للكاتبة: هند بومديان
من الصعب نزع القناع لعابرة سبيل نهمة للضياع، تحاول نسج حروف و كلمات لا تغلق للذكرى باب ، بل تبتسم و صرير الفجر يذبحها على همس الرباب …
ربما، أنا ككل عام أشعر بالكثير من الضوضاء الداخلية ، ف تنتشي روحي و تبتسم رغم كل هذا الشتات ، لكنني صدقا أدمنت أفيون قصائدي ، و في حنايا نفسي كل البعثرة ، و في أفكاري أشعر بشيء ما يدغدغ ذاكرتي ، ف أتقمص دور الشاردة ، و أمتطي صهوة حروفي ، لأشعر ب حالة من الهذيان تخطفني من الكواليس ، قاب أمنيتين من ذاتي ، وتسيطر على كل كياني .
- فكيف أبدو في حضرة الغياب ؟
إن ساد مثلا موكب الصمت ، و سارت الشمس خلفي تخطف الظلال ، و ذاك الضوء الذي يتسلل من بين شقوق العمر . - كيف أغدو فعلا بدون ذاكرة ؟
و أنا أقبل جبين مولدي بكلمات تخرج من روحي ، لتعانق الحروف على سطور القدر ، و تعبر بذاكرتي أطيافا بعيدة .
فعلا تمت شعور خفي بداخلي ، تتلامس فيه المشاعر المؤلمة و المرهقة ، ل تبعث بعضا من الراحة و تترك المحطات مفتوحة في كل مكان كلما اقترب التعب و استحال البقاء ، لأترك جزءا مني أاحتاجه و يحتاجني بعمق على ضفاف الوداع ، يشطرني صوتي فأهجع في بلاط ذاكرتي لأنتظر اللحظات ، و أدون على صفحات العمر بضع حروف خلقت من روحي لتنبض على الورق ، كجزء مني ولكن كثيرا ما اكتشف ب أن ما أكتب هو مزيج من كل شيء ماض بعيد يسكنني ، وحاضر قد يأتي ليمطرني بعطر الصباح فيزهر في قلبي الياسمين ، و تتمادي في صمت رغبة مني في إدراك كل الأمور التي تدور حولي ، ف أكتشف من جديد ملامح ضياعي ، و حدود هذياني ، و كلي حاجة لبعض الوقت … نعم انه بعض الوقت ، أعبر من خلاله تلك البوابة التي تفصلني بيني و بيني ، ربما بين ذاتي و روحي، فكلاهما أنا , و أنا بحاجة لأن أصبح منفصلة عني حتى أعاود من جديد الكتابة ، فلا شيء يشعرني بذاك المذاق الذي كان بذاكرتي ، سواء ذهبت منه إلي أو التزمت السكون ، فعلا لاشيء يمنحني كمال الشعور الذي بت أنساه إلا حضوري من ذاك الغياب ، و جفني الذي يسابق النعاس في انتظار حلم جديد .
و حين التقيني ، أعانقني ، و اغني فوق خصر ذاكرتي ترانيم غجرية ، لتثاءب مآقي لهفتي ، و تتسع خطى عتمتي الهاربة ، فأرتشفَ الهدوء من ثغر التجلّي ، و أتمرد في فضاء عذب يسكبني خمرا معتقا في فناجين قدري .
لكن اقسم أنه لم يسكرني مثلما يثمل السكارى حد الجنون ، و الغباء ، و البكاء .
اسكب النور ليعبر ذاكرة المكان دون تأشيرة أو سؤال ، وعلى أغصان الروح تشهق غمامتي الحبلى بالتعب ، تقتفي أثار ظلي الكسيح ، و تخبرني أنه حين التقينا كان بحدقي ألم و حسرة يلملم تمتمات الليل حين يصافح حلمي ، ف اخفضي نورك أيتها الشمس حتى لا تحترق أجنحة قصيدي ، عساني أحبو و إياها في جحيمك نرتجي شتاء الأماني حين نلتقيك .
يا الله ، مرت سنين العمر مسرعة ب حلوها و مرها ، سمانها و عجافها ، و مازالت أنفاسي تهدج كلما اقترب تاريخ نبوءة أحلامي ، و موعد رحيل الأيام ، و دائما هناك شيء ينقصني و لا يكتمل للنهاية ، حد الوجع ، فكل شيء مؤجل ، ومؤقت في ذات الوقت .
و أنا أين أنا ؟
ربما تراكمت بلا ترتيب بداخلي ،وعندما أردت إطلاق سراحي رفضت الخروج إلى الحياة ، فأنا مازلت أشعر بنبضات قلبي متسارعة ، وبتلك القطرات الباردة التي تنساب على جبيني ، و أنا استرق النظر من رحم الحياة ، و كل من حولي يريدون قول الكثير من الأشياء ولكنهم عجزوا عن التعبير حينما رأوا ابتسامتي ، ل أكتشف بأنني غريبة الأطوار ، أتجول في ذكرياتي وحيدة ، و لا أدرك كل ما حولي ، ولكنني اعجز عن التواصل مع ذات وحدها تتدحرج دون إياب ، ربما يكون للقاء نصيب و إن كان فلا فرق إن تاهت معالمنا على مر السنين ، و تبدلت ملامحنا ، و سكننا الغياب بعد طول صراع مع الأيام ، فعلا فر منا الزمان و أصبحنا بلا وطن بلا تاريخ بلا هوية .
