزواج وصونا لهذا الترابط الشرعي الذي يحدد للطرفين ما لكليهما من حقوق وما عليهما من واجبات .. .
إن الاتفاقية الدولية التي استند عليها القرار والتي اخذ منها المشرع الاسري المادة ٥٤ من مدونة الأسرة تنص على حقوق الأطفال إتجاه ابويهم ولا نرى فيها ما يدعو الى حماية القاصرين المتزوجين و لا القاصر المتزوجة إذ هي كانت فاعلة أصلية في جنحة الخيانة الزوجية ونصت المادة في آخر فقرتها على.. أن الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الاطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون.
إن مضمون هذا القرار ليحمل في طياته آثارا سلبية في المستقبل بحكم أن الاجتهاد القضائي يوحد الأحكام القضائية بين محاكم المملكة ويأخذ صبغة القاعدة القانونية فسيترك الباب مفتوحا أمام ذوات النزوات الطائشة القاصرات اللاتي يحصلن على إذن بالزواج للفساد ولو بصفة ظاهرة ومتواترة بحكم أنهم لن يتابعوا بجنحة الخيانة الزوجية حتى ولو ضبطوا متلبسين بها بل سيتابع الشريك بجنحة هتك عرض والتغرير بقاصر وقد تتحول الجنحة الى جناية إذا ما افترت هاته القاصر ( لضعف قواها) على الشريك أنها تعرضت للعنف والاختطاف والإيذاء العمدي منه أو أشياء من هذا القبيل.. .
وهذا امر خطير يجب مراجعته فسيفتح الباب على مصراعيه لانحراف هاته الفئة(القاصرين) يجب تداركه وعلاجه قبل فوات الأوان لكونه يشكل دعما معنويا للمنحرفين ومحترفي الفساد والبغاء للعبث بالاعراض والنسل كما انه يشكل خرقا للمساواة أمام القانون إذْ مامعنى أن يتابع ويسجن الشريك بدعوى هتك عرض والتغرير..وبالتالي لا يعاقب الطرف المتزوج في العلاقة الجنسية غير المشروعة ، ماذا اذا ترتب عن هاته العلاقة الغير الشرعية حملا ؟ بل ما مصير نسب المولود إذا كان لا يجتمع حد ونسب ومحكمة النقض اعفت نهائيا الزوجة بالعقوبة وجعلتها في مركز الضحية بدل الفاعلة الأصلية !!
إننا نغلب فئة على حساب فئة أخرى ونترك الباب مفتوحا لاختلاط الأنساب وهذا أمر يندى له الجبين.
وكيف نعالج الموضوع اذا كان كلا الطرفين قاصرا-الزوجة والشريك- هل سنحاجج مرة أخرى بالاتفاقية الدولية و التي فيها اعضاء مسيحيين وبوديين ويهود ومنهم من لا يدينون بدين سماوي (ونقولولهم الله يسامح نتوما قاصرين ..) أم سنعود مرة اخرى ونتابعهم بالفصل ٤٩٠ و ٤٩١ من ق ج .. ام ماذا!! رغم ان هذا الفعل (الخيانة..) سلوك منبوذ في جميع الأديان.
إننا في حاجة الى مراجعة أخطائنا فلا بأس ان نخطئ فالخطأ نهج ابن آدم لقصور نظره للاشياء ومحدودية فهمه وقلة علمه فكلنا قد نخطئ وخير الخطائين التوابون .. ومن رسالة عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما حينما ولاه على قضاء الكوفة والبصرة قائلا له فيها ” ..لايمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم، لا يبطل الحق شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل “

** عبد المنعم عاشور- كاتب، باحث قانوني

مشاركة