الوثيقة التاريخية…بين مصداقية التأريخ وتأثير الأيديولوجية تهافت أيلال نموذجا

نشر في: آخر تحديث:


بقلم الأستاذ مصطفى أمجكال

أصبحت دراسة الوثائق التاريخية المادية و المخطوطات و خاصة البرديات منها من الدراسات المتنامية في الفترة الأخيرة، و هي تفترض أن الوثائق ٲكثر موثوقية و مصداقية من المصادر التاريخية المعتمدة على الرواية الشفهية و السرد .

لقد بنى ٲصحاب هذا الافتراض نظريتهم على مجموعة من الخلفيات الأيديولوجية ٲبرزها :

القول بأن مؤلفي هذه المصادر التاريخية الذين ألفوا السرديات التاريخية قديما جلهم متحيزون و يعملون وفقا لخلفيات فقهية مذهبية أو كلامية عقائدية أو سياسية تمجد السلطة الحاكمة آنذاك و لا تصف الحقيقة بموضوعية. ..

و إننا بالنظر الدقيق و بكل تجرد و موضوعية يمكن القول أن هذا الافتراض غير صحيح بالمرة و ذلك لاعتبارات منها :

1 – أنه يمكن تدوين التاريخ دون اللجوء إلى الوثائق كما هو الحال في التاريخ اليوناني و التاريخ الروماني .

2- الكثير من الوثائق و المخطوطات غير صحيحة و مزورة أو غير متكاملة.

3- الكثير من الوثائق لا تصف الحقيقة بقدر ما يلاحظ عليها التحيز سواء من الكتاب أو الناسخ الذي يعمد إلى الزيادة أو النقصان من أجل إخفاء الحقيقة أو تلميع أحداث أو تشويهها. …

4- عشوائية حفظ الوثائق و المخطوطات مما يسبب في تهالك الكثير منها بفعل الإهمال أو الكوارث الطبيعية أو الحروب و السرقات ….

5 – يمكن وضع التساؤل التالي : ما هي مصداقية الترتيب الزمني للأحداث حسب الوثائق؟ بكل تأكيد لا يستطيع الباحث الموضوعي الجزم في هذا الترتيب مما يجعل درجة ثبوتية الترتيب هي نفسها بالنسبة للمصادر التاريخية السردية ، بل يمكن القول إن السرد هو المقدمة الحقيقة لهذا الترتيب باعتبار بعض الأخبار وصلت درجت التواتر بخلاف الوثيقة الواحدة اليتيمة ..

يمكن من خلال هذه المقدمة و التي نأمل أن تكون مفتاحا لنقاش موسع في مقالات أخرى أن نقول بكل موضوعية و علمية أن النقل الشفهي للتاريخ يعتبر البدايات الأولى للتأريخ، لأنه الأرشيف الأول الذي لا يقل ثقة و أهمية عن النقل المكتوب، خصوصا إذا نظرنا إلى صعوبة المحافظة على الوثائق و أخطاء الكاتب أو الناسخ و تأثير الأيديولوجية على طائفة الكتاب و خاصة مؤرخي السلاطين .

إنها نفس الاعتراضات التي يشنها المستشرقون و تلامذتهم المخلصون على التاريخ الشفهي للحضارة الإسلامية و التي لايمكن ان تسلم منها مباحث المخطوطات و الوثائق المادية هي الأخرى . لذلك يبدو جليا أن هذه المباحث و غيرها من الإشكالات تحتاج إلى دراسة علمية و بحث كبير قبل التبجح بالجزم و الحسم في اي فترة تاريخية أو شخصية محورية من شخصيات اي أمة من الأمم ، لأن المقدمات السليمة تقود ولا شك إلى نتائج موضوعية و قريبة من الحقيقة ، في حين صاحب التهافت سرعان من يقع في التناقضات الصارخة و بالتالي يصعب عليه إيجاد الأجوبة و الحلول لكثير من المعضلات التاريخية الحساسة.

اقرأ أيضاً: