الرئيسية آراء وأقلام علاقة اللغة/الفكر بالواقع

علاقة اللغة/الفكر بالواقع

20180905 131657 1.png
كتبه كتب في 6 سبتمبر، 2018 - 12:36 مساءً

 

 

بقلم: ذ العياشي الفرفار

 

 

اذا كان المدافعون عن اللهجات المحلية و ادراجها بالمقرر الدراسي يبنون ترافعهم على ضرورة احترام هوية الطفل و تقدير شخصيته من خلال الاعتراف بتقافته المحمولة معه , و تجاوز العنف الرمزي المتمثل في اقصاء لغته الاصلية معتبرين ان قداسة اللغة العربية لا تستمد من هويتها الخاصة ومن امكانياتها لكن من ارتباطها بالقران , لذا فهي ليست بلغة حية و غير مرتبطة بالواقع .
فالمدافعون عن اللغة العربية كحامل بيداغوجي من اجل التدريس ليس فقط من اجل حماية لغة القران بما يضمن قداستها , بل باعتبارها لغة فكر و تفكير و بناء الهوية و ضامنة الاستقرار و النظام .
اولا : اللغة فكر .
المختصون في علوم اللغة يدركون عمق اشكالية علاقة اللغة بالفكر, و ايهما يؤسس الاخر و ما علاقة الدال بالمدلول و الاسماء بالمسميات او بتعبير اخرما علاقة اللغة / الفكر بالواقع .
البعض اعتبر ان اللغة مجرد اداة من ادوات الفكر و هي مجرد ناقل للفكر فافكر اسمى من اللغة وهو الموقف الذي دهب اليه ديكارت وقبله افلاطون , غير ان موريس ميرلو بونتي اعتبر ان اللغة و الفكر متماهيان فاللغة هي الفكر و الفكر هو اللغة . فلا وجود لفكر خارج اللغة و لا يمكن تخيل لغة فارغة وجوفاء بلافكر انهما متطابقان
بهذا المعنى فاللغة العربية ليست مجرد حامل بداغوجي لكنها فكر اولا اي ان تتضمن موروت الامة عبر تاريخها الطويل و يقدر الباحثون ان اللغة العربية تشمل على اكثر من 12 مليون كلمة و هي الرقم الاكبر في كل لغات العالم و التي تتجاوز 6000 لغة وهو ما يتيح لها التطور و الابداع لانها على 16000 جدر لغوي , في دراسة للمفكر عبد الصبور شاهين اعتبر ان كل انتاجات ادباء القرن 20 العرب لم تستنفذ سوى 4 في المئة من مخزون اللغة العربية وهو دراسة مهمة تكشف حجم الغنى و التنوع و الابداع التي توفره اللغة العربية في حالة وجود ذات مفكرة و نشيطة لان الكسل ليس مرتبطا بالنسق اللغوي لكن بالانسان العربي .
الذين يعتقدون ان اللغة العربية لغة للماضي و انها لغة بلا افق لانها لا توفر امكانيات التطور ينطلقون من تصورات غير دقيقة و خاطئة حول طبيعة اللغة و امكانياتها .
فالتقافة العربية مخزنة و محمية و متضمنة داخل اللغة و ليس خارجها , بمعنى انها اللغة العربية هي مستودع القيم و التراث و التقافة التي انتجها الانسان العربي خلال تاريخه الطويل .
لا يمكن ان تكون عربيا الا عندما تتكلم اللغة العربية , وهي عنصر وحدة و اندماج لانها تجمع و لا تفرق , لذا تسمى الامم نسبة الى لغاتها و ليس الى مجالها الجغرافي , الامة العربية , الامة الفرنسية , الامة الالمانية .

