الرئيسية آراء وأقلام البرلمان الأروبي وفزاعة حقوق الإنسان

البرلمان الأروبي وفزاعة حقوق الإنسان

IMG 20230210 WA0014.jpg
كتبه كتب في 10 فبراير، 2023 - 4:00 مساءً


بقلم الباحث في حقوق الإنسان ياسين المشوري

حقوق الإنسان هي حقوق نتمتع بها جميعنا لمجرّد أننا من البشر، ولا تمنحنا إياها أي دولة. وهذه الحقوق العالميّة متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو نوعهم الاجتماعي، أو أصلهم الوطني أو العرقي أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر. وهي متنوعة وتتراوح بين الحق الأكثر جوهرية، وهو الحقّ في الحياة، والحقوق التي تجعل الحياة جديرة بأن تعاش، مثل الحق في الغذاء والتعليم والعمل والصحة والحرية.وقد شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1948، أول وثيقة قانونية تحدد حقوق الإنسان الأساسية التي يجب حمايتها عالميا..
ويشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أيضا، إلى جانب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
وفي المراحل الأولى من محاولة صياغة مفاهيم حقوق الإنسان كانت الحكومات تقوم بالدور الأساسي إن لم يكن الوحيد، واليوم فإن المنظمات غير الحكومية تقوم بدور فعال في تطوير المفاهيم والآليات الخاصة بحقوق الإنسان على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي.
ويبقى أن رعاية حقوق الإنسان لا يمكن أن تنتهي بانتهاء مرحلة تنظيم وتصنيف القوانين. ولذلك تعتبر عملية مراقبة مدى تنفيذ هذه المعاهدات مسارا آخرا ذا أهمية في مجال التعاون الدولي، إذ بدونه لن تتمكن كل هذه المساعي إلى بلوغ الغايات المتوخاة.
عرفت حقوق الإنسان في المغرب تطورات مهمة منذ حصوله على الاستقلال، مرورا بصدور أول دستور للبلاد سنة 1962 إلى عقد التسعينات، وما عرفه من خطوات في تعزيز دولة الحق والقانون والممارسة الديمقراطية وإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وتوصية إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة لتسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وإلى جانب المصادقة على الاتفاقيات الدولية، وسن القوانين وموازاة مع تلك الاتفاقيات، عمل المغرب على إحداث مؤسسات تعنى بهذا المجال والنهوض به، فأحدث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في سنة 1990 كهيئة استشارية إلى جانب الملك تعنى بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها في نطاق صلاحياتها المنصوص عليها في الظهير المحدث له كما تم تغييره.
كما أحدثت بتاريخ 11 نونبر 1993 وزارة حقوق الإنسان كقطاع حكومي لإعداد وتنفيذ سياسة الحكومة المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان واحترامها والنهوض بها والمساهمة في إرساء دولة القانون.وبتاريخ 9 نونبر 2001 ولتدعيم المهام والمؤسسات الأخرى تم إحداث مؤسسة ديوان المظالم، وذلك من أجل إحقاق الحقوق ورفع المظالم؛ وتدعيم أعمال المؤسسات ذات الصلة بحقوق الإنسان؛ وإيجاد محاور متدخل لدى المصالح الحكومية؛ وجعل رعاية مصالح المواطن وصون حقوقه والتواصل معه قوام الدولة الحديثة.
وحرص نص الدستور الجديد للمملكة المغربية الذي تم إقراره خلال استفتاء الفاتح من يوليوز 2011 على تكريس حماية حقوق الإنسان والنهوض بها وحماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، وذلك من خلال إحداث أو دسترة عدد من المؤسسات الوطنية..
هكذا أحدث الدستور الجديد عبر فصوله الممتدة من الفصل 161 إلى الفصل170 كل من الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ،كما أقر القانون الأسمى للبلاد دسترة كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة “الوسيط” ومجلس الجالية المغربية بالخارج والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ومجلس المنافسة والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
