الرئيسية آراء وأقلام الأمن الوطني والملكية: ترابط تاريخي ،سياسي وامتداد مباشر للشرعية الملكية.

الأمن الوطني والملكية: ترابط تاريخي ،سياسي وامتداد مباشر للشرعية الملكية.

IMG 20250515 WA00841
كتبه كتب في 28 مايو، 2025 - 12:39 مساءً


يتميز المغرب باستقرار سياسي ومؤسساتي في منطقة شمال أفريقيا . غير أن هذا الاستقرار لا يستند فقط إلى قوة المؤسسات أو مركزية الملكية أو شخص الملك، بل ينبع من قدرة الدولة على توفير أمن شامل، دائم، وقائم على الشرعية القانونية.
وعليه ، فإن الأمن الوطني، انطلاقًا من هذا المنظور، يتجاوز كونه مجرد مهمة سيادية لضمان النظام العام، بل يُعد أحد الوظائف الأساسية التي تمنح للدولة شرعيتها، ويوفر حماية للأسس الدستورية ولأمن المواطن القانوني والمجتمعي.
إن الرمزية المؤسساتية للأمن، التي يتم إحياؤها كل عام في “يوم الأمن الوطني” (16 ماي)، لا تترجم فقط تقدير الدولة للمؤسسات الأمنية، بل كذلك الإرادة السياسية لإدماج إطار معياري قائم على الأخلاق والشرعية في حكامة العمل الأمني.
يشكل الأمن الوطني جزءًا من سيادة الدولة الحديثة، ويُعد أداة في إطار تصور أمني قائم على احتكار العنف المشروع، كما حدده ماكس فيبر. إلا أن وظيفة الأمن الوطني في المغرب تطورت لتصبح متعددة الأبعاد: فهي لا تقتصر على حفظ النظام العام، بل تشمل أيضًا الحفاظ على السلم الاجتماعي، حماية الحقوق الأساسية، وتجسيد الثقة في السلطة العامة.
تُعد المديرية العامة للأمن الوطني (DGSN)، التي تأسست عام 1956، مؤسسة تاريخية استطاعت التكيف مع التحديات الأمنية الجديدة، مثل الإرهاب، الجريمة السيبرانية، الهجرة، حماية القاصرين، والعنف القائم على النوع. هذا التطور يعكس انتقالًا من أمن الدولة إلى أمن المواطن، أمن القرب، الوقاية، والإنصات.
نحن إذن بصدد مقاربة أمنية تجمع بين الإعلام وضمان النظام العام: حكامة أمنية مستنيرة، تفاعلية مع التهديدات، وقادرة على استباق حالات عدم الاستقرار.
الأمن الوطني والملكية: ترابط تاريخي وسياسي
يكشف التاريخ المعاصر للمغرب عن ترابط وتيق بين المؤسسة الملكية والمنظومة الأمنية.
يشكل الأمن الوطني بذلك نموذجًا ملكيًا يلعب فيه الملك دور “أمير المؤمنين”، ليس فقط داخل ملكية دستورية، بل بصفته الضامن للنظام والسلم المدني والتوازن المؤسساتي.
منذ الاستقلال، قامت الملكية بدمج الوظيفة الأمنية ضمن استراتيجيتها لبناء الدولة وترسيخ شرعيتها. هذا الدور منصوص عليه في دستور 2011، حيث ان الـملك هو القائد الأعلى ورئيس الاركان العامة للقوات المسلحة الملكية
وضامن استقلال البلاد وأمن الدولة واستمرارها ،هذا الإطار الدستوري يجعل من مؤسسة الأمن الوطني امتداد ا مباشرا للشرعية الملكية.
إضافة إلى الجانب التنظيمي، هناك علاقة عضوية وتاريخية ورمزية تربط الملكية بالمؤسسات الأمنية: وفاء لا يتزعزع، ثقافة دعم، وهوية متجذرة. هذا ما يفسر الاستقرار الاستثنائي الذي يعرفه المغرب والاستقلالية الحداثية التي تتسم بها مؤسسات الأمن، والتي تحافظ في الوقت ذاته على العلاقة التقليدية بالمؤسسة الملكية.
وهكذا، لم يعد الأمن الوطني مجرد أداة تنفيذية بيد الحكومة، بل جهازا استراتيجيا موضوعا تحت سلطة الملك، ويجسد اندماجًا دقيقًا بين السلطة والشرعية، بين الحكامة والسيادة السياسية مرتكز اعلى دولة القانون: الأمن القضائي، الحكامة ، وصون الحريات المدنية،
في ديمقراطية ناشئة مثل المغرب، يُعد التوازن بين الأمن والحريات العامة من التحديات الكبرى. لم يعد الأمن الوطني مسؤولًا فقط عن حفظ النظام، بل أصبح ملزمًا قانونيًا بالعمل ضمن إطار دستوري ومعايير قانونية واضحة.
لقد شهد المغرب تقدمًا ملحوظًا مع دستور 2011، حيث كرس الحقوق والحريات الأساسية وأوجب وجود أساس قانوني لأي تدخل أمني كما وفر آليات رقابة قضائية ضد أي تجاوز محتمل.
وفي ظل هذه الإصلاحات الدستورية، أصبح هناك بإلإضافة للفاعلين مثل البرلمان والحكومة وسائل أخرى، تساهم في تقوية هذا التوجه من خلال:

  • تكوين عناصر الأمن في مجال حقوق الإنسان
  • تعاون متزايد مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH)
  • معالجة حديثة لشكاوى المواطنين وآليات داخلية للمراقبة
    وهكذا، تتحول الشرطة إلى جهاز مدني منظم لا يقتصر على الطابع القسري بل يعتمد الحكامة الأمنية ومقتضيات دولة القانون: الشرعية، المسؤولية، الشفافية، والتناسب في استخدام القوة.
    وتندرج المقاربة المغربية كذلك ضمن المعايير الدولية (مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اتفاقية مناهضة التعذيب)، والتي صادق عليها المغرب ويسعى تدريجيًا إلى تفعيلها.
    لم يعد الأمن الوطني، في صيغته الحديثة، مقتصرًا على حماية الأشخاص والممتلكات، بل أصبح رافعة استراتيجية للحكامة العمومية، قادرة على الاستباق والتدبير والتأقلم مع التحولات الاجتماعية والتكنولوجية والجيوسياسية للقرن 21.
    وفي حالة بلادنا تتجلى هذه الحداثة في عدة مستويات:
  • رقمنة خدمات الشرطة (الهوية البيومترية، رصد الجرائم السيبرانية)
  • استراتيجيات إعلامية تواصلية استباقية (علاقات صحفية، شفافية العمليات)
  • تكوين مستمر في مجالات حقوق الإنسان، الأخلاقيات، وتكنولوجيا الأمن
  • انفتاح على التعاون الدولي والاستخبارات الاستراتيجية (الإنتربول، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، شرطة الأورو-متوسط)
    تعكس هذه التطورات مقاربة استراتيجية للأمن، تستجيب للتهديدات الجديدة (الهجمات السيبرانية، الجريمة العابرة للحدود، عدم الاستقرار الإقليمي)، كما تعبّر عن إرادة داخلية لتعزيز الدولة الاجتماعية. يسعى النموذج المغربي إلى التوفيق بين الفعالية والشرعية السياسية ضمن إطار ملكية مغربية دستورية وديمقراطيةمستمرة .
    ان الأمن الوطني في بلادنا يعد فاعلا استراتيجيا في التنمية و يساهم في تعزيز التماسك الترابي، وجاذبية الاستثمار (من خلال ضمان بيئة آمنة)، وحماية النموذج المؤسساتي المغربي.
    خاتمة
    تستحق المديرية العامة للأمن الوطني، من خلال تطورها والتزامها بالدفاع عن النموذج المغربي في الاستقرار، اعترافًا سياسيًا وأكاديميًا متزايدًا. فهي تمثل دعامة أساسية لدولة القانون الملكية في المغرب، بما تجمعه من ولاء، حداثة، فعالية وشرعية قانونية.
مشاركة