أنا مٓا بينّٓ هنا وهناك وهنالك أبحث عني عن أنفاسي الضائعة ، عن حكايات شتاتي أفتش بصمت ، فالمساحات كبيرة ، و أنا التائهة بحزني الدفين ، و كل الأبواب التي أوصدتها على نفسي ، و ذاتي مغلقة ، و أقفالها ضائعة لا صوت فيها سوى صدى الرحيل ، يتردد همسه على مسامعي فترسم مدامعي السلام على ملامح كل عيد .
أتسول أنفاسي بعمق ، و ألامس تفاصيلي ، و قد التحفت أوراقي ، لأعلق على جدراني ” راحلة ” قلبت صفحات الأحلام ، و تواريخ الميلاد ، علها تستطيع تجاوز العتاب ، لكنها خلف الرحيل لم تترك النسيان يلملم شتاته ، بل حملت بين حنايا روحها أجزاء متناثرة مني ، و مشاعر مبعثرة وأشياء أفقدُ معها لذة الحياة ، وحلاوة السنين ، فيسكن أعماقي مزيج من فرح منقوص ، و مشاعر آثمة لا يفهمها إلا من ذاق مرارة البعد و القرب من ذاته في أن واحد ، و كومة أمال كان نبض خافقها سراب ، يستجمع بعضه الملقى على عتبات الأرصفة ، و يمشي كالشمس محملا ب أعباء قابعة في جسدي ، تريد الخروج إلى ذاك المتسع ، لتتجول و ترى الكون و أبعاده و همجيته بداخلي .
فعلا أردت الخروج ، و أي خروج هذا و أنا التي طالما تركني الزمن على أبوابه غريبة استجدي الأمان ، و إن حدث وولجت إليه تحوطني الغربة من كل مكان ، انه فعلا الحلم الذي يناديني , فألبى له النداء …
أمممم ، - أليس لنا في ذاكرتنا وجوه ؟
- أليس لنا فيها بعض منا نتركه حين نرحل فيستقبلنا به العمر حين نعود ؟
- ترانا نرحل ونحن على يقين بأننا سنعود ؟
- أم أننا نرحل ونحن نعلم جيدا بأنه لن يكون لنا هاهنا مكان نعود إليه ذات يوم ؟
افقد ذاتي بذاتي ، فيوهج الضياع قلبي، و يجتاح روحي ، ف أكتب على شهادة ميلادي ضائعة ، لم تتدارك أوقاتها ، و كل ما تنتظره ،و تأمله ، هو امتطاء الركب و اللحاق بمن رحلوا على عجل.
ل ربما هول مأساتي والجراحات المثقلة بالغموض ، ك أوراقي ، أو ك بارقة أمل تتملكني ، ف أرسم عليها أطياف حضور مشتت ، و سنوات ضياع بين ذكريات تحملها ملامح قلب حزين ، و يرسمها عقل شارد لتشعل فتيل التفاؤل ، فلا أفتش فيه عن تلك الأوراق المطوية ، و الأحلام المتناثرة في مخيلة الأيام ، لا أبحث فيه عن بقايا أمنيات ، كلما دأبت بالصراخ انظر للمرأة ، ف أرى ما لا يرى فيني ، ملامح تائهة حزينة ، و أنثى تتجول في أرجاء الذاكرة ، بحثا عنها بين طيات السنين ، و كأن التعب انطوى ليختلج صدرها ، و يحمل وزرها ، و بين أيام زمنها تحاول عبثا البحث عن ماض بعيد يتسكع بين أزقة النوم المتقطع ، فتتجول بين سطوره وعود قيد النسيان ، و في ليلة كان عنوانها الصخب داخل ذات قد رحلت هي ، و لم تترك من أثرها على أرفف الزمان غير بقايا ، تنطبع على ملامح شاخت ، و هي تتقن الهدوء ، و الضجيج سيدها ، و كلما لامسها الورق تستعيد بريقها للحظات ضبابية المعنى.
في غمرة الندم أنسى كل ما قيل ، و أغلق على روحي أبواب النسيان، و انظر إلى سماء المستحيل ، لأراني نجمة من دون الأنجم أدور حول نفسي في فلك التيه العظيم ، يتهاوى حلمي ، و هتف قدري ، عساه يعيد البسمة المفقودة لملامح أتلفها الدهر .
هلا اتكأت برهة على صمتي ، لأقول ما سأقول بعقل مشوش ، فهناك أحجية بداخلي علي فك أسرارها ، أتساءل جهرا و علانية … - ترى هل أنا فعلا حقيقة أم وجود مبتذل ؟
تم أتوارى عن عيون الحياة ، استحضر ما لدي من قصص السعادة ، و التعاسة ، من الفرح ، و الحزن على حد سواء ، و كيف أحيا بداخلي ، و أنا لا اعرف من أكون ، دون أن أعرف هويتي ، و عنواني ، و سر هذياني في أيامي الدرامية .
س أخبركم كل سنة عني عيد ميلادي ، و عن تعبي الذي يصاحبني في صحوتي و منامي ، و كيف أعاتب روحي لأبحث بداخلي عن ذاك الحنين الرابض ب أعماقي ، س أخبركم كيف تباغتني السنين و أنا أتجاهل حلمي تارة ، و تارة أخرى اركض في ممرات التعب و أنا ارتدي اللامبالاة .
تبا ، ف وراء الكواليس ذاك الميلاد الحزين و كفى …