الرئيسية أحداث المجتمع تدبير جمعيات المجتمع المدني نحو حكامة جيدة

تدبير جمعيات المجتمع المدني نحو حكامة جيدة

IMG 20201226 WA0039
كتبه كتب في 26 ديسمبر، 2020 - 4:08 مساءً

قديري المكي – صحفي بجريدة صوت العدالة
باحث في مجال حقوق الإنسان، والمجتمع المدني.

ينص الدستور المغربي لسنة 2011 على مبدأ الديموقراطية التشاركية، الشيء الذي عملت على تنزيله مجموعة من مقتضيات القوانين التنظيمية،1 من أجل تعزيز دور جمعيات المجتمع المدني في بلورة وتقييم وتتبع السياسات العمومية، كشريك أساسي مساهم إلى جانب الإدارة في عملية تدبير الشأن العام، في إطار تشاركي وتوافقي بين أهم القوى الحية في المجتمع.
إلا أنه على مستوى العمل والممارسة يتبين أنه من الصعب قيام جمعيات المجتمع المدني بالأدوار المعلقة عليها كرهان، نظرا لمجموعة من الاختلالات التي تعاني منها، والتي من أهمها ما يلي:

أولا: عدم استقلالية جمعيات المجتمع المدني
يشكل عدم استقلالية المجتمع المدني إشكالية حقيقية، تجعل هاته الأخيرة عاجزة عن المشاركة في تدبير الشأن العام، بحيث يعتبر الجانب المالي مهم في ضمان التسيير المستقل للجمعيات، إلا أن ما يلاحظ على مستوى العمل أن تمويل الجمعيات يعتمد بشكل أساسي على الدعم العمومي أو الخصوصي، وخاصة من طرف السلطات العمومية، أو المجالس المنتخبة، والمؤسسات العمومية.
وحيث يمكن القول أن ربط تمويل الجمعيات بهذه الهيئات يجعلها مبدئيا في حالة تبعية لها، مما سيحد من القوة الاقتراحية للمجتمع المدني في تتبع ومراقبة السياسات العمومية، وتدبير الشأن العام الترابي أو الوطني، الشيء الذي يجعل مؤسسات المجتمع المدني في مركز ضعف مقارنة مع المجالس المنتخبة.
ثانيا: غياب مبادئ الديموقراطية في التدبير الإداري الجمعوي
إن ما يعاب كذلك على أنظمة المجتمع المدني، هو غياب البعد الديموقراطي في التسيير الداخلي لأجهزتها، فهذه الأخيرة لا زالت تسير وفق أنماط كلاسيكية بعيدا عن مبادئ الحكامة الجيدة، هذه الأخيرة التي أصبحت حتمية إدارية، خصوصا بعد صدور دستور يوليوز 2011، ويتجلى هذا الضعف أساسا من خلال استحواذ رؤساء الجمعيات على جل إن لم نقل كل اختصاصات الجمعيات، وبالتالي تغييب دور المنخرطين في تدبير الشأن الداخلي لهذه الجمعيات، الشيء الذي يفرغ مبادئ الديموقراطية التشاركية من مضمونها.
ولعل هاته الإشكالية راجعة بالأساس لعدم تنظيم المشرع المغربي لكيفية تسيير الجمعيات بشكل دقيق وفق مبادئ الديموقراطية، كما هو معمول به على مستوى تسيير مجموعة من الشركات المدنية والتجارية، سواء من قبيل كيفية اتخاذ القرار في الجمعية العامة أو بعده، من أجل فرض رقابة على الجهاز المسير.
وعليه، فإن الحديث عن ديموقراطية تشاركية بمعزل عن دمقرطة النظام الداخلي للجمعيات، تبقى مسألة غير مضمونة النتائج، بل وضرب من العبث ليس إلا.
ثالثا: غياب الحق في الوصول إلى المعلومات
يعتبر الحق في الوصول إلى المعلومات حقا أساسيا للتمتع بمجموعة من الحقوق الأخرى، خاصة الحق في حرية التعبير، وحق مشاركة الأفراد في الحياة العامة، وتكمن أهمية هذا المبدأ في كونه يقيد شرعية الإدارة لمدى التزامها باحترام القانون والحريات الفردية، ويساهم في ديموقراطية المجتمع، وضمان مساواة المواطنين والمواطنات أمام القانون، وهو أيضا قرينة لمدى النضج السياسي لأية مؤسسة في العالم المتحضر، كما يساهم هذا الحق في إرساء ثقافة جديدة تسودها الشفافية والوضوح والمسؤولية.2
بالتالي من أجل ضمان مشاركة فعالة للمجتمع المدني في تدبير الشأن العام، فإن هذا الرهان يستوجب بالضرورة تمكين جمعيات المجتمع المدني من الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة والمجالس المنتخبة، كما يؤكده عليه الفصل 27 من الدستور المغربي،3 وحيث أضحى ذلك ضرورة أكثر من أي وقت مضى، وذلك تماشيا والثورة التي يعرفها مجال الحقوق والحريات، الذي انتشرت فيه مجموعة من المغالطات الناتجة عن الحق في التعبير أساسا، التي إن تم بناء مقترحات على أساسها، حتما لن يسير العمل السياسي والعمل المدني في الاتجاه الصحيح، نحو تحقيق المصلحة العامة المنشودة، وإنما سيزيد الوضع تأزما فقط.4
من خلال كل هذه الاختلالات، التي هي في الحقيقة لا تشكل سوى بعضا من جملة من الإشكالات، لا يسع إلا الاعتراف بأن مجموعة من فعاليات المجتمع المدني تظل عاجزة على مستوى المشاركة في تدبير الشأن العام، وذلك ما يستوجب على المشرع المغربي ضرورة فرض رقابة علي البيت الداخلي لجمعيات المجتمع المدني، وذلك من خلال اعتماد مبادئ الديموقراطية في تسيير أجهزتها نحو حكامتها، وكذلك يجب إعادة النظر في الجانب التمويلي للجمعيات، على أساس التوزيع العادل، وحتى تضمن مؤسسات المجتمع المدني استقلاليتها عن السلطات والهيئات المنتخبة، وعليه عند توفر هذه الشروط الضرورية، يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورا أساسيا في تدبير الشأن العام إلى جانب المجالس المنتخبة كمساهم في إطار توافقي وتشاركي.

الإحالات:
1- أنظر القوانين التنظيمية المتعلقة بالديموقراطية التشاركية، وهي: القانون التنظيمي رقم 64.14، القانون التنظيمي رقم 44.14، القانون التنظيمي المتعلق بالجهات 111.14، القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم 112.14، القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات والمقاطعات 113.14
2- أنظر “عبد العزيز دحماني”، الحق في الحصول على المعلومات والمجتمع المدني أية علاقة؟، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، ص143
3- تنص الفقرة الأولى من الدستور المغربي لسنة 2011: “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. – وكخطوة لتفعيل مقتضيات الدستور فيما يتعلق بحق الولوج لمعلومات، تقدمت الحكومة بمشروع قانون رقم 31.13، وعمل مشروع قانون رقم 31.13 على تحديد مجال تطبيق الحق في الوصول إلى المعلومات، وكذا شروط وكيفية ممارسته”
4- مداخلة الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات والمجتمع المدني السيد مصطفى الخلفي، الدرس الافتتاحي لماستر التشريع والمؤسسات الدستورية والسياسية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية بسلا، بتاريخ 13-12-2017 على الساعة 10 صباحا بالمدرج الرئيسي للكلية. (يمكن التواصل مع كاتب المقال للحصول على التقرير التفصيلي لهذا الدرس العلمي).

مشاركة