الرئيسية إجتهادات وقرارات قضائية ( الجزء 2) الحماية القضائية المدنية للحقـــوق الخاصة بـالقانون 08-09 وفق قواعد المسؤولية المدنية

( الجزء 2) الحماية القضائية المدنية للحقـــوق الخاصة بـالقانون 08-09 وفق قواعد المسؤولية المدنية

timthumb.png
كتبه كتب في 30 أبريل، 2020 - 1:34 صباحًا

من إعداد : الأستاذة لطيفة بوروضا
باحثة قانونية..

الجزء 2

الضرر المادي:
الضرر الذي يصيب الشخص من جراء الاعتداء على حقه في بياناته لا يكون فقط ضررا معنويا وإنما يشمل ذلك الضرر المادي المتمثل في إلحاق خسارة مادية أو تفويت كسب فإذا ما استخدمت صورة الشخص من دون موافقته في الدعاية التجارية فإن هذا العمل يولد له ضررا ماديا يتمثل في تفويت فرصة() الكسب التي كانت ستعود عليه لو أنه تعاقد على الظهور في الدعاية التجارية بشرط الحصول على مقابل مادي، إذ أن قبول إحدى الفنانات نشر صورتها مجانا من أجل الدعاية لها لا يجوز معه استعمال هذه الصورة لأغراض الدعاية التجارية إذ تستحق بموجبه الفنانة التعويض عن فوات فرصتها بالكسب فيما لو أنها كانت تعلم أن صورتها سوف تستخدم في الدعاية التجارية.
وإذا أثبت المعني بالأمر وجود خطأ في جانب المسؤول عن المعالجة والضرر الحاصل له فإنه عليه أخيرا إثبات العلاقة السببية بينهما.

Screenshot 20200426 130414 1 1

· العلاقة السببية:
تبرز القواعد العامة في المسؤولية المدنية على أنه لا يكفي توفر الخطأ والضرر إذ لابد أن تكون هناك علاقة سببية بين الخطأ والضرر، ويمكن للمدعى عليه أن ينفي الرابطة السببية بجميع طرق الإثبات، كأن يثبت مثلا أن الضرر قد وقع بسبب آخر غير فعله أي أن السبب الأجنبي هو الذي جعل وقوع الضرر حتميا وأن السبب هو سبب أجنبي بعيد عن المدعى عليه ولا علاقة له به تماما.
مثال على ذلك أن تحرق السجلات التي تخزن فيها المعطيات نتيجة سبب أجنبي خارج عن إرادة المعالج مما يُسَبِّبُ تلفها أو ضياعها.
بذلك فالعلاقة السببية تعتبر الركن الثالث من أركان المسؤولية وهي تتمثل في ضرورة ترتب الضرر عن الخطأ، ومعناها ضرورة وجود علاقة مباشرة بين الخطأ و الضرر الذي أصاب المعتدى على معطياته طبقا للقواعد الواردة في قانون الالتزامات والعقود().
لكن ما تنبغي الإشارة إليه أن بعض التشريعات كالقانون المدني المصري في المادة 50 والمادة 47 من القانون المدني الجزائري تعطيان لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب إلى جانب وقف الاعتداء الحصول على تعويض عما قد يكون قد لحقه من ضرر وبالتالي ليس هناك من جديد في مجال العلاقة السببية بين الخطأ والضرر. بحيث أنه إذا أثبتت العلاقة بين الخطأ الماس بالحق في المعطيات الخاصة والضرر الناجم عنه، فإنه لا مجال من جبر الضرر الناتج().
في إطار التشريع المغربي طالما توصل المعتدى على معطياته إلى تحديد المسؤول عن الضرر الحاصل له وإثبات ضرره والعلاقة السببية بين خطأ المسؤول والضرر فإنه يحق له طلب التعويض على أساس المسؤولية التقصيرية الوقائية لحماية حقه.
الآثار القانونية للمسؤولية المدنية:
يترتب على توافر أركان المسؤولية التزام المسؤول عن الضرر بتعويض المتضرر عما لحقه من ضرر، وتقدير التعويض بشقيه المادي والمعنوي يخضع لعدة ضوابط منها ان التعويض هو جبر للضرر اللاحق بالمضرور وهو يشمل ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب، كما أن التعويض يقدر بالنسبة إلى الضرر الفعلي اللاحق بالمضرور، إضافة إلى كون التعويض يشمل الضرر المادي والمعنوي، وقد نص المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود في المواد 98، 99، 100، 264 على بعض الأحكام الواجبة التطبيق للتعويض عن الضرر ماديا ومعنويا().
أولا: أنواع التعويض عن الضرر الحاصل للمعتدى على معطياته الشخصية
إذا توافرت شروط المسؤولية وتحقق شروط الحكم بالتعويض فإن أمام القاضي قبل أن يصدر الحكم أكثر من طريق للتعويض، فقد يطلب الشخص المعني بالمعالجة المتضرر من القاضي أن يأذن بمسح المعطيات المتعلقة به والتعويض في هذه الصورة يكون عينيا ولا يمكن الحكم بذلك التعويض إلا إذا حصل الضرر نتيجة نشر المعطيات وإحالتها إلى الغير.
كما يمكن أن يكون التعويض نقديا أي الحكم بمبلغ مالي يقدره القاضي بحسب الضرر الحاصل له. لذا فإننا سنعالج أنواع التعويض في نقطتين؛ نخصص الأولى للتعويض العيني، والثانية للتعويض بمقابل.
أ-التعويض العيني
التعويض العيني هو الحكم بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل أن يرتكب المسؤول الخطأ الذي أدى إلى وقوع الضرر، وهو بهذا المعنى يعد أفضل من التعويض النقدي ذلك أنه يؤدي إلى محو الضرر، وإزالته بدلا من بقاء الضرر على حاله وإعطاء المتضرر مبلغا من المال عوضا عنه كما هي الحال في التعويض النقدي، وبعبارة أخرى يحقق للمضرور ترضيه من جنس ما أصابه من ضرر بطريقة مباشرة أي من غير الحكم له بمبلغ من النقود بهدف إزالة الضرر عينا وإزالة المخالفة().
