الرئيسية آراء وأقلام سطات بين دينامية السلطة وتحديات الفهم العمومي: حين يصبح التحليل الهادئ واجبًا مدنيًا.

سطات بين دينامية السلطة وتحديات الفهم العمومي: حين يصبح التحليل الهادئ واجبًا مدنيًا.

IMG 20250623 WA0050
كتبه كتب في 23 يونيو، 2025 - 11:38 مساءً


صوت العدالة- معاذ فاروق

تشهد مدينة سطات في الآونة الأخيرة تحركات ملموسة على أكثر من صعيد، تقودها السلطة المحلية والإقليمية في سياق يبدو أنه يؤسس لمرحلة انتقالية تبحث عن إيقاع جديد في التفاعل مع انتظارات الساكنة. ويأتي هذا الزخم بعد تعيين العامل الجديد، في لحظة زمنية دقيقة تتقاطع فيها الرغبة في التغيير مع ضغط التراكمات وتعدد المقاربات.
غير أن هذا الحراك، رغم ما يحمله من مؤشرات أولية، لا يُمكن قراءته بعيدًا عن تعدد ردود الأفعال المجتمعية، التي تراوحت بين من استبشر بالتحول، ومن سارع إلى إطلاق أحكام نقدية صارمة. وهو ما يُحتم علينا، أكثر من أي وقت مضى، أن نغادر منطق التسرع، وأن نستحضر التحليل الهادئ كأداة للمواكبة النقدية المسؤولة.
وفي هذا الإطار، يصبح من الضروري التأكيد على أن المرحلة لا تحتمل لا التهويل ولا التبخيس. فنحن اليوم لسنا بحاجة إلى الاكتفاء بتهنئة المبادرات أو التشكيك فيها، بل إلى تقييمها وفق معايير واضحة. ذلك أن الحكامة، بمفهومها العميق، ليست مرتبطة بالإيقاع فقط، بل تُقاس أساسًا بمدى انسجام القرار مع حاجيات المواطنين، ومدى قابلية الإجراءات للتقييم والتعديل المستمر.
وبناءً على ما سبق، فإن من المهم الإشارة إلى أن الحقيقة الكاملة لا يملكها أحد. إذ إن النقد، في حد ذاته، لا يعني الهدم، تمامًا كما أن الحركية لا تعني تلقائيًا النجاعة. فبين منطق التفاؤل المطلق، والتشاؤم المفرط، يوجد مجال رحب للفكر، تُمارس فيه السياسة العمومية كفن للموازنة بين الممكن والمتاح، وبين الطموح وضرورات الميدان.
من هذا المنطلق، يصبح من باب الموضوعية والإنصاف، أن نعترف بأن الدخول في مسارات إصلاحية داخل فضاء إداري كثيف التعقيد كإقليم سطات، ليس أمرًا يُنجز بجرّة قلم. بل يتطلب، بالضرورة، وقتًا، وتنسيقًا مؤسساتيًا، وتواصلاً أفقيًا مع مختلف الفاعلين، وهي شروط لا يمكن اختزالها في قرارات منعزلة أو تحركات سريعة.
ولعل من أبرز ما يجب التنبه إليه في هذا السياق، أن منطق “الإنجاز تحت الضغط”، رغم جاذبيته الظاهرة، قد لا يصمد طويلًا أمام منطق الاستدامة. فالمطلوب اليوم، ليس فقط القيام بالفعل، بل ضمان أثره، واستيعاب نتائجه، وتفادي ارتداده غير المحسوب. ومن هنا، تتأكد الحاجة إلى تموقع أي حركية داخل رؤية استراتيجية، وإلا تحولت إلى حركة بلا بوصلة.وعلى صعيد متصل، فإن الانتقادات المتزايدة، التي نسمعها من هنا وهناك، لا يجب أن تُفهم دومًا في سياق عدائي، بل قد تكون تعبيرًا عن يقظة صحية داخل المجتمع، ورغبة في التتبع والمساءلة. غير أن هذه الانتقادات، رغم مشروعيتها، ينبغي أن تُمارس بمسؤولية ووعي، بعيدًا عن التعميم، والانفعال، أو منطق التصفية.
وفي ضوء كل ما تقدم، يبدو جليًا أن التحدي الأكبر اليوم لا يكمن فقط في ما تقوم به السلطة، بل في كيفية قراءتنا جميعًا لما يحدث. فوعيُنا الجماعي يجب أن يترفع عن الشخصنة، ويُدرك أن البناء الإداري والسياسي لا يُختصر في الأشخاص، بل في المسارات، ولا يُقيم عبر لحظات منعزلة، بل عبر الأثر التراكمي الذي تتركه السياسات على الواقع.
ومن ثم، فإن المرحلة تفرض علينا نقدًا يبني، لا يهدم؛ وحركية تُقنع، لا تُبهر فقط؛ ونقاشًا يتعالى عن الاصطفاف، ويؤمن بأن الرهان الحقيقي ليس على من ظهر أكثر، بل على من أنجز بصمت، وترك وراءه أثرًا واضحًا، لا مجرد انطباع.

مشاركة