الرئيسية آراء وأقلام غاب اليوسفي، فماذا تبقى ؟.

غاب اليوسفي، فماذا تبقى ؟.

IMG 20200529 WA0137
كتبه كتب في 29 مايو، 2020 - 8:34 مساءً

بقلم:أحمد خليلي

لبى رجل الدولة المغربية الكبير الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي نداء ربه وسلم الروح لبارئها، هكذا يكون المغرب قد ودع أحد رجالاته الوطنيين الذين يعز الزمان عن الإتيان بأمثالهم، وسيكون من المجحف جدا ومن الظلم الحديث عن الراحل الزعيم الاتحادي والوزير الأول الأسبق، بالاقتصار على سرد محطات حياته بطريقة متكررة وجافة.
فقد جمع في شخصه رحمه الله الوطنية والشجاعة والاستقامة والنزاهة الأخلاقية، إضافة إلى قوة المبادئ وصلابة الرأي، والإيمان الحقيقي بقيم الحرية وحقوق الإنسان واحترام الرأي والرأي الآخر في وقت كانت الأفكار القمعية هي السائدة، فخبر السياسة وأهلها في سن مبكر وراكم تجربة مرجعية في تدبير مراحل مفصلية في تاريخ السياسة في المغرب، مما يجعل من حياته كمماته لحظات حافلة بالدروس والعبر، وإن لأبرز ما ميز الفقيد قيد حياته هو إبداؤه دائما مواقف رافضة للإهانة والظلم والاستبداد والتسلط، مواقف أدى ضريبتها غاليا، وأمضى على إثر ذلك سنوات من عمره بالمنفى ووراء القضبان، سنوات وشمت في الذاكرة وتركت عللا على صحته عجلت برحيله.
وبذلك يصفه كل ما عايشه بالرجل الاستثنائي الذي لعب دورا حاسما في تاريخ بلده بفعل وطنيته الصادقة والتزامه السياسي الخالص واستقامته الأخلاقية القوية وتفانيه اللامتناهي لخدمة الصالح العام، انخرط في العمل السياسي والنضالي مبكرا وأسس خلايا النضال وعمل سرا في صفوف المقاومة، فأصبح مطاردا وفارا من الاعتقال إلى أن استقر في الدار البيضاء ليعكف على تنظيم الطبقة العمالية.
رجل السياسة والزعيم الوطني عبد الرحمان اليوسفي من طينة الكبار الذين آثروا النفس ومن السياسيين القلائل جدا ممن اعتذروا عن تقبل معاش من جيوب الفقراء، كما اعتذر لطلبات كثيرة لتكريمه وطنيا ودوليا والاحتفاء به، وكان دائما يردد بأن ما قام به هو واجب وطني ونضالي، وبأن فعل الواجب يسقط التكريم، عرضت عليه مناصب في مؤسسات مغربية وأجنبية، لكنه تشبث باستقالته من العمل السياسي.
رفيق بنجلون والمهدي وبوعبيد كان من الجيل السياسي المتميز منذ الصغر بالحس التنظيمي والديناميكية والقدرة العالية على التفكير والتأثير على مخاطبيهم والاحتفاظ بالسر، عمل صحافيا في الخمسينات ثم رئيس تحرير لجريدة “التحرير” الناطقة بلسان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية التي خاضت نضالات حقيقية وجريئة، واعتقل على إثر كتاباته الجريئة، حيث كان دائم القول بأن الحكومة إذا كانت مسؤولة أمام جلالة الملك فإنها أيضا مسؤولة أمام الرأي العام.
اختار المنفى الاختياري بفرنسا نتيجة مواقفه قبل أن يقرر العودة في إطار المصلحة العليا للوطن والإصلاحات الجديدة ومسلسل المصالحة مع النظام السياسي، وتولى قيادة سفينة الاتحاد الاشتراكي سنة 1995، لتتوج هذه الفترة بقيادته لحكومة التناوب كوزير أول مع أنه لا يركض وراء المناصب بل ينفر منها باستمرار كما حدث عند استشارته برئاسة هيأة الإنصاف والمصالحة نهاية عام 2003، وهي الفترة سيكتشف بالصدفة أنه مصاب بمرض السكري وأمراض أخرى مزمنة سكنت جسده بالتأكيد نتيجة ما كابده من معاناة مع التضييق السياسي.
مات الفقيد متأثرا وفي حلقه غصة الواقع السياسي الذي يؤثثه خلف أضاع الصلاة واتبع الشهوات، يؤجر “حنكه” ويتأثر بالأوامر ولا يؤثر في أي قرار، لا يقدم أو يؤخر شيئا، يكتفي بالاستماع دون أن تكون له وجهة نظر فيما يطرح، يقبل بأي عرض قد يؤثر عليه دون أن يعترض عليه، الهرولة عنده سياسة “واعرة” لولاها لما استمر في كرسيه حتى اليوم، لذلك وقبل أن نلومهم، على حفدة اليوسفي أن يجدوا علاجاً للمهرولين ومن ثم سيجدونهم مجبرين للتأقلم مع مطالب التغيير إلى عهد أفضل.
الدار البيضاء في 29 مايو 2020.

مشاركة