وفي مجال الحق في المعطيات الشخصية فالتعويض يكون عينيا في الحالة التي يطلب الشخص المعني بالمعالجة المتضرر من القاضي أن يأذن بمسح المعطيات المتعلقة به، إلا أنه لا يمكن الحكم بذلك التعويض إلا إذا حصل الضرر نتيجة نشر المعطيات وإحالتها إلى الغير، ويدخل ضمن التعويض العيني غلق موقع الأنترنيت الذي يقوم بعرض المعطيات الخاصة بالشخص أو منع عرض البرنامج الذي تعرض فيه() كما الحال بالنسبة لملفات المستشفيات، حيث تقوم المصالح الطبية بتكوين ملفات طبية تضم مجموعة من المعطيات على المريض مثل اسمه، وجنسه، وتاريخ ومكان ازدياده، وبعض المعلومات الطبية المتعلقة به وتكتسب مختلف هذه المعطيات طابعها الشخصي انطلاقا من حرص الأشخاص المعنيين على عدم إفشائها ونشرها وإحالتها على الغير، ومن تم فإن علم الغير بهذه المعلومات من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي وخطير في الوقت ذاته على الحياة الخاصة للأشخاص().
ب – التعويض بمقابل
قد يتعذر الحكم بالتنفيذ العيني وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ومن ثم يكون جبر الضرر عن طريق التنفيذ بمقابل، أو ما يسمى بالتعويض النقدي الذي يمتاز بالمرونة والبساطة، حيث يمكن اللجوء إليه أيا كانت طبيعة الأضرار الحاصلة سواء مست هذه الأخيرة، وبمجرد مصلحة مشروعة للمصاب سواء كان الضرر حالا أو مستقبلا.
والتعويض يجب أن يكون متعادلا مع حجم الضرر الحاصل ويجوز للمحكمة أن تستعين بخبرة لتحديد مدى حجم الضرر، وبالتالي فالمقصود بالتعويض النقدي هو ذلك التعويض الذي يقدر بمبلغ من المال كمقابل للضرر الذي أصاب المتضرر، ويلجأ إليه القاضي عندما يتعذر إصلاح الضرر الناجم عن الاعتداء على المعطيات الشخصية عن طريق التعويض العيني.
والتعويض النقدي يقدره القاضي بحسب الضرر الحاصل له، وفي هذا نسير إلى أحكام الفقرة 14 من توصيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تضمنت التنصيص على مبدأ مسؤولية صاحب الفيشات والبطاقات على احترام الآليات التي تضمن تكريس مبادئ الحماية الواردة بها.
وبالعودة لمقتضيات اتفاقية المجلس الأوروبي عدد 108 نصت بفصلها العاشر على تعهد كل دولة بوضع إجراءات مدنية وعقوبات ملائمة تهدف إلى ردع الاعتداءات والمخالفات لأحكام تشريعها الداخلي الذي يكرس الحماية للمعطيات الشخصية المنصوص عليها بالاتفاقية المذكورة أيضا من خلال التوصية الأوربية 95.46 فقد نص الفصل 23 منها أنه “يجب على الدول الأعضاء أن تنص على أنه لكل شخص تضرر بفعل المعالجة غير المشروعة ومن عمل مخالف لأحكام تشريعاتها الوطنية المنصوص عليها تطبيقا لأحكام التوصية الحق في الحصول على تعويض لضرره الذي تسبب فيه المسؤول إذا ثبت عدم نسبة الخطأ الناجم عنه ضرر إليه”().
وفي إطار رفقة القضاء المقارن طرح القضاء التونسي مسألة الأساس القانوني للتعويض وإمكانية الحكم بالتعويض بمجرد المساس بالحياة الخاصة والمعطيات الشخصية دون الرجوع إلى الأحكام العامة للمسؤولية المدنية التي تفترض قيام الخطأ وثبوت الضرر وثبوت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر وكان هذا بمناسبة قضية نظرت فيها محكمة الاستئناف بتونس().
من خلال هذا القرار الاستئنافي حاولت المحكمة صياغة المبدأ المؤسس عليها وموقفها ثم بعد ذلك بنت أوجه مخالفته من قبل الشركة وقضت بالتالي بالتعويض، دون أن تشير إلى السند التشريعي المؤسس عليها حكمها، باعتبار أن قانون 27 يوليوز 2004 المؤطر لحماية المعطيات الشخصية لم يحدد أساسا خاصا بالمسؤولية المدنية للمسؤول على المعالجة والمناولة نتيجة الاعتداء على المعطيات الشخصية، وهذا ما سار في ركبه المشرع المغربي من خلال القانون 09.08 حيث لم يحدد هو الآخر أساس للمسؤولية المدنية، وأنها تخضع للنظرية العامة الواردة في ق.ل.ع وباعتبارنا في إطار معالجة المعطيات الشخصية فإن ذلك يفترض وجود خطأ في المعالجة التي تتم دون احترام مبادئ المعالجة كمبدأ إخبار وإعلام الشخص المعني بالمعالجة أو دون موافقته المسبقة أو لغايات غير مشروعة، وبعبارة أخرى فإن خطأ المسؤول عن المعالجة يتمثل في الإخلال بالتزام قانوني يتعلق باحترام مبادئ حماية المعطيات الشخصية باعتبار هو المسؤول عن ضمان سلامة المعطيات الشخصية بما يجعل أمر المسؤولية المتوفرة والموجبة للتعويض وفقا لقانون الالتزامات والعقود.
يمكن في هذا الصدد الإشارة إلى ما قررته محكمة النقض المصرية بخصوص موقف فقه القضاء المقارن في الحكم المطعون فيه عدد 1610 الصادر بمجلة 7 أبريل 1988 عن الدائرة المدنية إذ جاء فيه أن نص في المادة 45 من الدستور على أن حياة المواطنين الخاصة حرمته يحميها القانون وفي المادة 50 من ق.م المصري على أن لكل من وقع ضحية اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته ان يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر” حسب الشروط العامة للمسؤولية المدنية().
وبهذا فلا يوجد هناك ما يمنع القضاء من أن يحكم بتعويض نقدي للمتضرر من جراء نشر معطياته من دون الحصول على موافقته، فمن استخدمت صورته في الدعاية التجارية يستطيع أن يطالب بتعويض نقدي جراء هذا الاستعمال غير المشروع لصورته.
ويجب أن يكون التعويض الذي يحكم به القضاء متزامنا مع الضرر الحاصل فلا يجوز أن ينقص عنه ولا على أن يزيد على مقدار الضرر لأن الهدف من التعويض هو جبر الضرر فإذا ما نقص الضرر فإن مقدار التعويض يجب أن ينقص فإذا كان التقدير زائدا فإن هذا سوف يثري المضرور على حساب المسؤول() وفي التعويض عن الضرر المادي يجب الأخذ بنظر الاعتبار عنصرين عند تقدير التعويض هما: الخسارة المالية اللاحقة، والكسب الفائت، فهما العنصران اللذان يجب التعويض عنهما سواء في إطار المسؤولية العقدية أو التقصيرية().
