الرئيسية أخبار القضاء النص الجنائي في زمن الكورونا بين نص الأزمة وأزمة النص

النص الجنائي في زمن الكورونا بين نص الأزمة وأزمة النص

IMG 20200322 WA0221.jpg
كتبه كتب في 22 مارس، 2020 - 6:47 مساءً


بدأت بلادنا تجتاحها ريح جائحة فيروس الكورونا كعدد من دول العالم – ونسأل الله تعالى أن يغيثنا فهو المغيث.

ولقد صاحب بداية انتشار هذا الفيروس اعتماد مجموعة من التدابير والاحتياطات التي اتخذتها السلطات العمومية قصد التصدي لهذا الوباء، كما اتخذت مجموعة من الاحتياطات قصد التصدي ومحاولة حصر رقعة هذا الوباء في أشد الحدود ضيقا حفظا للصحة العامة لمجموع المواطنين ولكل المتواجدين فوق أراضي المملكة، إلا أنه هناك من الأشخاص إما عن جهل أو استهانة أو عن جشع وطمع يستغل هذه الظرفية أبشع استغلال ، بغية تحقيق مكاسب أو تحقيق أرباح مالية بغض النظر عن طيش تصرفه و ما يمكن أن يترتب عنه من انتشار لهذا الفيروس.
وحيث إن القانون الجنائي يعتبر خط وقاية وخط زجر، تتجلى روح الوقاية فيه بكونه يتوعد كل من خالف نصوصه، ومن لم ينته بنواهيه ومن لم يأتمر بأوامره، بعقوبات ينفرد بها القانون الجنائي عن غيره من القوانين إذ قد يصيب المخالف في ماله على شكل غرامات أو في حريته عن طريق اعتقال أو حبس أو سجن محدد أو مؤبد أو يصيبه في حياته عن طريق الإعدام. وهكذا فإذا فشلت خطة الوقاية ولم يلق لها المخالف بالا دخلت خطة الزجر بإنزال العقاب في حق المخالف لأحكام القانون الجنائي.
ولئن كانت المناسبة شرطا فإن مناسبة هذا المقال هو أنه بالرغم من التدابير المتخذة والمأمور بها من طرف السلطات الصحية والعمومية والادارية تطالعنا وسائل الإعلام وبعض البلاغات بعدم امتثال البعض لمضمون وفحوى تلك القرارات المتخذة كاستمرار شخص يمتلك مقهى او قاعة للحفلات في نشاطه غير عابئ بما يمكن أن يترتب عن نشاطه، أو خروج جماعات في مظاهرات مهللين بالدعاء في خرق صارخ وجهل مقيت بأبسط قواعد السلامة الصحية وجهل مركب بشريعتنا الغراء وقيامها على حفظ الكليات الخمس ومن بينها حفظ النفس، هنا يجب أن يتدخل القانون الجنائي حفظا لسلامة الأرواح ولسلامة المواطنين وحفظا للصحة العامة.
وغير خاف أن مختلف فروع القانون ما أوجدت إلا لتنظيم وضبط المجتمع والحفاظ على استقراره وكلما كانت المصالح المراد حمايتها مصالح حيوية ولا محيد للمجتمع عنها إلا وتم التشفع بالقانون الجنائي واتخاذه شفيعا حماية لتلك المصلحة حتى يتم تأمين الحماية لتلك المصلحة أو المصالح.
ولما كان رجال القوة العمومية -وهم مشكورون ونحني لهم إجلالا -بمختلف تلاوينهم سواء تعلق الأمر بنساء ورجال القوات المسلحة الملكية وعناصر الامن الوطني أو الدرك الملكي أو القوات المساعدة أو رجال ونساء السلطة المحلية – هم المعول عليهم قصد حماية المواطنين من انتشار جائحة فيروس كورونا فإنه قبل تزويدهم بالوسائل اللوجيستيكية أو الموارد البشرية للقيام بمهامهم على أتم وجه فإنه قبل كل هذا يتعين تزويدهم بالنص القانون الذي من شأنه جعل عملهم يتسم بفعالية ويحقق النتائج المتوخاة ويؤمن لهم الحماية الفعلية والقانونية دون تعسف أو شطط.
ولعل من بين أسباب كتابة هذا المقال ما نطالعه في بعض النقاشات من طرف بعض القانونيين في الفضاء الأزرق وفي بعض البلاغات حول التكييف القانوني الممكن اعتماده و الممكن اتخاذه لمتابعة المخالفين فتعددت الآراء بين قائل بجريمة عرقلة أشغال أمرت بها السلطة طبقا للفصل 308 من مجموعة القانون الجنائي، وقائل آخر باعتماد المرسوم الملكي 554.65 المؤرخ في 26 يونيو 1967 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 2853 بتاريخ 5 يوليوز 1967 و قائل آخر باعتماد الفصل 609 من القانون الجنائي خاصة البند 11.
وسنحاول التعرف على كل ذلك من خلال تقفي أثر صور مخالفة الشخص للتدابير المفروضة بمقتضى حالة الطوارئ الصحية ومدى انطباق النصوص سالفة الذكر على مخالفة تلك التدابير.

