دخل ملف التوجيهات الأوروبية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يناير 2026، مرحلة دقيقة بالنسبة للمغرب، إذ إنها قد تقلص من نشاط البنوك الأجنبية داخل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك البنوك المغربية التي تلعب دوراً محورياً في ربط الجالية المغربية بالخارج بوطنها الأم.
عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أكد أن المفاوضات مع الشركاء الأوروبيين “تسير في الاتجاه الصحيح”، مشيراً إلى أن فرنسا تمثل الطرف الأكثر ارتباطاً بالملف، بحكم وجود أكبر جالية مغربية على أراضيها وأكبر شبكة للبنوك المغربية خارج الوطن.
هذه التوجيهات تثير قلقاً واضحاً، لكونها لا تتعلق فقط بنشاط مصرفي تجاري، بل تمس مباشرة تحويلات الجالية المغربية، التي تشكل أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني، إذ تتجاوز قيمتها سنوياً عشرات المليارات من الدراهم، وتساهم في تمويل الاستهلاك الأسري، وتغطية جزء مهم من عجز الميزان التجاري، وتعزيز احتياطي العملة الصعبة.
ورغم طمأنة والي بنك المغرب بأن النقاشات تسعى لتوضيح “اللبس القانوني” وضمان استمرار عمل البنوك المغربية وفق الأطر التنظيمية الأوروبية، إلا أن الملف يكشف عن هشاشة الارتباط بين المنظومة المالية المغربية والأسواق الأوروبية، ويطرح تساؤلات حول:
مدى قدرة البنوك المغربية على التكيّف مع المعايير الجديدة.
إمكانية البحث عن قنوات بديلة أو تطوير منصات رقمية لتعويض أي تضييق أوروبي.
الحاجة إلى تقوية الاتفاقيات الثنائية، خاصة مع فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، حيث يتركز أغلب المهاجرين المغاربة.
كما أن هذا التطور يعكس بعداً سياسياً واقتصادياً معاً: فالاتحاد الأوروبي، وهو أكبر شريك تجاري ومالي للمغرب، يسعى من خلال هذه التوجيهات إلى إعادة ضبط أنشطة البنوك الأجنبية داخل فضائه المالي، وهو ما قد يفرض على المغرب مقاربة تفاوضية مزدوجة: الدفاع عن مصالح جاليته، وضمان انفتاح نظامه البنكي على الأسواق الأوروبية دون الإضرار بالمعايير التنظيمية هناك.
الخلاصة أن الملف لا يقتصر على مسألة تقنية تخص القطاع البنكي، بل يتعلق بمستقبل أحد أهم شرايين الاقتصاد المغربي، أي تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج. نجاح المفاوضات أو تعثرها سيكون له أثر مباشر على التوازنات المالية وعلى الثقة التي يوليها أبناء الجالية لمؤسساتهم الوطنية.