ثانيا : اللغة اداة تفكير

اللغة ليست فكرا فقط , لكنها تفكير أي انفتاح على الواقع و استكشاف للحقائق و اماطة اللتام عن المستور و ووسيلة تعبير عن ما يوجد بداخل الذات , بهذا لا يمكن ان نفكر و نحول المجهول الى معلوم الا عبر فعل لغوي كفعل تفكير , بمعنى ان اللغة تشكل قدرة تاملية وذهنية من اجل الوضوح و البيان , لذا ارتبطت اللغة بالبيان لانها تجعل الاشياء الغامضة اكثر وضوحا .
ان تكون اللغة تفكيرا , يفترض اساسا استدعاء و فهم معنى التفكير اولا , انه القدرة على احضار الغائب و جعله مرئيا وواضحا عن طريق وساطات تاملية و لغوية , فالتفكير هو الوسيلة الوحيدة لبناء الوضوح و تجاوز مناطق العتمة و الظلام , فاللغة تفكير بواسطتها يتم الخروج من الظلام الى النور, و هنا نتوقف عن المدلولات العميقة للحكمة القديمة :” العلم نور و الجهل ظلام ” فالذي يبدد الظلام أي عدم القدرة على رؤية الاشياء على حقيقتها هو العلم و اللغة . تكلم لكي اراك عبارة دوجين تكشف ان معرفة الاخر مرتبط بقدرته على الكلام .
باللغة يصبح العالم واضحا ومرئيا , فلا يمكن تملك العالم الا داخل اللغة لذا نجد المفكر و الفيلسوف الاماني هيدغر يعتبر ان اللغة هي بين الوجود و ان الانسان اللغوي هو راعي الوجود .
وفق هذا السياق يمكن الاستشهاد بالاية الكريمة التي تقارن بين العلم و الجهل , العلم القدرة على الرؤية و الجهل العمى في قوله تعالى هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون كما يستوي الاعمى و البصير مالكم كيف تحكمون .
ان تصبح اللغة تفكير معناه انه الطريق الموصل الى الحقيقة و الى النور من اجل تجاوز العتمة , وهو ما يفترض ان اللغة هي نسق فكري عالم يتجاوز امكانيات اللغات العامية المتنشرة و التي تصلح فقط للتواصل و ليس للتفكير . لان الفكر مؤسس على منطق القطائع و التجاوزات كما رسخت ذلك ابستيمولوجيا غاستون باشلار , لان تاريخ العلم هو تاريخ تجاوزاته ؟؟؟؟
قد يعترض البعض اننا قد نفكر خارج اللغة من خلال الصمت , وعليه يمكن التاكيد ان الصمت لا يعنى غياب اللغة لكنها شرط اللغة لانه اللغة الغير المسموعة او انه الفكر التي لم ينطق بعد .
ثالثا : بناء الهوية .
المفكر الانتربولوجي كلود ليفي سترواس اعتبر ان اللغة هي الخاصية الرئيسة التي تميّز الإنسان عن الكائنات الحية الأخرى. ولذلك، يعتبرها الظاهرة الثقافية الأساسية التي يمكن عن طريقها، فهم كل صور الحياة الاجتماعية. فاللغة هي مفتاح فهم هوية وخصوصية المجتمعات سبق ان صرح – ستراوس : ” حين نقول الإنسان .. فإنّنا نعني اللغة. وحين نقول اللغة … فإنّنا نقصد المجتمع ..”‏ بمعنى فاللغة هي الانسان وهي المجتمع .
انطلاقا ان اللغة هي اساس المجتمع , معناه انها عنصر تجميع و اداة فعالة لبناء الوحدة و تجاوز الشتات و التشتيت وهو ما ينسجم مع كل الفلسفات العقلانية المؤسسة على العقل و اللغة , فلا يمكن تخيل لغة خارج العقل لان العقل هو القدرة على توظيف اللغة وهنا نفهم سر غياب لغة سليمة عند الحمقى و الاطفال الصغار .