ثانيا: تقادم دعوى المسؤولية المدنية
للتقادم أهمية بالغة في العمل القانوني لأنه يقوم على أساس اعتبارات تتصل بالصالح العام للمجتمع، فضلا عن المصالح الخاصة التي يحميها هذا النظام، ولهذا فهو يعد مؤسسة لا غنى عنها في عدة مجالات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، بحيث لولا التقادم لا اضطرت المحاكم إلى سماع القضايا التي مر عليها زمن طويل مع ما يخالف ذلك من اضطرابات وتشويش على العدالة بسبب فقدان الأدلة مع مرور الوقت تم إن نظام التقادم يعمل على ضمان استقرار المعاملات والأحوال وبالتالي فهو يقوم على فكرة وجوب احترام الأوضاع المستقرة التي مر عليها فترة من الزمن ولهذا فإن أغلب التشريعات أجازته في جميع المعاملات سواء كانت مدنية أو تجارية.
وفيما يخص القانون المتعلق بالحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية فإنه لم يشر إلى تقادم دعوى المسؤولية المدنية في نصوصه ولهذا لا مناص من الرجوع إلى القواعد العامة التي تحكم التقادم وخاصة الفصل 106 م ق.ل.ع.
“إن دعوى التعويض من جراء جريمة أو نية جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عليه، وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر”.
وفي هذا الصدد جاء في إحدى قرارات محكمة الاستئناف بالدار البيضاء أنه:
“حيث أنه كما كانت القرصنة من الأعمال الغير مشروعة، فإن التقادم بشأنها يخضع لمقتضيات الفصل 106 من ق.ل.ع”().
الفقرة الثانية: الإجراءات الوقتية والتحفظية
تمثل الإجراءات الوقتية والتحفظية الوسائل الوقائية لحماية الحق في المعطيات الشخصية التي يتم اللجوء إليها لمنع حدوث اعتداء على حق من الحقوق الخاصة بقانون 09.08 وهذه الإجراءات تعد من أفضل الوسائل لحماية هذا الحق، فالوقاية خير من العلاج فضلا عن أن هذه الإجراءات تمثل حماية حقيقية لهذه الحقوق فبمجرد المساس بهذه الحقوق ينحصر أثر الحماية الوقائية، ويطهر دور الوسائل العلاجية وفيها نجد أن التعويض لا يستطيع محو أثر الاعتداء بالكامل وإنما يخفف منه في حين يفوقه بكثير وقف الاعتداء لتوفير الحماية لهذه الحقوق().
ويلاحظ أن عبارة منع الاعتداء من الاتساع بحيث تشمل منع الاعتداء قبل أن يحصل وتشمل كذلك وقف الاعتداء الذي بدء ولم يكتمل بعد أن يستطيع الشخص أن يطلب وقف الاعتداء، كي لا يتفاقم فضلا عن فعالية هذا الإجراء في توفير الحماية شأنه شأن منع الاعتداء().
فمنع الاعتداء هو إجراء وقتي وقائي يهدف إلى منع الآخرين من الاعتداء على حق الانسان في معطياته الشخصية عن طريق نشرها أو محوها ويخول الشخص سلطة منع الآخرين من ذلك من دون موافقته ويتلافى الانتظار إلى حين وقوع الاعتداء لغرض المباشرة بالإجراءات الكفيلة بمكافحته ولا يتطلب وقوع ضرر معين للمطالبة بمنع الاعتداء ووقفه إذ بالإمكان طلب وقف الاعتداء ومنعه حتى لو لم يكن هناك ضرر فعلي واقع فيكفي أن يكون هناك ضرر محدق أو وشيك الوقوع يبرر طلب حماية حق من الحقوق الخاصة بالقانون 09.08 عن طريق منع الاعتداء أو وقفه().
وبشأن اللجوء إلى القضاء المستعجل() لغرض طلب منع الاعتداء أو وقفه عن طريق وقف نشر المعطيات الشخصية أو وقف تداولها أو حذف بعض المعطيات أو إدخال تعديلات عليها أو باللجوء إلى التدابير التحفظية ولعل هذا ما تبرزه من خلال نقطتين هامتين.
أولا: وقف نشر المعطيات ووقف تداولها
يقصد بهذا الإجراء منع أي فعل من شأنه إيصال الحقوق الخاصة إلى تساؤل الجمهور() وتبدو أهمية وقف نشر المعطيات أو وقف تداولها في الحالات التي يكون فيها الاعتداء على الحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية قد تم عن طريق النشر بصفة عامة، وخطر التداول يعد بمثابة الإجراء الذي يمنع من نشوء الداء أما وقف التداول بعد النشر فإنه يعد استعمال الداء من جذوره، وهذا الإجراء إذا كان أداة حاسمة في منع الاعتداء على الحق في المعطيات الشخصية إلا أنه يتعارض مع حق آخر وهو الحق في الإعلام، وفي مجال تطبيق هذا الجزاء تثور بشدة أهمية الموازنة والمفاضلة بين الحق في المعطيات الشخصية والحق في الإعلام وهذا الحق يمس مباشرة حرية الصحافة إذا كان النشر قد تم عن طريق إحدى الصحف() وعليه نجد أن المشرع الفرنسي لبس نداء محكمة النقض المتعلق بضرورة التنسيق بين القواعد التي تحكم حرية الصحافة وتلك التي تحمي الحق في الحياة الخاصة وهذا جاء في الفقرة الثانية من المادة 9 ما يلي: “أن للقضاة أن يتخذوا كافة الوسائل مثل: الحراسة، الحجر، وغيرها من الإجراءات لمنع أو لوقف أي مساس بألفة الحياة الخاصة، ويستطيع أن يأمر قاضي الاستعجال بهذه الإجراءات متى توافر شرط الاستعجال وذلك دون المساس بحق الشخص في تعويض ما يصيبه من ضرر.