أولا : الجريمة المنصوص عليها في الفصل 308 .
ينص الفصل 308 من القانون الجنائي على أنه:
” كل من قاوم تنفيذ أشغال أمرت بها السلطة العامة أو صرحت بها يعاقب بالحبس ….
أما الأشخاص الذين يعترضون على تنفيذ هذه الاشغال بواسطة التجمهر أو التهديد أو العنف فإنهم يعاقبون ….”
فلنفترض الصور الآتية :
مالك مقهى رفض إغلاق تلك المقهى أو مواطن خرج لغير حاجة ومن غير توفره على الرخصة الاستثنائية للتنقل فهل هذه الصورة تندرج تحت تعريف وتحديد الجريمة المنصوص عليها في الفصل المذكور ؟
إن الفصل قيد الدراسة يتطلب في ركنه المادي :
1 مقاومة : و المقاومة هي شكل من أشكال الفعل و ليس الامتناع – ذلك أن الجريمة قد تكون فعلا وقد تكون امتناعا – أي أن الجاني في هذه الجريمة يتخذ موقفا إيجابيا يأتي فعلا ولا يتخذ موقفا سلبيا أي امتناعا.

2 أشغال مأمور بها أو مصرح بها من طرف السلطة : إن السلطات العمومية و الإدارية في واقعة الطوارئ الصحية و بناء على التدابير المتخذة من قبلها و القاضية بإغلاق المحلات وبضرورة التوفر على رخصة اسثنائية للتنقل هي ليست بأشغال مأمور بها أو مصرح بها من قبل تلك السلطات و نضرب مثلا للأشغال تمرير طريق معينة في عقار معين و هنا تقع المقاومة بينما عدم إتيان المأمور به في إطار تدابير حالة الطوارئ ليس شغلا من الأشغال و أن القول بأنه كذلك فإنه تمطيط للنص الجنائي و توسع في تفسيره وهو محظور في المادة الجنائية .
و لئن كانت الفقرة الثانية من الفصل قيد الدراسة تندرج تحت لوائها الجريمة في صورة سلبية حينما يتحدث المشرع عن الامتناع في صورة الاعتراض – الأشخاص الذين يعترضون – فإن حتى هذه الصورة لا تنطبق على حالة عدم إغلاق مقهى أو عدم التوفر على رخصة استثنائية للتنقل ذلك أن المشرع في الفقرة موضوع التحليل لم يجرم الاعتراض المجرد بل اشترط ان يكون الاعتراض بواسطة التجمهر أو التهديد أوالعنف وبالتالي وفي غياب التجمهر أو التهديد أو العنف فإن الاعتراض المجرد يبقى مباحا.
و بالتالي نخلص أن الفصل 308 من القانون الجنائي لا تنطبق أركانه و لا يقوم بنيانه.
ثانيا : المرسوم الملكي 554.65 المؤرخ في 26 يونيو 1967
عنوان المرسوم الملكي كما صدر في الجريدة الرسمية عدد 2853 المؤرخة في 5 يوليوز 1967 هو مرسوم ملكي بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض، وهو مرسوم يتضمن 8 فصول .
و تضمن الفصل الأول من المرسوم إلزاما لأصحاب المهن الطبية بضرورة التصريح الفوري إلى السلطة الإدارية المحلية و السلطة الطبية للعمالة او الإقليم بكل حالة من حالات الأمراض الجاري عليها الحجر الصحي و الأمراض ذات الصبغة الاجتماعية والأمراض المعدية أو الوبائية المحددة بقرار لوزير الصحة .
و تضمنت الفقرة الثانية من ذات الفصل إلزاما لأصحاب المهن شبه الطبية بمجرد الارتياب في حالة مرضية من الأمراض المذكورة التصريح الفوري بها إلى السلطة الطبية للعمالة أو الإقليم التي تعمل على التأكد بواسطة احد الأطباء .
ونص الفصل 2 من ذات المرسوم على تحديد كيفية التصريح و آجاله تبعا لقرار وزير الصحة .
و نص الفصل 3 من ذات المرسوم على وجوب تطهير المكان المسكون من قبل المصاب و الآثاث المستعمل من قبله من طرف السلطة الطبية للعمالة .
وأعطى الفصل 4 منه للطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم إدخال كل شخص للمستشفى بعد تقدير درجة خطورة الحالة و استعجالها أو قابلية المرض للنشر.
وبالرجوع إلى الفصل 5 تحدث على وجوب تقديم السلطة المحلية المساعدة إلى السلطة الطبية قصد تنفيذ المرسوم.
أما المخالفات فقد وقع التنصيص عليها في الفصل 6 من الرسوم وجاء فيه ” يعاقب عن المخالفات لمقتضيات هذا المرسوم الملكي و النصوص الصادرة لتطبيقه بالسجن لمدة تتراوح بين 6 أيام وشهرين …
