في خطوة تعكس التزاماً عملياً بثقافة حقوق الإنسان وتعزيزاً لأسس دولة القانون، أصدرت رئاسة النيابة العامة دورية مركزية بتاريخ 16 شتنبر 2025 موجّهة إلى السادة الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك، دعت من خلالها إلى مراجعة شاملة لبرقيات البحث، سواء المرتبطة بتدبير الأبحاث الجنائية أو بتنفيذ العقوبات السالبة للحرية والإكراه البدني، والتي طالها التقادم أو فقدت مبرراتها القانونية لاعتبارات موضوعية أخرى.
ويأتي هذا الإجراء في سياق حرص المؤسسة على صون حرية الأشخاص واحترام الضمانات الدستورية المرتبطة بها، وتفادي استمرار مذكرات بحث غير مبررة قانوناً قد تمس بحق التنقل أو تؤثر سلباً على الوضعية القانونية للأشخاص دون موجب مشروع.
واستجابة للتعليمات الواردة في الدورية المذكورة، باشرت النيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة عملية تدقيق دقيقة وموسعة شملت برقيات البحث الصادرة إلى غاية متم شهر أكتوبر 2025، حيث جرى فحص ودراسة ما مجموعه 117.359 محضراً، أسفرت نتائجها عن إلغاء 70.948 برقية بحث، لثبوت تقادمها أو انتفاء موجب بقائها أو لاعتبارات قانونية وإجرائية أخرى.
ويُجسد هذا الورش الإصلاحي بعداً عملياً في ترشيد آلية برقيات البحث وجعلها منسجمة مع متطلبات العدالة الجنائية العادلة، كما يكرّس مقاربة جديدة قوامها الموازنة بين ضرورة مكافحة الجريمة وضمان حماية الحقوق والحريات الفردية.
ويُنتظر أن تسهم هذه المبادرة في تعزيز الثقة في مؤسسة النيابة العامة، وإرساء ممارسة قضائية أكثر شفافية ودقة، تقوم على المشروعية واحترام الكرامة الإنسانية، بما يعكس التحول النوعي في تدبير السياسة الجنائية بالمملكة وفق رؤية إصلاحية حديثة تستحضر البعد الحقوقي كخيار استراتيجي لا رجعة فيه

