بقلم: الاستاذ عبد الهادي مزراري
رفضت الجزائر، بطريقة غير معلنة، قرار مجلس الأمن رقم 2797 المتعلق بنزاع الصحراء المغربية. ورغم أنها لم تصرح بذلك مباشرة خشية ردود الفعل الدولية، إلا أن تصرفاتها منذ 31 أكتوبر الماضي تعكس ارتباكا واضحا ومحاولة للهروب من تبعات القرار.
وفيما يلي أبرز ثمانية(8) أحداث صدمت الجزائر منذ صدور القرار، بينما تحاول إقناع نفسها بأنها غير معنية بتنفيذه:
الحدث الأول:
كالعادة، حركت الجزائر جبهة البوليساريو وقدمت الأخيرة اعتراضا داخل البرلمان الأوروبي لمنع تجديد اتفاقية التجارة مع المغرب، بحجة استيراد منتجات من الأقاليم الجنوبية.
غير أن قرار البرلمان الأوروبي في 26 نونبر جاء صادما لها، بعدما تبيّن أن المؤسسات الأوروبية والدولية بدأت فعلا في الامتثال للقرار الأممي 2797، مع اعتبار الصحراء جزءا من النزاع الداخلي المغربي القابل للحل عبر مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وليس منطقة مرشحة للانفصال.
الحدث الثاني:
حاولت الجزائر توريط الاتحاد الإفريقي في تحركاتها بخصوص ملف الصحراء، مستغلة انعقاد نسخة “مسار وهران” للسلم والأمن يومي 1 و2 دجنبر.
لكن المفاجأة كانت في اعتراض دول إفريقية، أبرزها كوت ديفوار، على إدراج ملف “تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية” داخل أجندة الاتحاد، ما شكل انتكاسة كبيرة للدبلوماسية الجزائرية على أرضها.
الحدث الثالث:
خلال اجتماع مجلس التعاون الخليجي في المنامة يومي 2 و3 دجنبر، أكد البيان الختامي مجددا دعم المجلس لوحدة المغرب وسيادته على أقاليمه الجنوبية.
ولم تعترض حتى الدول التي تراها الجزائر قريبة منها، مثل قطر وسلطنة عمان، وهو ما اعتبرته الجزائر رسالة حاسمة من أحد أقوى التجمعات العربية والإقليمية لصالح المغرب.
الحدث الرابع:
عادت الجزائر لمحاولة التقرب من إسبانيا بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاث سنوات بسبب اعتراف مدريد بمغربية الصحراء، وأبدت استعدادها لإعادة تشغيل أنبوب الغاز المار عبر المغرب.
غير أن الرد الإسباني كان واضحا وحاسما: تشغيل الأنبوب مشروط بموافقة المغرب باعتباره أصبح في ملكيته.
وتعمق الموقف الإسباني في 4 دجنبر بتوقيع اتفاقيات جديدة مع المغرب، مع تجديد تأكيد رئيس الحكومة الإسبانية على موقف بلاده الثابت من وحدة التراب المغربي.
الحدث الخامس:
في الوقت الذي تستمر الجزائر في البحث عن دعم لأطروحتها حول “استقلال الشعب الصحراوي”، برز حدث داخلي أربك حساباتها:
إعلان زعيم حركة استقلال القبايل، فرحات مهني، نيته إعلان استقلال منطقة القبايل يوم 14 دجنبر.
وكشفت مصادر إعلامية أن النظام الجزائري حاول استمالته عبر عرض منصب “رئيس الدولة” مقابل تراجعه، لكنه رفض الدخول في أي مساومة، وفق تصريحاته لوسائل إعلام فرنسية.
الحدث السادس:
شهد الدينار الجزائري انهيارا غير مسبوق، إذ بلغ سعر الدولار الواحد 300 دينار يوم 3 دجنبر، ما اعتبره خبراء مؤشرا على انهيار اقتصادي وشيك.
وبينما حاول الرئيس عبد المجيد تبون تبرير الوضع بارتفاع واردات السيارات وكلفة الحج والعمرة، تجاهل الأسباب الحقيقية، وعلى رأسها اقتراب انتهاء المهلة التي حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للجزائر من أجل الانخراط في تهدئة المنطقة والتخلي عن سياسة المحاور.
الحدث السابع:
تلقت أنظمة تعتبرها الجزائر حليفة لها ضربتين قويتين من الولايات المتحدة خلال أسبوع واحد:
نظام نيكولاس مادورو في فنزويلا تلقى مهلة لمغادرة السلطة.
رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا تم سحب دعوته لحضور قمة مجموعة العشرين المقبلة في ميامي.
ويرى مراقبون أن هذا التصعيد الأمريكي ضد حلفاء الجزائر قد يكون بمثابة تحذير مباشر للنظام الجزائري، خصوصا بعد تكليف الرئيس ترامب، ضمن القرار 2797، بدعم الحل السلمي للنزاع عبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
الحدث الثامن:
استقبلت الجزائر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو يوم 2 دجنبر محاولة صرف الأنظار عن تدهور الاقتصاد وتراجع دبلوماسيتها.
غير أن البيان الختامي للزيارة خلا تماما من أي دعم صريح لموقف الجزائر حول “قضية الصحراء”.
ورغم الإطراءات التي تبادلها الطرفان، تجنب لوكاشينكو الحديث عن الملف، وهو موقف يمكن تفسيره بارتباط بلاده الوثيق بالموقف الروسي، الذي سبق أن سمح بمرور القرار 2797 داخل مجلس الأمن.
هذه الأحداث مجتمعة تؤكد أن الجزائر لم تستوعب بعد التغير العميق في المحيط الجيوسياسي الإقليمي والدولي، وأنها وحدها ظلت خارج السياق الجديد.