حين يترافع دعاة ادماج اللغة العامية في المقررات الدراسية بدعوى الانحياز الى خصوصية الطفل و الدفاع عن التفافات و اللغات المحلية فهو طرح يتغذى من مرجعيات فلسفية ما بعد الحداثة التي اجتاحت اوربا بعد الحرب العالمية الثانية كموجة احتجاج على الحرب و على مسار ومنتوج العقلانية التي انتجت اسلحة دمار شامل .
و هي فلسفة دعت الى وتحطيم المقولات المركزية التي بنيت عليها الفلسفة العقلانية ، كاللغة، والهوية، والأصل، ، و دعت الى الفوضى والعدمية والتفكيك واللامعنى واللانظام. و بالدعوة الى التحرر من قيود التمركز، الانفكاك عن اللوغوس / العقل / اللغة و اعتبار الهدم هو الشكل الارقى للفكر , او هو شرط الفكر لدا نفهم عبارة نتشه انه يتفلسف بطرقات المطرقة أي القدرة على تفتتيت المفاهيم و تفتيت اللغة و تشتتيها بما يصنع الفوضى و يقود اليها .
فادماج اللهجات في المقررات الدراسة هو تصور مؤسس على خلفيات نظرية و فلسفية في غاية الخطورة انها نزعة لتشتيت و التقسيم و الصراع و الهدم و التخريب بدعوى الانحياز و الترافع عن المحلي و عن هوية التلميذ و لغته المحمولة معه .
كما انه ترافع مؤسس على تصورات خاطئة حول طبيعة فعل التعلم و جوهره باعتباره اعداد الطفل للمستقبل , فكل تربية لا تجعل المستقبل افقا هي مجهود بلا فائدة و بمثابة عبء .و هو ما اشار اليه المفكر جبران ابراهيم جبران ان : اطفاكم ليسوا اطفالكم حتى و ان كانوا منكم فهم ليسوا لكم لانهم ولدوا لزمان ليس بزمانكم ؟؟
لذا فالتربية الجيدة و التعليم الجيدة هو جهد وظيفي من اجل تكوين التلميذ لكي يكبر و يستطيع مواجهة إشكالات الحياة القادمة و ليس الاقامة في بيئته المحلية منغلقة , وفق ما يروجه دعاة ادماج اللغة العامية سيحولون اللغة الى سجن محلي و سيصبح الطفل معزولا عن الزمان و المكان . كما ان مفهوم المكان و المحلي اصبح مقولة عاعزة عن استيعاب التحولات المتسارعة اتي مست كل مظاهر الحياة , فالواقع المادي بقيمه و معاييره و خصوصيات و لغته فقد صلابته اما م اكتساح واقع افتراضي الذي التهم و يلتهم كل يوم جزءا من واقعنا .
ان كان الهدف هو مراعاة الخصوصية المحلية بلغتها و قيمها فالاولوية ينبغي ان اعطى للواقع الافتراضي الذي اصبح واقعا حقيقا لان اغلب تلاميذتنا اصبحوا دائمي الاقامة فيه .
ربما رهانات ادماج العامية بالمقررات تتحدد في رهانات سياسية و ايديولوجية يقودها رجل تحكمه و تقوده امراة يهودية .
حيت ان زوجة نبيل عيوش يهودية فوجهة التعليم ستكون صوب تل ابيب , و في المدى المنظور سنكتشف ان اغلب شبابنا سيغير وجهة هجرته الى اوربا بالهجرة الى تل ابيب , و الدليل عبارة مستفزة ان طفل صغير قرر التخلى عن سرواله لانه يحس بالحر ؟؟؟
بين نبيل عيوش الذي يطالب بازالة السراويل, و بين مالك بن نبي الداعي الى التمسك بلباسنا حتى تبرد احاسيسنا و يفقد الانسان العربي حرارته وغيرته على ارضه وعرضه ودينه ؟؟ بين مالك بن نبي و عيوش توجد مسافة اختلاف بين مفكر و عميل ؟؟؟؟

مشاركة