ويترجم إحداث العديد من المؤسسات انخراط المغرب، غير الرجعي، في مسار تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في كونيتها و وترابطها وعدم قابليتها للتج البرلمان الأوروبي الصادر يوم الخميس 19 يناير 2023 من ادعاءات لا تستند على أي أساس من الواقع، والذي تضمن اتهامات ومزاعم خطيرة تستهدف استقلال السلطة القضائية، من خلال تحريف الوقائع والتشكيك في شرعية وقانونية الإجراءات القضائية المتخذة بشأن قضايا بعضها صدرت فيها أحكام باتة، والبعض الآخر ما زال معروضا على أنظار القضاء، عن أسفه لتشويه المعطيات المتعلقة بالقضايا التي تطرق لها والتي تخالف حقيقة الوقائع المذكورة، والتي جرت بشأنها المحاكمات وفقا للقانون وفي احترام تام للضمانات الدستورية ولكافة شروط المحاكمة العادلة كما هي متعارف عليها دوليا.
واستنكر المجتمع المغربي ما قام به البرلمان الأوروبي من تنصيب نفسه كهيئة لمحاكمة القضاء المغربي بشكل سافر ومنحاز، ينبني على تحامل غير مبرر على المؤسسات القضائية للمملكة، ولا يولي أدنى اعتبار لاستقلال القضاء.
كما أن التدخل في القضاء ومحاولة التأثير في مقرراته، سيما وأن بعض القضايا المعنية ما تزال معروضة على المحاكم، وهو ما يخالف كل المواثيق والأعراف الدولية ومبادئ وإعلانات الأمم المتحدة المتعلقة باستقلال القضاء.
وفي السياق ذاته،فالمجتمع المغربي يرفض هذه الاستفزازات الواردة في القرار والتي تكذبها الحقائق الثابتة في ملفات المعنيين بالأمر، والتي استقاها القرار من بعض المصادر التي تتبنى مواقف أحادية دون التوفر على أدلة أو معطيات صحيحة،كما أن الأشخاص الواردة أسماءهم في القرار المذكور استفادوا من جميع ضمانات المحاكمة العادلة المقررة قانونا، ومن بينها تمتعهم بقرينة البراءة ،ومن حقهم في الدفاع والحصول على جميع وثائق القضية، والمحاكمة العلنية الحضورية، واستدعاء الشهود ومناقشتهم، وإجراء الخبرات القضائية، وممارسة الطعون، وغيرها من الضمانات الأخرى التي يتضمنها القانون المغربي كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من طرف المملكة.
ونبين على أن الوقائع موضوع محاكمة الأشخاص المذكورين في قرار البرلمان الأوروبي غير مرتبطة بنشاطهم الصحفي أو بممارسة حريتهم في الرأي والتعبير التي يضمنها الدستور والقانون، وأن التهم الموجهة إليهم تتعلق بقضايا الحق العام، من قبيل الاتجار في البشر والاعتداء الجنسي واستغلال هشاشة الأشخاص وهي أفعال تجرمها مختلف قوانين العالم.
كما نرفض ازدواجية المعايير التي جاءت في قرار البرلمان الأوروبي، حيث كان من الواجب عليه أن يدين الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها الضحايا والتي يجمع المنتظم الدولي على تجريمها ومعاقبتها بدل الدفاع عن مجموعة من المغالطات والادعاءات غير الصحيحة.
ونأكد في هذا الإطار على أن المغرب قطع أشواطا جد مهمة في السنوات الأخيرة في مجال تكريس استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية منذ سنة 2017، فضلا عن التجسيد الدستوري لاستقلال السلطة القضائية بمقتضى دستور 2011 والذي تم على إثره إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية سنة 2017، وذلك في توافق مع المعايير الدولية المتقدمة في مجال استقلال القضاء والتي ما زالت بعض الدول الأوروبية بعيدة عن تحقيقها
إن التطورات الهامة التي شهد المغرب أثرت في مساره كدولة حديثة تؤسس لقواعد إرساء الديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان، وقد مست جميع الجوانب النسق الدستوري وقواعد العمليات السياسية الوطنية كما تميزت بأحداث العديد من المؤسسات الكبرى التي ساهمت بشكل كبير في دعم مسلسل الإصلاح الديمقراطي.

مشاركة