يمكن القول صياغة أن نص المادة التاسعة جاءت واضحة فيما يخص اتخاذ الإجراءات الاستعجالية اللازمة لمنع الاعتداء أو وقفه فالعبرة بالاعتداء وليس بالضرر، كما أنه وبصدور المادة 809 من قانون المرافعات الفرنسي لسنة 1976 تعززت وتأكدت هذه الإجراءات الاستعجالية كحماية للحق في الحياة الشخصية وبالتالي للمعطيات الشخصية لحق من الحياة الخاصة، بحيث أنه تقرر أنه يجوز لقاضي الاستعجال أن يأمرنا باتخاذ الاجراءات التحفظية أو القيام بإعادة الحالة كما كانت عليها سواء كان ذلك لأجل تفادي حدوث ضرر وشيك أو وقف متاعب واضحة في عدم مشروعيتها().
ويمكن القول أن على قاضي الأمور المستعجلة أن يتأكد من توافر حالة الاستعجال، ولهذا فإن القضاء الفرنسي يرفض الأمر بوقف التداول إذا ثبت أن المدعى قد سبق له أن تسامح فيما سبق نشره عن خصوصيات حياته، بحيث أن حالة الاستعجال لا تتوفر في حالة التسامح الطويل على النشر السابق، فالحكم بالتعويض يكفي في هذه الحالة().
القانون المدني المصري في المادة 50 يظهر لنا جليا أن يسمح بهذا الإجراء في حالة المساس بالحق في المعطيات الشخصية ضمن حرمة الحياة الخاصة وفي هذا الصدد تقرر المادة أنه لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض لما يكون قد لحقه من ضرر(). خاصة وأن المشرع المصري قد سمح بوقف النشر والحجز في حالة الاعتداء على أمر من الأمور التي تدخل في نطاق الحياة الخاصة.
كما نجد أنه بالرجوع إلى القانون المدني يتضح لنا أن المشرع المغربي قد سمح بوقف الاعتداء مع أن مصطلح الاعتداء لا يجب أن يُفهم منه بالضرورة أن يكون الاعتداء قد بدأ ذلك أن عبارة “وقف” فحسب، يقصد بها كذلك وقف الاعتداء حتى قبل أن يبدأ أي منعه من الحدوث.

ثانيا: حذف بعض المعطيات أو إدخال تعديلات عليها
ويعد هذا الإجراء من الإجراءات الوقتية الوقائية وهو يعني حذف إجراء من المعطيات المعترض على نشرها أو إدخال التعديلات عليها بحيث لا تشكل اعتداء على صاحب الحق، وقد ثار السؤال حول مدى سلطة قاضي الأمور المستعجلة في الأمر بحذف بعض المعطيات أو التعديل فيها بصورة لا تمس أصل الحق وهذا يتعارض مع طبيعة القضاء المستعجل لأن الحذف أو التعديل لن يترك شيئا لقاضي الموضوع فنقطة النزاع هي احتواء المطبوع على ما يمس حقوق الشخص والأمر بحذف هذا المساس هو فصل في الموضوع، وتثور هذه المسألة بشكل أكبر عندما يكون الأمر بإدخال التعديلات يشمل أغلب الموضوع().
ويُرد على هذه الحجة بأنه إذا كان القاضي يملك حصر نشر المعطيات أو تداوها حتى ولو كانت صحف أو مجلات يومية أو دورية التي يجب أن تصدر في موعد محدد ولا يجب السماح بنشرها بعد الموعد المحدد لصدورها فإنه يملك من باب أولى حذف بعض المعطيات لأن من يملك الكل يملك الجزء().
كما يذهب البعض() إلى إمكانية حسم النزاع بالقرار المستعجل إذا ترتب على صدوره جعل الخصوم في وضع يكون فيه الاستمرار في الخصومة أمام القضاء العادي غير منتج وينطبق هذا على مسألة الحذف أو التعديل التي تجري على المعطيات.
قد يحدث عملا أن يعرض المدعي القيام بالحذف أو التعديل لتفادي الحكم عليه لمنع التداول أو ضبط الملفات الخاصة بالمعطيات أو وضعها تحت الحراسة أو الحجز عليها().
وتتعدد وسائل القيام بهذا الإجراء فقد يكون بالحذف مثلا حذف صورة شخص ما من إحدى الإعلانات أو بتغطية الصورة الموضوعة في إحدى الإعلانات بنوع من الورق يخفيها ويمنع رؤية المارة لها().
ومن تطبيقات هذا الإجراء كذلك حذف بعض الصور المنشورة المتعلقة بعمليات التجميل “قبل وبعد” فإذا اتفق شخص مع الطبيب على نشر مجموعة من الصور الخاصة به وكان قد حدّد هذه الصور بالذات ولكنه قام بنشر هذه الصورة وصور أخرى للشخص لم يتفق على نشرها، فهنا يجوز للشخص أن يطلب حذف هذه الصور التي لم يوافق على نشرها().
وقد يقرر القضاء في هذه الحالة ضرورة إجراء تعديل على الصورة بحيث يصبح الشخص الظاهر فيها غير معروف ولا يكتف القضاء بمجرد إخفاء الأعين، وذلك بوضع شريط أسود عليها وإنما يجب ألا تحتفظ الصورة بالتناسق العام والتفاصيل الدقيقة التي استمدت من الشخص.
ويرى البعض() أنه يمكن للقضاء الإسهام في حماية المعطيات الشخصية عبر استبعاد الأدلة المتحصل عليها نتيجة المساس بهذا الحق إذ أن هناك عدد لا يستهان به من حالات المساس بالمعطيات الشخصية يكون الهدف منها الحصول على دليل يقدم أمام القضاء للإثبات فإذا ما تم استبعاد هذا الدليل اقتنع الأفراد بعدم جدوى ذلك النوع من الاعتداء مما يحملهم على الانصراف عنه ومن تم القضاء على عدد كبير من حالات المساس بهذا الحق.
وبالنسبة للموقف القانوني من الإجراءات الوقتية فإن المشرع الفرنسي قد نصّ على هذه الإجراءات، ففي إطار القانون المدني نجده ينص صراحة على سلطة القاضي في اتخاذ الإجراءات الوقتية الوقائية الضرورية لمنع الاعتداء على الحياة الخاصة ومن ضمنها الحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية(). ونص قانون المرافعات الفرنسي على إمكانية أن يطلب الشخص من القضاء المستعجل اتخاذ الإجراءات الوقتية الكفيلة بمنع الاعتداء على الصورة كحق من الحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية().
والمشرع المصري هو الآخر قد جاء بنص عام في القانون المدني يسمح باتخاذ الإجراءات الوقتية التي تكفل حماية الحقوق الشخصية ومن ضمنها الحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية().
