أثارت واقعة السؤال الذي طرحه أحد الزملاء الصحفيين خلال ندوة صحفية مع مدرب نادي الوداد الرياضي بالولايات المتحدة جدلاً واسعاً داخل الجسم الإعلامي المغربي، حيث سارع عدد من الصحفيين إلى استنكار ما اعتبروه “سؤالاً غير مهني” و”خارج السياق الرياضي”، ووصل الأمر إلى حد التبرؤ العلني من الزميل، في مشهد أشبه بهبّة جماعية اختلط فيها النقاش المهني بالتصفية المعنوية.
لكن وسط هذا السيل من المواقف، يحق لنا طرح سؤال مشروع: أين كانت هذه الأصوات “المهنية” خلال ذات الندوة؟ لماذا لم يُبادر الصحفيون الحاضرون إلى طرح الأسئلة الجادة والمباشرة، بدل ترك الساحة مفتوحة أمام زميلهم ليتصدر المشهد وحده؟ بل أين كانت تلك “الأنياب” التي شُهِرَت لاحقاً في وجهه، عندما سنحت الفرصة لإبراز الكفاءة والاحترافية على أرض الواقع وليس فقط على منصات التواصل؟
وإذا كان السؤال المطروح من قبل الزميل قد جانبه الصواب أو خرج عن مقتضيات التغطية الرياضية، فإن ردة الفعل تجاهه تكشف عن إشكال أعمق: هل نحن أمام دفاع صادق عن المهنية، أم أمام ازدواجية في المعايير، وانتقائية في المحاسبة؟ وماذا لو صدر الخطأ ذاته عن اسم إعلامي بارز أو محسوب على جهة نافذة؟ هل كنا سنشهد الهجوم ذاته؟ أم أن مواقف البعض كانت ستتسم بالصمت، أو على الأقل، بنبرة أخفّ وأكثر تبريراً؟
إن ما يستوجب الوقوف عنده فعلاً، ليس فقط زلة صحفي هنا أو سقطة منبر هناك، بل الغياب المستمر للنقاش الموضوعي حول واقع الصحافة الرياضية، وتواطؤ البعض مع الرداءة حين تصدر عن “المقربين”، مقابل الشراسة حين يكون الفاعل فرداً معزولاً أو بعيداً عن دائرة “التحالفات المهنية”.
ومن باب احترام الزملاء الحقيقيين الذين يلتزمون بأخلاقيات المهنة دون مزايدة، نمتنع في هذا المقال عن استعراض عشرات النماذج من “الكوارث الإعلامية” التي نُشرت تحت مسمى التغطية الصحفية، والتي مرّت دون أي مساءلة أو مراجعة، رغم فداحتها.
ما حدث في الندوة مجرد عرض لواقع أعمق: المهنية لا تكون انتقائية، ولا تُستدعى فقط عندما يتعلق الأمر بزميل مغترب. إن كانت هناك رغبة حقيقية في الارتقاء بالممارسة الصحفية، فلنبدأ أولاً بتطبيق نفس المعايير على الجميع، دون استثناء، ودون تصفية حسابات