الرئيسية آراء وأقلام النموذج القضائي الجديد و رهان اصلاح العدالة

النموذج القضائي الجديد و رهان اصلاح العدالة

IMG 20211126 WA0330.jpg
كتبه كتب في 27 نوفمبر، 2021 - 12:37 صباحًا

بقلم شريف الغيام مستشار بمحكمة الاستئناف بالحسيمة

لقد شكل النموذج التنموي خارطة طريق جديدة نحو بناء مغرب الغد بل و مراجعا يحتذى به لتجاوز كل العثرات التي قد تعتري المسار التنموي للبلاد

ذلك أن  تجويد الخدمات العمومية أضحى يقتضي توسيع دائرة الاجتهاد  في بلورة آليات مندمجة قائمة على أرضية دستورية قوامها جعل المواطن المغربي في قلب اهتمامتها
بعيدا عن منطق كون هذا الأخير يعد موضوعا من موضوعاتها بل شريكا أساسيا في بلورة أهدافها

بحيث أن عقلنة التدبير الإستراتيجي و الحكامة في التسير فرضت ضرورة إعادة النظر في كل المنهجيات الكلاسيكية و التقليدية و ذلك بتبني   خيارات متقدمة  في التنظير و واقعية في التنزيل ، بيد  أن العمل على تجويد و نجاعة المرافق العمومية  أضحى يتطلب اليوم أكثر من أي يوم مضى ضرورة بسط النظر و العمل بفاعلية أكبر لتشخيص الأداء العمومي في شقه الرامي للاستجابة لتطلعات المواطنين و المواطنات باعتباره مدخلا أساسيا لرفع صبيب الثقة المواطنة من جهة
و كسب رهان التنمية من جهة أخرى ،

دون إغفال الربط بين الأمرين بسياق تاريخي يجمع فيه بين الماضي و الحاضر و التطلع للمستقبل، سيما أن المغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس  أيده الله و نصره قد فرض نفسه كقوة إقليمية و نموذجا حقيقيا في السير قدما نحو عالمية التدبير و الحكامة و التنمية المستدامة .

مع الاستحضار الدائم للاستحقاقات و النجاحات المتوالية على  مختلف الاصعدة و المستويات الاقتصادية و  الاجتماعية و غيرها
إذ لا مجال لإهدارها أو حتى المجازفة بنتائجها وإنما الامر يتطلب ما هو أكبر من ذلك بتسيجها ولما لا تقويتها .

وهذا ما يجعل من  الخيار الرامي لرسم معالم مغرب الغد لا يشكل هدفا بحد ذاته بل هدف و  وسيلة بآن واحد تعلوا معه مطامح النموذج التنموي المنشود بموجب ما تضمنه التقرير المرفوع لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره كطموح مجتمعي قائم الذات ينحو بامتياز  للرقي بالمؤسسات العمومية و خدماتها الموجهة للمواطنين ورافعة أساسية في بناء دولة قوية بمؤسساتها و آليات عملها .

وبما أن توفير العدالة يشكل أحد الركائز  الاساسية التي تقوم عليها الدولة كسلطة إلى جانب باقي السلط موكول اليها توفير الخدمات القضائية سواءا ما يتعلق منا بحفظ أمنهم القضائي عن طريق البت  بما يقتضيه القانون قضاياهم بكل تجرد و استقامة و عدل أو حتى ما يستلزمه من مقررات ذات علاقة بالعدالة أو غيرها خدمة لهم .

فقد عمل تقرير النموذج التنموي على إيلاء العدالة مكانة جد مهمة ضمن أليات إشتغاله  في  محاولة لرصد مختلف الاشكالات التي تعيق التنزيل المكتمل للورش الإصلاحي الذي تعرفه أو ما يعتريه .

فإيمانا بأنه لا تنمية بدون قضاء مؤهل مؤسساتيا و بشريا ولوجيستيكيا مما يستدعى ضرورة التنبيه لتسريع وتيرة إخراج القوانين المرتبطة بمقومات العدالة و النهوض الحقيقي بها باعتبارها ورشا مفتوحا يستلزم على كل مرة من المراحل صيانته من كل الاعطاب المحتملة  الوقوع  .

ذلك أن الاخذ بتوصيات تقرير النموذج التنموي يدفعنا لتوسيع دائرة الطموح الأمثل مع الاخذ بعين الاعتبار  ما تضمنته  مخرجات الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة المنبثقة عن الخطاب الملكي المتعلق بإصلاح العدالة المؤرخ في 20 غشت 2009 المشكل لخارطة طريق واضحة المعالم

و التي تعززت بالمكتسبات الدستورية لدستور 2011 وما تلاها من عناية سامية في كل مناسبة بشأن العدالة بصفة عامة أو العدالة و تقاطعاتها المرتبطة بالأمن أو الاستثمار…..وغيرها .

