الرئيسية آراء وأقلام من فجر بيروت؟

من فجر بيروت؟

FB IMG 15936540167822.jpg
كتبه كتب في 9 أغسطس، 2020 - 1:39 مساءً

بقلم: عبد السلام اسريفي / رئيس التحرير

اهتمت صحف عربية بتبعات الانفجار الهائل الذي ضرب مرفأ بيروت والذي أودى بحياة أكثر من مئة وخمسين شخص وأصاب نحو أربعة آلاف آخرين،بالإضافة الى الآلاف من المشردين، فضلا عن الأضرار المادية الجسيمة.

واعتبر كثير من المهتمين بالشأن العالمي،أن الانفجار له ما وراءه،ولا يمكن أن نصدق الرواية الرسمية،وتساءل عن الأسباب الحقيقية التي تجعل جهة ما تقوم بافتعال هذه الكارثة،وقلب الموازين بدولة جريحة ،لم تستطيع بعد لملمة جراحها،ولا زالت تحت رحمة الديون الخارجية وإملاءات البنك الدولي والدول النافذة.

فهناك من يوجه أصابع الاتهام الى اسرائيل ،حيث قبل التفجير بأقل من أسبوع تبادلت اسرائيل وحزب الله التهديدات بالتدمير بعد مقتل عنصر من حزب الله على يد اسرائيل، وتوعد حزب الله بالثأر، فردت عليه اسرائيل بأنها ستدمر لبنان، وقد نفذت تهديدها بتدمير ميناء بيروت، نظرا لأنه ربما يستخدم لتوريد الأسلحة إلى حزب الله. كما أن إسرائيل هي الأقرب إلى الميناء ولها متعاونون في الداخل اللبناني، ولا بد أنها على معرفة بالكميات المخزنة التي جرى تفجيرها. وهذا الاتجاه اعتبرته جهات رسمية موالي لحزب الله ويدافع عن وجوده بالمنطقة،بل يمهد الى مرحلة جديدة،قد يلعب فيها نصر الله دور المنقذ والحل الوحيد.،ويتساءل في النهاية ،لماذا لا ينضم حزب الله إلى الجيش اللبناني ويصبح جيشا نظاميا لخدمة أرضه وشعبه والدفاع عن حدوده، بحيث يكون قرار النشاط العسكري منظما وموحدا بيد الدولة وتختفي الصبغة الطائفية لهذا التنظيم؟ أليس هذا خيرا للبنان ومخرجا من حالة البؤس التي يعاني منها الشعب اللبناني؟

فيما يرى آخرون،أن هناك ألغاز كثيرة في الحياة اللبنانية ظلت بلا إجابات، انقلابات واغتيالات وتفاهمات وصفقات لكن يبقى النظام هو المتهم، لأنه يضم في داخله قتلة وفاسدين وأنانيين واحتكاريين وسماسرة وعملاء. وسواء كان الإهمال أو التآمر فإن النظام اللبناني بأطيافه التي تنهب المال العام والمناصب والمكاسب والسرقات وتهيمن على الحياة اللبنانية وتتاجر في كل شيء وتبيع كل شيء ينتج أرصدة قابلة للقسمة في ما بينها هي المتهمة. قد تكون شحنة نترات الأمونيوم هي السبب، لكن من كدسها هناك دون رقابة لسنوات هو الذي سهل تفجيرها.

ويضيف ذات الاتجاه،وهو الموالي للشعب ،أن الذي فجر الميناء هو الذي أشعل الحرب اللبنانية منذ السبعينات للقضاء على النموذج اللبناني في التعايش والتنمية وكبح جماح البؤرة المضيئة في بحر الظلمات العربي. وهو الذي فجر جرثومة الطائفية لتنتشر عدواها خارج لبنان، وهو الذي أراد إقامة دويلات طائفية تابعة لقوى خارجية إقليمية ودولية. من فجر الميناء هم الذين أنقذهم فيروس كورونا من غضبة الشعب الذي ظل يتظاهر لفترة طويلة مطالباً بمكافحة الفساد والفاسدين وإنهاء المحاصصة الطائفية التي شرعنت الفساد ونهبت المال العام.

فيما ترى أقلية،وهي التي تعتبر نفسها النخبة المثقفة،أن التفجير نتاج لسنوات من الظلم والتهميش والتبعية للغرب،فرنسا على وجه الخصوص،فلا غرابة،أن تكون هناك مؤامرة تستهدف استقرار البلاد،وكبح جناح الاحتجاجات الشعبية،التي طالما خرجت للاحتجاج والمطالبة بتغيير النظام وعتق لبنان من الموت السريري،وزرع الفتنة وتقوية تيارات ،لم يعرف بعد الجهات التي تمولها وحتى أهدافها.

وتطالب النخبة المثقفة بالبلاد الى اجتثاث الفساد وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها،كفيلة بتقديم الاجابات الشافية عن أسئلة الزمن اللبناني،خاصة وأن الوضع الحالي لا يسمح باستمرار نفس النظام ونفس السياسات التي أقبرت حلم الشعب.فلبنان دولة ذات سيادة،من واجبها تحديد مصيرها بالاعتماد على مؤسساتها ورغبة شعبها،وليس بالاعتماد على توجيهات زعماء الخليج وأباطرة السياسة بالغرب.

ومهما كان سبب انفجار بيروت،فالوضع لم يعد يحتمل مزيدا من الانتظار،ولا بد من تغيير طرق تدبير الدولة وعلاقاتها بالمحيط خليجيا وحتى دوليا،فالفساد المستشري داخل المؤسسات،ولهفة اللوبي السياسي الاقتصادي المدعوم من قبل الغرب،لا يمكن ،إلا أن ينتج لبنان أخرى بنفس الملامح ،مع تغيير بسيط في المساحيق والملابس،وهذا هو ما ينادي به الشعب،الذي يخرج حتى في عز كورونا والعوز ليطالب بالتغيير،لأنه يعلم،أن لبنان باتت لعبة في يد سياسيين فاسدين ،يتغذون على صراعات مفتعلة،بل مدعمين من جهات داخلية وخارجية،ويطالبون بالتالي بوقف العجلة،والانطلاق من جديد بوجوه جديدة،مع توحيد الرؤى وتجاوز الخلافات،وتصفية الأطماع،وصنع جيش وطني واحد يمثل الدولة اللبنانية ويسهر على حماية مواطنيها وسيادة أراضيها.

مشاركة