الرئيسية آراء وأقلام مـفـهـــوم الــمشـــاركــة السيـــاسيــة…..

مـفـهـــوم الــمشـــاركــة السيـــاسيــة…..

FB IMG 16192224959710550.jpg
كتبه كتب في 24 أبريل، 2021 - 12:05 صباحًا
تندرج المشاركة السياسية في إطار الحريات والحقوق الفردية التي كفلتها مختلف العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، خاصة في المجال السياسي، وهي حق لايقتصر على فئة معينة من الناس، وإنما يشمل كل إنسان موجود على سطح الأرض، بمعنى أن هذه الإتفاقيات الدولية عممت هذا الحق على الجميع تاركة حق الإختيار في ممارسته أو عدم ممارسته للشخص نفسه، أي أنها لم تفرض هذا الحق على أحد، وفي نفس الوقت لم تجرده من أحد.

وبناء عليه، تقتضي دراسة مفهوم المشاركة السياسية الوقوف عند أبرز التعاريف التي أعطيت لهذا المصطلح حتى نتمكن من التمييز بين المشاركين من غيرهم.

يمكن تعريف المشاركة السياسية بأنها مجموع النشاطات الجماعية التي يقوم بها المحكومون، وتكون قابلة لأن تعطيهم تأثيرا على سير عمل المنظومة السياسية . وتعني أيضا المساهمة بفعالية في السلطة السياسية وهو ما يفترض أن ثمة ٱمتلاك فعلي لقسط من السلطة، وأن السلطة من ثمة تقبل التوزيع والإقتسام . وتختلف التعاريف المقدمة للمشاركة السياسية تبعا لمجال التخصص، فهي من وجهة نظر علم السياسية، وبمعناها الواسع، تتصل بإعطاء الحق الدستوري الديمقراطي لكافة أفراد المجتمع البالغين، العاقلين، في الإشتراك بصورة منظمة في صنع القرارات السياسية التي تتصل بحياتهم معا في مجتمع من المجتمعات. على ألا تكون هذه الأخيرة قاصرة على إعطاء هذا الحق أو النص عليه في الدستور، لأن المشاركة السياسية هي ممارسة هذا الحق ممارسة فعلية بعيدا عن عوامل الضغط والإجبار والإلزام، إذ يجب أن تظل في إطار ديمقراطي يتسق معه إطار الشعور بالمسؤولية الإجتماعية تجاه الأهداف المجتمعية العامة، وفي إطار الشعور بحرية الفكر والعمل والتعبير عن الرأي. أما المشاركة السياسية من وجهة نظر علم الإجتماع فهي العملية التي يمكن من خلالها أن يقوم الفرد بدور في الحياة السياسية المجتمعية، بقصد تحقيق أهداف التنمية الإجتماعية والإقتصادية، على أن تتاح الفرصة لكل مواطن بأن يسهم في صنع هذه الأهداف وتحديدها والتعرف على أفضل الوسائل لتحقيقها. ومن أبرز التعريفات التي قدمت للمشاركة السياسية أيضا التعريف الذي مفاده أنها: ” مجموع التصرفات الإرادية التي تستهدف التأثير على عملية صنع السياسات العامة وإدارة شؤون المجتمع، وكذا تلك التي يتم من خلالها ٱختيار القيادات السياسية على كافة المستويات الحكومية من قومية ومحلية، وذلك بغض النظر عما إذا كانت هذه التصرفات منظمة أو غير منظمة، مؤقتة أو مستمرة، مشروعة أو غير مشروعة، وسواء نجحت في بلوغ غاياتها أو لم تنجح” . إن السياسة بحكم أنها نظام من العلاقات، ترتقي بٱختلاف البشر وتمايزهم، وبالإعتراف بتساوي البشر رغم ٱختلافهم، وكل تغييب للإختلاف والتمايز يقود حتما إلى تفقير السياسة وٱندحارها. ومن هنا نجد أن السياسة تحيل بصفة آلية إلى المشاركة السياسية بفعل التمايز والإختلاف البشري ، ولعل هذا ما يجعل هؤلاء (البشر) يتكتلون في إطار تنظيمات سياسية من أجل فرض توجهاتهم الأيديولوجية والسياسية، وتأطير أكبر عدد ممكن من الأفراد حتى يتم الإقتناع بهذه الأفكار والتوجهات، ويتم تطبيقها من طرف الحكام، وهكذا فإن المشاركة السياسية تعني وتفترض توفر شرط لا محيد عنه وهو التعددية، هذه الأخيرة التي تشكل الإطار الطبيعي لتكوين السوق السياسية وتداول السلطة بحرية نسبية بين مختلف أطراف النخبة الإجتماعية وأنواعها. ولا تعني المشاركة السياسية بالضرورة تغيير النظام السياسي أو القيم السائدة في الدولة، وإنما تعني إعادة توزيع السلطة على مواقع النفوذ المعنوي والسيطرة الفعلية في المجتمع .

يحيلنا هذا التحليل الى أرسطو حيث ٱقتسام السلطة وفقه يفترض أن الناس يتوفرون على الصفات التي تساهم في حياة المدينة وسعادة الأفراد، لكن إذا كانت الفضيلة معيارا للمشاركة السياسية فليس هناك مع ذلك طرف من شأنه أن يمتلك سيادة مطلقة أو لامحدودة، ذلك أن السيادة تعود للقانون لا لفرد أو شعب، وهكذا نتجنب الخيار المدمر بين الحرب الأهلية والسيادة المطلقة .
وفي نفس السياق يعرف WEINER المشاركة السياسية بكونها: كل عمل إرادي ناجح أو فاشل، منظم أو غير منظم، مرحلي أو مستمر يفترض اللجوء إلى وسائل شرعية أو غير شرعية بهدف التأثير على ٱختيارات سياسية، أو إدارة الشؤون العامة أو ٱختيارات الحكام، وعلى كل المستويات الحكومية، محلية أو وطنية. وهذا التعريف الواسع يحيلنا على عدة نقاط أساسية من قبيل أن المشاركة السياسية هي:
– نشاط أو عمل سياسي
– إرادي أو طوعي
– ناجح أو فاشل
– منظم أو غير منظم
– مرحلي أو مستمر
– بوسائل شرعية أو غير شرعية
– سلمي أو عنيف
– للتأثير على عملية صنع القرار الحكومي على الصعيد المحلي أو الوطني
– للتأثير في الإختيارات السياسية
– إدارة الشؤون العامة .
فإذا كان الإنطباع السائد بين علماء السياسة هو أن الصورة البديهية للمشاركة السياسية هي عن طريق الإنتخاب بٱعتبارها الصورة التي تمارسها الأغلبية الساحقة من المواطنين على قدم المساواة، فإن دراسة هذه الأخيرة لم تعد تقتصر على دراسة الإنتخابات، وتحديدا التصويت، وإنما تعدت ذلك إلى دراسة مختلف الصور والأنشطة الأخرى التي تهدف إلى التأثير في عملية صنع القرار، بحيث أنه ليس أي فعل سياسي هو مشاركة سياسية، وليس كل عمل سياسي هو مشاركة سياسية، فحتى يكون العمل السياسي كذلك يجب أن يؤثر على السياسة العامة للدولة.
فالسلوك السياسي الفردي لا يتحول إلى سلوك سياسي فعلي إلا اذا كان متجها نحو التأثير على النسق السياسي أو على المجتمع بشكل عام .

مشاركة