أما بالنسبة للقانون المغربي فإنه لم ينص على إمكانية الأمر بإجراءات وقتية لمنع الاعتداء في إطار قانون 08-09، لكن في إطار قانون المسطرة المدنية نجد نصا يجيز للقضاء إمكانية الأمر بإجراءات وقتية لمنع الاعتداء في إطار المساطر الخاصة بالاستعجال().
الضرر المادي:
الضرر الذي يصيب الشخص من جراء الاعتداء على حقه في بياناته لا يكون فقط ضررا معنويا وإنما يشمل ذلك الضرر المادي المتمثل في إلحاق خسارة مادية أو تفويت كسب فإذا ما استخدمت صورة الشخص من دون موافقته في الدعاية التجارية فإن هذا العمل يولد له ضررا ماديا يتمثل في تفويت فرصة() الكسب التي كانت ستعود عليه لو أنه تعاقد على الظهور في الدعاية التجارية بشرط الحصول على مقابل مادي، إذ أن قبول إحدى الفنانات نشر صورتها مجانا من أجل الدعاية لها لا يجوز معه استعمال هذه الصورة لأغراض الدعاية التجارية إذ تستحق بموجبه الفنانة التعويض عن فوات فرصتها بالكسب فيما لو أنها كانت تعلم أن صورتها سوف تستخدم في الدعاية التجارية.
وإذا أثبت المعني بالأمر وجود خطأ في جانب المسؤول عن المعالجة والضرر الحاصل له فإنه عليه أخيرا إثبات العلاقة السببية بينهما.

· العلاقة السببية:
تبرز القواعد العامة في المسؤولية المدنية على أنه لا يكفي توفر الخطأ والضرر إذ لابد أن تكون هناك علاقة سببية بين الخطأ والضرر، ويمكن للمدعى عليه أن ينفي الرابطة السببية بجميع طرق الإثبات، كأن يثبت مثلا أن الضرر قد وقع بسبب آخر غير فعله أي أن السبب الأجنبي هو الذي جعل وقوع الضرر حتميا وأن السبب هو سبب أجنبي بعيد عن المدعى عليه ولا علاقة له به تماما.
مثال على ذلك أن تحرق السجلات التي تخزن فيها المعطيات نتيجة سبب أجنبي خارج عن إرادة المعالج مما يُسَبِّبُ تلفها أو ضياعها.
بذلك فالعلاقة السببية تعتبر الركن الثالث من أركان المسؤولية وهي تتمثل في ضرورة ترتب الضرر عن الخطأ، ومعناها ضرورة وجود علاقة مباشرة بين الخطأ و الضرر الذي أصاب المعتدى على معطياته طبقا للقواعد الواردة في قانون الالتزامات والعقود().
لكن ما تنبغي الإشارة إليه أن بعض التشريعات كالقانون المدني المصري في المادة 50 والمادة 47 من القانون المدني الجزائري تعطيان لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب إلى جانب وقف الاعتداء الحصول على تعويض عما قد يكون قد لحقه من ضرر وبالتالي ليس هناك من جديد في مجال العلاقة السببية بين الخطأ والضرر. بحيث أنه إذا أثبتت العلاقة بين الخطأ الماس بالحق في المعطيات الخاصة والضرر الناجم عنه، فإنه لا مجال من جبر الضرر الناتج().
في إطار التشريع المغربي طالما توصل المعتدى على معطياته إلى تحديد المسؤول عن الضرر الحاصل له وإثبات ضرره والعلاقة السببية بين خطأ المسؤول والضرر فإنه يحق له طلب التعويض على أساس المسؤولية التقصيرية الوقائية لحماية حقه.
الآثار القانونية للمسؤولية المدنية:
يترتب على توافر أركان المسؤولية التزام المسؤول عن الضرر بتعويض المتضرر عما لحقه من ضرر، وتقدير التعويض بشقيه المادي والمعنوي يخضع لعدة ضوابط منها ان التعويض هو جبر للضرر اللاحق بالمضرور وهو يشمل ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب، كما أن التعويض يقدر بالنسبة إلى الضرر الفعلي اللاحق بالمضرور، إضافة إلى كون التعويض يشمل الضرر المادي والمعنوي، وقد نص المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود في المواد 98، 99، 100، 264 على بعض الأحكام الواجبة التطبيق للتعويض عن الضرر ماديا ومعنويا().
أولا: أنواع التعويض عن الضرر الحاصل للمعتدى على معطياته الشخصية
إذا توافرت شروط المسؤولية وتحقق شروط الحكم بالتعويض فإن أمام القاضي قبل أن يصدر الحكم أكثر من طريق للتعويض، فقد يطلب الشخص المعني بالمعالجة المتضرر من القاضي أن يأذن بمسح المعطيات المتعلقة به والتعويض في هذه الصورة يكون عينيا ولا يمكن الحكم بذلك التعويض إلا إذا حصل الضرر نتيجة نشر المعطيات وإحالتها إلى الغير.
كما يمكن أن يكون التعويض نقديا أي الحكم بمبلغ مالي يقدره القاضي بحسب الضرر الحاصل له. لذا فإننا سنعالج أنواع التعويض في نقطتين؛ نخصص الأولى للتعويض العيني، والثانية للتعويض بمقابل.
أ-التعويض العيني
التعويض العيني هو الحكم بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل أن يرتكب المسؤول الخطأ الذي أدى إلى وقوع الضرر، وهو بهذا المعنى يعد أفضل من التعويض النقدي ذلك أنه يؤدي إلى محو الضرر، وإزالته بدلا من بقاء الضرر على حاله وإعطاء المتضرر مبلغا من المال عوضا عنه كما هي الحال في التعويض النقدي، وبعبارة أخرى يحقق للمضرور ترضيه من جنس ما أصابه من ضرر بطريقة مباشرة أي من غير الحكم له بمبلغ من النقود بهدف إزالة الضرر عينا وإزالة المخالفة().
وفي مجال الحق في المعطيات الشخصية فالتعويض يكون عينيا في الحالة التي يطلب الشخص المعني بالمعالجة المتضرر من القاضي أن يأذن بمسح المعطيات المتعلقة به، إلا أنه لا يمكن الحكم بذلك التعويض إلا إذا حصل الضرر نتيجة نشر المعطيات وإحالتها إلى الغير، ويدخل ضمن التعويض العيني غلق موقع الأنترنيت الذي يقوم بعرض المعطيات الخاصة بالشخص أو منع عرض البرنامج الذي تعرض فيه() كما الحال بالنسبة لملفات المستشفيات، حيث تقوم المصالح الطبية بتكوين ملفات طبية تضم مجموعة من المعطيات على المريض مثل اسمه، وجنسه، وتاريخ ومكان ازدياده، وبعض المعلومات الطبية المتعلقة به وتكتسب مختلف هذه المعطيات طابعها الشخصي انطلاقا من حرص الأشخاص المعنيين على عدم إفشائها ونشرها وإحالتها على الغير، ومن تم فإن علم الغير بهذه المعلومات من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي وخطير في الوقت ذاته على الحياة الخاصة للأشخاص().
