الرئيسية آراء وأقلام فيما بين القضاة والمحامين

فيما بين القضاة والمحامين

FB IMG 1568544964963
كتبه كتب في 15 سبتمبر، 2019 - 1:06 مساءً


ـــــــــــ
يشهد التاريخ، بما سجله في سجلاته التي لا تنمحي، أن جمعية هيآت المحامين بالمغرب، كانت، منذ تأسيسها، في صدارة المدافعين عن الكثير من قضايا الوطن.
وإذا كان هذا ثابتا لا مراء فيه، فإن الناظر في أدبيات الجمعية المذكورة، سيجد أن مناط اختياراتها النضالية لم تكن سوى تشبثها بجملة من المبادئ التي تدور مع مواقفها وجودا وعدما، ومن تلك المبادئ: مبدأ استقلالية القضاء.
فمنظور الجمعية المذكورة لاستقلال القضاء، كان يتمحور على أمرين اثنين:
أولهما: كونه هو بمثابة القطب الذي يجوب حوله بنيان الدولة الحديثة، فلا ديمقراطية ولا تقدم ولا ازدهار ولا تنمية بدون قضاء مستقل ؛
ثانيهما: أن استقلال القضاء هو المدخل الأساس لقوته، وبما أن المحامي هو جزء أصيل من أسرة القضاء، فلا شك أن قوة مهنة المحاماة من قوة سلطة القضاء نفسه، وأن هذه الأخيرة، هي الضمانة الوحيدة التي لا محيد عنها لممارسة مهنة المحاماة بما يليق بها كرسالة سامية نبيلة، خصوصا في علاقتها بمؤسسات أخرى.
وإيمانا منها بهذين الأمرين، لم تكن جمعية هيآت المحامين بالمغرب لتتردد في الدفاع عن مبدأ استقلال القضاء واكتساب قوته ومناعته كلما تم الافتئات والتأثير على سلطته، أو مجرد محاولة ذلك، سواء على مستوى الدستور أو القانون أو الواقع.
ونزولا عند هذه المعطيات التاريخية، فإن من يحاول تصوير نضالات الجمعية المذكورة دفاعا عن مبدأ استقلالية القضاء، باعتبارها كانت دفاعا عن القضاة كأفراد، مستغلا ذلك في خدمة “أجنداته” الانتخابوية أو السياسوية، فهو، وبلا شك، قد أساء إلى التاريخ المشرف للجمعية أولا، وإلى كفاح مؤسسيها ومسيريها من فطاحل النقباء على مر مسارها.
ورب متسائل يستفسر عن: دور القضاة في الدفاع عن استقلاليتهم في ظل هذا المشهد ؟
للجواب عن هذا التساؤل، وجب التمييز بين مرحلتين:
أولاهما: وهي المرحلة ما قبل دستور 2011، حيث كان الدستور القديم والقانون يمنع على القضاة التعبير العلني عن مواقفهم ولو كانت مهنية، كما كان يمنع عليهم التكتل في تنظيمات مهنية تدافع عن استقلاليتهم وحقوقهم ومصالحهم المشروعة، ومن شأن القيام بذلك أن يسلط عليهم سيف التأديب. وهذه المرحلة بالذات، هي التي انبرت فيها جمعية هيآت المحامين بالمغرب للدفاع عن استقلالية القضاء، في الوقت الذي لم يكن القضاء ليعدم رجالات وقامات بصموا تاريخه بقرارات غير مهادنة لأي جهة من الجهات، وبممارسات عملية تدافع عن استقلاليتهم فعلا لا قولا فحسب، والتاريخ يشهد على ذلك، وما تأسيس رابطة القضاة في ستينات القرن الماضي وظروف تأسيس جمعية الدفاع عن استقلالية القضاة بداية الألفية الثالثة ببعيدة عنا.
ثانيتهما: وهي مرحلة ما بعد دستور 2011، حيث أقر الدستور حق القضاة في التعبير وفي تأسيس جمعيات وتكتلات مهنية. وقد اضطلعت، في هذه المرحلة، جمعية “نادي قضاة المغرب” بالدفاع عن استقلالية القضاء، وأدبياتها في هذا مشهودة مشهورة، في الوقت الذي تراجع فيه منسوب ذلك لدى جمعية هيآت المحامين بالمغرب، ودونكم إحجامها عن عدم إبداء أي موقف بخصوص القانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية عند إعدادهما، بالرغم مما كان يعتريهما من تراجعات خطيرة وانتكاسات جسيمة لضمانات استقلالية السلطة القضائية.
من هنا، كان لا بد لهذين الإطارين (جمعية هيآت المحامين بالمغرب ونادي قضاة المغرب)، وفي هذه المرحلة بالضبط، أن يضعا اليد باليد لمواجهة التحديات والصعوبات المنتصبة في وجه العدالة ببلادنا، وهي جمة وكثيرة، دونما أي التفات لمن يستهوي خلق النعرات بين القضاة والمحامين بأسلوب دخيل على أعرافهم وتقاليدهم وأخلاقهم التي جُبلوا عليها، والتي لن تخدم إلا من له مصلحة في إضعاف القضاء والمحاماة.

عبد الرزاق الجباري

مشاركة