في قرار قضائي حازم يعكس صرامة القضاء المغربي في حماية المال العام والتصدي لكل أشكال التحايل، أصدرت محكمة الاستئناف بوجدة، بتاريخ 12 نونبر 2025، حكمها في قضية شغلت الرأي العام المحلي، تتعلق بطلبات تعويض قُدمت باسم مهاجر مغربي مقيم بالخارج في مواجهة الدولة، على خلفية مزاعم اختطاف واحتجاز واستنطاق مزعوم خلال سنوات سابقة.
الملف، الذي امتد لسنوات، كشف عن معطيات دقيقة ومعقدة، أبرزها محاولة الاستفادة من تعويضات مالية دون سند قانوني ثابت، حيث تقدمت جمعية معينة بوثائق وشكايات نيابة عن المعني بالأمر، تضمنت ادعاءات بخصوص تعرضه لاختطاف وتعذيب، غير أن البحث القضائي المعمق أبرز تناقضات جوهرية في الوقائع المقدمة، وضعف الحجج المثبتة، فضلاً عن وجود وثائق مشكوك في صحتها واستعمالها خارج إطارها القانوني.
وأوضحت حيثيات القرار أن المحكمة اعتمدت على تقارير رسمية ومراسلات مؤسساتية، إضافة إلى تحريات دقيقة بيّنت أن المعني بالأمر لم يدل بما يثبت بشكل قاطع الضرر المدعى به، كما أن المسطرة المعتمدة لاستصدار التعويض لم تحترم الشروط القانونية الواجبة، مما جعل المحكمة تعتبر الطلبات غير مؤسسة قانوناً وموضوعاً.
وفي هذا السياق، شدد القرار على أن الدولة، وإن كانت ملزمة بجبر أضرار ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وفق مساطر محددة، فإن ذلك لا يمكن أن يكون مجالاً للاستغلال أو التحايل أو توظيف المعاناة لأغراض مادية مشبوهة، مؤكداً أن القضاء سيظل سداً منيعاً في وجه كل محاولة للمساس بالمال العام أو تشويه مسارات العدالة الانتقالية.
ويُعد هذا الحكم رسالة واضحة بأن العدالة المغربية ماضية في ترسيخ مبادئ النزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز الثقة في المؤسسة القضائية، خصوصاً في القضايا التي تمس المال العام وحقوق الإنسان في آن واحد، بما يضمن التوازن بين الإنصاف وحماية المصالح العليا للدولة.
وبهذا القرار، تكون محكمة الاستئناف بوجدة قد كرست مبدأ سيادة القانون، ووضعت حداً لمحاولة استغلال المساطر القانونية لتحقيق مكاسب غير مشروعة، في خطوة تعزز من مصداقية القضاء وتؤكد دوره المحوري في صون الحقوق وحماية الموارد العمومية.