كل ذلك يجعلنا اليوم أمام رهان و خيار حقيقي للانتقال من مفهوم الوظيفة العمومية إلى مفهوم  السلطة  أي السلطة القضائية باعتبارها مؤسسة  مستقلة قائمة الذات بهياكلها التنظيمية ممثلة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية
( تجدر الإشارة لكون أن تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتسمت بتنوع مكوناته ووظائفه
ليشمل شخصيات قضائية وحقوقية، وقضاة منتخبين، وحسب الفصل 115 من الدستور من جهة و كذا باعتبارها مؤسسة دستورية تنفرد من جهتها على السهر في تطبيق جميع الضمانات الممنوحة للقضاة ولا سيما فيما يتعلق بالإستقلال والتعيين والترقية والتقاعد والتأديب وما يتعلق بتدبير الوضعية الفردية للقضاة و كذا كل ما يتعلق بتدبير الشأن القضائي ،  ناهيك ما أسند لها  حق استشاري في  إصدار التوصيات الملائمة لوضعية القضاء ومنظومة العدالة بشكل  تلقائي في  كل مسألة تتعلق بالعدالة كلما طلب ذلك جلالة الملك أو الحكومة أو البرلمان )

علاوة على ذلك، و في نفس السياق المتعلق بتفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالإستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية ، فقد تم نقل سلطة رئاسة النيابة العامة من وزارة العدل المنتمية للسلطة التنفيذية إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض التي تنتمي للسلطة القضائية .

كل ذلك يدفعنا للمزج بين كل هاته المرجعيات(الخطب الملكية السامية- الدستور – مخرجات الحوار الوطني- تقرير النموذج التنوي) في إطار تكاملي هادف طموح نحو خلق تصور موحد لقضاء مندمج أو لنموذج قضائي هادف .

ومنه نستطيع الجزم بالقول بكون أن ورش اصلاح القضاء و العدالة بصفة عامة قد عرف سندا مرجعيا جديدا قويا و منهجا للتصريف الأمثل للخدمات القضائية .

ذلك أن الاعتداد بالقول يجعل من مضامين النموذج التنموي بمثابة دعوة صريحة  للتسريع في  الإنتقال من مرحلة تأسيسية مثبتة لدعائم السلطة القضائية إلى مرحلة سد  الحاجيات القضائية لمرتفقي العدالة  عن طريق الرهان على ضرورة ملامسة تحقيق قواعد  العدل والإنصاف والمساواة داخل أجل محكم و معقول  و محاربة الفساد ، وغايته المثلى هو  الرفع من صبيب الثقة للمواطنين في القضاء و جعل هذا الاخير في مقدمة قاطرة التمنية المستدامة

إيمانا بمبدأ  حيث لا تنمية بدون سلطة قضائية قوية و مستقلة و كذلك الامر بشكل عكسي حيث لا سلطة قضائية قوية و مستقلة بدون تنمية

وهو الامر المعبر عنه صراحة في استراتيجيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة .

هاته الأخيرة التي عجلت في  تحول نوعي نحو حكامة قضائية غير مسبوقة سواءا بتبني مقاربات تشاركية من جهة أو باعتماد منهجية الاعلان المسبق على جدول اعمال كل اجتماعاته  وغيرها من المقاربات المرتبطة بتحسين التموقع الأمثل  للسلطة القضائية الى جانب باقي سلط الدولة عن طريق التنزيل الفعلي لكل التوجيهات الملكية السامية بهذا الشأن
في إطار تكاملي كل من موقعه الخاص مع مراعاة الخصوصية التي تنفرد بها السلطة القضائية بموجب النصوص القانونية المؤطرة لها .

الا أنه و بالرجوع لمناط الحديث عن  النموذج القضائي بحسب مرجعياته السالف ذكرها  ليس بالمهمة السهلة كما أنه ليس بالمهمة المستحيلة في نفس الوقت فوجود عراقيل أو صعاب مسألة جد طبيعية قد يساهم فيها تارة بطئ إخراج بعض القوانين الاساسية أو النصوص الخاصة أو التنظيمية أو حتى البطئ في تنزيل محاور و توصيات الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة و غيرها .

مما يجعل من  تقرير النموذج التنموي أرضية خصبة و آلية من آليات حوكمة  التنزيل  المرتكزة على التشخيص الأمثل للواقع باعتباره مدخلا من مداخل التنزيل  ليتأتى معه الركون لحلول و مقترحات ناجعة

و هو الامر البين في توصيات التقرير المذكور التي يمكن تلخيصها في ما يلي :

  • التأكيد على ترسيخ وضمان استقلال السلطة القضائية
  • تكريس قيم النزاهة و التخليق
  • وضع إطار لترسيخ الثقة و المسؤولية
  • توفير عدالة واضحة خالية من الشوائب
  • سن قوانين واضحة و قواعد عمل شفافية
  • تقليص مجال التفاوت الحاصل بين النصوص القانونية و الواقع
  • تبسيط إجراءات و مساطر التقاضي
  • رقمنة التقاضي و الإدارة القضائية
  • تسهيل ولوج المواطنين للعدالة 
  • تعزيز الحماية القانونية و المعنوية للمواطنين و الفاعلين
  • البث في القضايا داخل آجال معقولة
  • الزيادة في توفير الموارد البشرية و اللوجستيكية
  • تقييم منتظم ومرتبط بشكل وثيق مع المحاسبة
  • تدعيم برامج التكوين لخلق كفاءات ناجعة .

ومنه فإذا كانت التوصيات المشار إليها أعلاه  ولئن جاءت متقدمة في التنظير  فإن بلورتها يستتبع مقاربة أكثر اتساعا وتشاركية في أفق استكمال مقومات الاستقلال الكامل للسلطة القضائية  سيما في الجانب المالي و اللوجيستيكي و كذا حتى على مستوى الإشراف الفعلي على مباريات الولوج للسلك القضائي وما يرتبط بها.

مشاركة