ب – التعويض بمقابل
قد يتعذر الحكم بالتنفيذ العيني وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ومن ثم يكون جبر الضرر عن طريق التنفيذ بمقابل، أو ما يسمى بالتعويض النقدي الذي يمتاز بالمرونة والبساطة، حيث يمكن اللجوء إليه أيا كانت طبيعة الأضرار الحاصلة سواء مست هذه الأخيرة، وبمجرد مصلحة مشروعة للمصاب سواء كان الضرر حالا أو مستقبلا.
والتعويض يجب أن يكون متعادلا مع حجم الضرر الحاصل ويجوز للمحكمة أن تستعين بخبرة لتحديد مدى حجم الضرر، وبالتالي فالمقصود بالتعويض النقدي هو ذلك التعويض الذي يقدر بمبلغ من المال كمقابل للضرر الذي أصاب المتضرر، ويلجأ إليه القاضي عندما يتعذر إصلاح الضرر الناجم عن الاعتداء على المعطيات الشخصية عن طريق التعويض العيني.
والتعويض النقدي يقدره القاضي بحسب الضرر الحاصل له، وفي هذا نسير إلى أحكام الفقرة 14 من توصيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تضمنت التنصيص على مبدأ مسؤولية صاحب الفيشات والبطاقات على احترام الآليات التي تضمن تكريس مبادئ الحماية الواردة بها.
وبالعودة لمقتضيات اتفاقية المجلس الأوروبي عدد 108 نصت بفصلها العاشر على تعهد كل دولة بوضع إجراءات مدنية وعقوبات ملائمة تهدف إلى ردع الاعتداءات والمخالفات لأحكام تشريعها الداخلي الذي يكرس الحماية للمعطيات الشخصية المنصوص عليها بالاتفاقية المذكورة أيضا من خلال التوصية الأوربية 95.46 فقد نص الفصل 23 منها أنه “يجب على الدول الأعضاء أن تنص على أنه لكل شخص تضرر بفعل المعالجة غير المشروعة ومن عمل مخالف لأحكام تشريعاتها الوطنية المنصوص عليها تطبيقا لأحكام التوصية الحق في الحصول على تعويض لضرره الذي تسبب فيه المسؤول إذا ثبت عدم نسبة الخطأ الناجم عنه ضرر إليه”().
وفي إطار رفقة القضاء المقارن طرح القضاء التونسي مسألة الأساس القانوني للتعويض وإمكانية الحكم بالتعويض بمجرد المساس بالحياة الخاصة والمعطيات الشخصية دون الرجوع إلى الأحكام العامة للمسؤولية المدنية التي تفترض قيام الخطأ وثبوت الضرر وثبوت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر وكان هذا بمناسبة قضية نظرت فيها محكمة الاستئناف بتونس().
من خلال هذا القرار الاستئنافي حاولت المحكمة صياغة المبدأ المؤسس عليها وموقفها ثم بعد ذلك بنت أوجه مخالفته من قبل الشركة وقضت بالتالي بالتعويض، دون أن تشير إلى السند التشريعي المؤسس عليها حكمها، باعتبار أن قانون 27 يوليوز 2004 المؤطر لحماية المعطيات الشخصية لم يحدد أساسا خاصا بالمسؤولية المدنية للمسؤول على المعالجة والمناولة نتيجة الاعتداء على المعطيات الشخصية، وهذا ما سار في ركبه المشرع المغربي من خلال القانون 09.08 حيث لم يحدد هو الآخر أساس للمسؤولية المدنية، وأنها تخضع للنظرية العامة الواردة في ق.ل.ع وباعتبارنا في إطار معالجة المعطيات الشخصية فإن ذلك يفترض وجود خطأ في المعالجة التي تتم دون احترام مبادئ المعالجة كمبدأ إخبار وإعلام الشخص المعني بالمعالجة أو دون موافقته المسبقة أو لغايات غير مشروعة، وبعبارة أخرى فإن خطأ المسؤول عن المعالجة يتمثل في الإخلال بالتزام قانوني يتعلق باحترام مبادئ حماية المعطيات الشخصية باعتبار هو المسؤول عن ضمان سلامة المعطيات الشخصية بما يجعل أمر المسؤولية المتوفرة والموجبة للتعويض وفقا لقانون الالتزامات والعقود.
يمكن في هذا الصدد الإشارة إلى ما قررته محكمة النقض المصرية بخصوص موقف فقه القضاء المقارن في الحكم المطعون فيه عدد 1610 الصادر بمجلة 7 أبريل 1988 عن الدائرة المدنية إذ جاء فيه أن نص في المادة 45 من الدستور على أن حياة المواطنين الخاصة حرمته يحميها القانون وفي المادة 50 من ق.م المصري على أن لكل من وقع ضحية اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته ان يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر” حسب الشروط العامة للمسؤولية المدنية().
وبهذا فلا يوجد هناك ما يمنع القضاء من أن يحكم بتعويض نقدي للمتضرر من جراء نشر معطياته من دون الحصول على موافقته، فمن استخدمت صورته في الدعاية التجارية يستطيع أن يطالب بتعويض نقدي جراء هذا الاستعمال غير المشروع لصورته.
ويجب أن يكون التعويض الذي يحكم به القضاء متزامنا مع الضرر الحاصل فلا يجوز أن ينقص عنه ولا على أن يزيد على مقدار الضرر لأن الهدف من التعويض هو جبر الضرر فإذا ما نقص الضرر فإن مقدار التعويض يجب أن ينقص فإذا كان التقدير زائدا فإن هذا سوف يثري المضرور على حساب المسؤول() وفي التعويض عن الضرر المادي يجب الأخذ بنظر الاعتبار عنصرين عند تقدير التعويض هما: الخسارة المالية اللاحقة، والكسب الفائت، فهما العنصران اللذان يجب التعويض عنهما سواء في إطار المسؤولية العقدية أو التقصيرية().
ثانيا: تقادم دعوى المسؤولية المدنية
للتقادم أهمية بالغة في العمل القانوني لأنه يقوم على أساس اعتبارات تتصل بالصالح العام للمجتمع، فضلا عن المصالح الخاصة التي يحميها هذا النظام، ولهذا فهو يعد مؤسسة لا غنى عنها في عدة مجالات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، بحيث لولا التقادم لا اضطرت المحاكم إلى سماع القضايا التي مر عليها زمن طويل مع ما يخالف ذلك من اضطرابات وتشويش على العدالة بسبب فقدان الأدلة مع مرور الوقت تم إن نظام التقادم يعمل على ضمان استقرار المعاملات والأحوال وبالتالي فهو يقوم على فكرة وجوب احترام الأوضاع المستقرة التي مر عليها فترة من الزمن ولهذا فإن أغلب التشريعات أجازته في جميع المعاملات سواء كانت مدنية أو تجارية.
وفيما يخص القانون المتعلق بالحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية فإنه لم يشر إلى تقادم دعوى المسؤولية المدنية في نصوصه ولهذا لا مناص من الرجوع إلى القواعد العامة التي تحكم التقادم وخاصة الفصل 106 م ق.ل.ع.
“إن دعوى التعويض من جراء جريمة أو نية جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عليه، وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر”.
وفي هذا الصدد جاء في إحدى قرارات محكمة الاستئناف بالدار البيضاء أنه:
“حيث أنه كما كانت القرصنة من الأعمال الغير مشروعة، فإن التقادم بشأنها يخضع لمقتضيات الفصل 106 من ق.ل.ع”().
الفقرة الثانية: الإجراءات الوقتية والتحفظية
تمثل الإجراءات الوقتية والتحفظية الوسائل الوقائية لحماية الحق في المعطيات الشخصية التي يتم اللجوء إليها لمنع حدوث اعتداء على حق من الحقوق الخاصة بقانون 09.08 وهذه الإجراءات تعد من أفضل الوسائل لحماية هذا الحق، فالوقاية خير من العلاج فضلا عن أن هذه الإجراءات تمثل حماية حقيقية لهذه الحقوق فبمجرد المساس بهذه الحقوق ينحصر أثر الحماية الوقائية، ويطهر دور الوسائل العلاجية وفيها نجد أن التعويض لا يستطيع محو أثر الاعتداء بالكامل وإنما يخفف منه في حين يفوقه بكثير وقف الاعتداء لتوفير الحماية لهذه الحقوق().
ويلاحظ أن عبارة منع الاعتداء من الاتساع بحيث تشمل منع الاعتداء قبل أن يحصل وتشمل كذلك وقف الاعتداء الذي بدء ولم يكتمل بعد أن يستطيع الشخص أن يطلب وقف الاعتداء، كي لا يتفاقم فضلا عن فعالية هذا الإجراء في توفير الحماية شأنه شأن منع الاعتداء().
فمنع الاعتداء هو إجراء وقتي وقائي يهدف إلى منع الآخرين من الاعتداء على حق الانسان في معطياته الشخصية عن طريق نشرها أو محوها ويخول الشخص سلطة منع الآخرين من ذلك من دون موافقته ويتلافى الانتظار إلى حين وقوع الاعتداء لغرض المباشرة بالإجراءات الكفيلة بمكافحته ولا يتطلب وقوع ضرر معين للمطالبة بمنع الاعتداء ووقفه إذ بالإمكان طلب وقف الاعتداء ومنعه حتى لو لم يكن هناك ضرر فعلي واقع فيكفي أن يكون هناك ضرر محدق أو وشيك الوقوع يبرر طلب حماية حق من الحقوق الخاصة بالقانون 09.08 عن طريق منع الاعتداء أو وقفه().
وبشأن اللجوء إلى القضاء المستعجل() لغرض طلب منع الاعتداء أو وقفه عن طريق وقف نشر المعطيات الشخصية أو وقف تداولها أو حذف بعض المعطيات أو إدخال تعديلات عليها أو باللجوء إلى التدابير التحفظية ولعل هذا ما تبرزه من خلال نقطتين هامتين.
أولا: وقف نشر المعطيات ووقف تداولها
يقصد بهذا الإجراء منع أي فعل من شأنه إيصال الحقوق الخاصة إلى تساؤل الجمهور() وتبدو أهمية وقف نشر المعطيات أو وقف تداولها في الحالات التي يكون فيها الاعتداء على الحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية قد تم عن طريق النشر بصفة عامة، وخطر التداول يعد بمثابة الإجراء الذي يمنع من نشوء الداء أما وقف التداول بعد النشر فإنه يعد استعمال الداء من جذوره، وهذا الإجراء إذا كان أداة حاسمة في منع الاعتداء على الحق في المعطيات الشخصية إلا أنه يتعارض مع حق آخر وهو الحق في الإعلام، وفي مجال تطبيق هذا الجزاء تثور بشدة أهمية الموازنة والمفاضلة بين الحق في المعطيات الشخصية والحق في الإعلام وهذا الحق يمس مباشرة حرية الصحافة إذا كان النشر قد تم عن طريق إحدى الصحف() وعليه نجد أن المشرع الفرنسي لبس نداء محكمة النقض المتعلق بضرورة التنسيق بين القواعد التي تحكم حرية الصحافة وتلك التي تحمي الحق في الحياة الخاصة وهذا جاء في الفقرة الثانية من المادة 9 ما يلي: “أن للقضاة أن يتخذوا كافة الوسائل مثل: الحراسة، الحجر، وغيرها من الإجراءات لمنع أو لوقف أي مساس بألفة الحياة الخاصة، ويستطيع أن يأمر قاضي الاستعجال بهذه الإجراءات متى توافر شرط الاستعجال وذلك دون المساس بحق الشخص في تعويض ما يصيبه من ضرر.
يمكن القول صياغة أن نص المادة التاسعة جاءت واضحة فيما يخص اتخاذ الإجراءات الاستعجالية اللازمة لمنع الاعتداء أو وقفه فالعبرة بالاعتداء وليس بالضرر، كما أنه وبصدور المادة 809 من قانون المرافعات الفرنسي لسنة 1976 تعززت وتأكدت هذه الإجراءات الاستعجالية كحماية للحق في الحياة الشخصية وبالتالي للمعطيات الشخصية لحق من الحياة الخاصة، بحيث أنه تقرر أنه يجوز لقاضي الاستعجال أن يأمرنا باتخاذ الاجراءات التحفظية أو القيام بإعادة الحالة كما كانت عليها سواء كان ذلك لأجل تفادي حدوث ضرر وشيك أو وقف متاعب واضحة في عدم مشروعيتها().
ويمكن القول أن على قاضي الأمور المستعجلة أن يتأكد من توافر حالة الاستعجال، ولهذا فإن القضاء الفرنسي يرفض الأمر بوقف التداول إذا ثبت أن المدعى قد سبق له أن تسامح فيما سبق نشره عن خصوصيات حياته، بحيث أن حالة الاستعجال لا تتوفر في حالة التسامح الطويل على النشر السابق، فالحكم بالتعويض يكفي في هذه الحالة().
القانون المدني المصري في المادة 50 يظهر لنا جليا أن يسمح بهذا الإجراء في حالة المساس بالحق في المعطيات الشخصية ضمن حرمة الحياة الخاصة وفي هذا الصدد تقرر المادة أنه لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض لما يكون قد لحقه من ضرر(). خاصة وأن المشرع المصري قد سمح بوقف النشر والحجز في حالة الاعتداء على أمر من الأمور التي تدخل في نطاق الحياة الخاصة.
كما نجد أنه بالرجوع إلى القانون المدني يتضح لنا أن المشرع المغربي قد سمح بوقف الاعتداء مع أن مصطلح الاعتداء لا يجب أن يُفهم منه بالضرورة أن يكون الاعتداء قد بدأ ذلك أن عبارة “وقف” فحسب، يقصد بها كذلك وقف الاعتداء حتى قبل أن يبدأ أي منعه من الحدوث.

ثانيا: حذف بعض المعطيات أو إدخال تعديلات عليها
ويعد هذا الإجراء من الإجراءات الوقتية الوقائية وهو يعني حذف إجراء من المعطيات المعترض على نشرها أو إدخال التعديلات عليها بحيث لا تشكل اعتداء على صاحب الحق، وقد ثار السؤال حول مدى سلطة قاضي الأمور المستعجلة في الأمر بحذف بعض المعطيات أو التعديل فيها بصورة لا تمس أصل الحق وهذا يتعارض مع طبيعة القضاء المستعجل لأن الحذف أو التعديل لن يترك شيئا لقاضي الموضوع فنقطة النزاع هي احتواء المطبوع على ما يمس حقوق الشخص والأمر بحذف هذا المساس هو فصل في الموضوع، وتثور هذه المسألة بشكل أكبر عندما يكون الأمر بإدخال التعديلات يشمل أغلب الموضوع().
ويُرد على هذه الحجة بأنه إذا كان القاضي يملك حصر نشر المعطيات أو تداوها حتى ولو كانت صحف أو مجلات يومية أو دورية التي يجب أن تصدر في موعد محدد ولا يجب السماح بنشرها بعد الموعد المحدد لصدورها فإنه يملك من باب أولى حذف بعض المعطيات لأن من يملك الكل يملك الجزء().
كما يذهب البعض() إلى إمكانية حسم النزاع بالقرار المستعجل إذا ترتب على صدوره جعل الخصوم في وضع يكون فيه الاستمرار في الخصومة أمام القضاء العادي غير منتج وينطبق هذا على مسألة الحذف أو التعديل التي تجري على المعطيات.
قد يحدث عملا أن يعرض المدعي القيام بالحذف أو التعديل لتفادي الحكم عليه لمنع التداول أو ضبط الملفات الخاصة بالمعطيات أو وضعها تحت الحراسة أو الحجز عليها().
وتتعدد وسائل القيام بهذا الإجراء فقد يكون بالحذف مثلا حذف صورة شخص ما من إحدى الإعلانات أو بتغطية الصورة الموضوعة في إحدى الإعلانات بنوع من الورق يخفيها ويمنع رؤية المارة لها().
ومن تطبيقات هذا الإجراء كذلك حذف بعض الصور المنشورة المتعلقة بعمليات التجميل “قبل وبعد” فإذا اتفق شخص مع الطبيب على نشر مجموعة من الصور الخاصة به وكان قد حدّد هذه الصور بالذات ولكنه قام بنشر هذه الصورة وصور أخرى للشخص لم يتفق على نشرها، فهنا يجوز للشخص أن يطلب حذف هذه الصور التي لم يوافق على نشرها().
وقد يقرر القضاء في هذه الحالة ضرورة إجراء تعديل على الصورة بحيث يصبح الشخص الظاهر فيها غير معروف ولا يكتف القضاء بمجرد إخفاء الأعين، وذلك بوضع شريط أسود عليها وإنما يجب ألا تحتفظ الصورة بالتناسق العام والتفاصيل الدقيقة التي استمدت من الشخص.
ويرى البعض() أنه يمكن للقضاء الإسهام في حماية المعطيات الشخصية عبر استبعاد الأدلة المتحصل عليها نتيجة المساس بهذا الحق إذ أن هناك عدد لا يستهان به من حالات المساس بالمعطيات الشخصية يكون الهدف منها الحصول على دليل يقدم أمام القضاء للإثبات فإذا ما تم استبعاد هذا الدليل اقتنع الأفراد بعدم جدوى ذلك النوع من الاعتداء مما يحملهم على الانصراف عنه ومن تم القضاء على عدد كبير من حالات المساس بهذا الحق.
وبالنسبة للموقف القانوني من الإجراءات الوقتية فإن المشرع الفرنسي قد نصّ على هذه الإجراءات، ففي إطار القانون المدني نجده ينص صراحة على سلطة القاضي في اتخاذ الإجراءات الوقتية الوقائية الضرورية لمنع الاعتداء على الحياة الخاصة ومن ضمنها الحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية(). ونص قانون المرافعات الفرنسي على إمكانية أن يطلب الشخص من القضاء المستعجل اتخاذ الإجراءات الوقتية الكفيلة بمنع الاعتداء على الصورة كحق من الحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية().
والمشرع المصري هو الآخر قد جاء بنص عام في القانون المدني يسمح باتخاذ الإجراءات الوقتية التي تكفل حماية الحقوق الشخصية ومن ضمنها الحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية().
أما بالنسبة للقانون المغربي فإنه لم ينص على إمكانية الأمر بإجراءات وقتية لمنع الاعتداء في إطار قانون 08-09، لكن في إطار قانون المسطرة المدنية نجد نصا يجيز للقضاء إمكانية الأمر بإجراءات وقتية لمنع الاعتداء في إطار المساطر الخاصة بالاستعجال .

ملحوضة : هذا البحث فهو من ثلاثة اجزاء.
قراءة ممتعة نتمناها لكم..

مشاركة