و بالتالي فهذا المرسوم لا ينطبق على حالة مخالفة التدابير – المأمور بها تبعا لإعلان حالة الطوارئ الصحية – من قبل مواطن بل إن الجرائم المنصوص عليها في المرسوم الملكي هي من جرائم ذوي الصفة أي أنها لا تقوم إلا حيال أشخاص لهم صفة وهو أصحاب المهن الطبية وشبه الطبية ، ثم الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم ثم السلطة المحلية .
ثالثا : الفصل 609 من القانون الجنائي البند 11
بالرجوع إلى ذات الفصل فقد وقع التنصيص على ما يلي :
” يعاقب بغرامة من 10 إلى 120 درهما من ارتكب إحدى المخالفات الآتية :
….
11 – من خالف مرسوما أو قرار صدر من السلطة الإدارية بصورة قانونية، إذا كان هذا المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة لمن يخالف احكامه.
… ”
إن إعلان حالة الطوارئ الصحية وما واكبها من تدابير هو قرار إداري يشتمل على كافة مقومات القرار الإداري وبالتالي فإن مخالفة التدابير المتخذة والمأمور بها تبعا لحالة الطوارئ المعلنة يشكل جريمة من درجة مخالفة لا غير معاقب عليها بالغرامة لا غير.
رابعا: آثار اعتبار مخالفة التدابير المأمور بها مجرد مخالفة.
إن آثار اعتبار مخالفة التدابير المأمور بها تبعا لحالة الطوارئ مجرد مخالفة نلخصها بالقول إننا نلقي بقواتنا العمومية في اليم مكتوفة الأيدي ونقول لهم إياكم والغرق.
لما كان الأمر يتعلق بمجرد مخالفة كما سبق الذكر فإن للأمر آثار وخيمة ونغامر تبعا لها بمستقبل نساء ورجال عناصر قواتنا العمومية وقد تدفع عدم فاعلية النصوص القانونية وبحسن نية من طرف البعض منهم إلى نوع من التشدد الذي للأسف قد لا يطاوعه القانون و نكون وضعنا عناصر أمننا ودركنا وسلطتنا المحلية في فوهة المدفع ونطلب منهم مردودية ولم نزودهم حتى بسلاح النص القانوني الذي من شأنه لجم سلوكات المخالفين وإعطاء فعالية وجني ثمار العمل الدؤوب الذي تقوم به مصالح الأمن والقوات العمومية ككل والسلطات المحلية.
وحتى تتضح الصورة أكثر لنفترض أن شخصا لا يتوفر على الرخصة الاستثنائية للتنقل أو أن أشخاصا مجتمعين في زقاق حي ورفضوا الانصياع وفض هذا الجمع ففي اقصى الحالات و طبقا للقانون سيتم إنجاز محضر بذلك وإخلاء سبيلهم في الحال ولا يمكن لعناصر القوة العمومية ولا للنيابة العامة نفسها ان تقرر وضع رهن الحراسة النظرية اشخاص يجتمعون ولا يمتثلون للتدابير المواكبة لإعلان حالة الطوارئ بل يمكنها فقط إنجاز محاضر معاينة واستماع … ثم إخلاء للسبيل أو ليس هذا تشجيعا لأناس آخرين قصد الحذو حذوهم من خلال الاستغلال الماكر لفراغ القانون ؟؟؟؟؟ ذلك أنه طبقا للفصلين 65 و66 من قانون المسطرة الجنائية يمكن وضع الأشخاص تحت الحراسة النظرية وبالرجوع إلى الباب الذي وردت فيه تلك المواد فإنها وردت بباب حالة التلبس بجناية أو جنحة وبالتالي لا ينطبق الأمر على المخالفات، بل إنه حتى في باب البحث التمهيدي نجد المادة 80 تنص على أنه ” إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس وكانت ضرورة البحث التمهيدي تقتضي من ضابط الشرطة القضائية إبقاء شخص رهن إشارته، فله أن يضعه تحت الحراسة النظرية ….”
وهو ما ليس بممكن في المخالفة قيد الدراسة إذ أن أي وضع تحت الحراسة النظرية هو يشكل جناية ممارسة عمل تحكمي طبقا للفصل 225 من مجموعة القانون الجنائي .

خامسا : إذا كنا قد وفقنا في تشخيص الداء و تبيان مواطن الخلل ومكامن الزلل في النص القانوني فماذا عن الدواء ؟؟؟
إن المشرع الدستوري وهو بصدد صياغة دستور 2011 تنبه لظروف يمكن أن تكون استثنائية وتبعا لها قرر بعض المساطر الاستثنائية لتلافي ضرر لا يمكن تلافيه باتباع الطرق العادية في التشريع وبالتالي بات لزاما على الحكومة والبرلمان وبشكل مستعجل وفوري وآني إعمال الفصل 81 من الدستور الذي يعطي الإمكانية للحكومة أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين مراسيم قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان خلال دورته العادية الموالية ولم لا في دورة استثنائية لمواجهة ظرفية استثنائية بتدابير استثنائية كذلك.
إن نحن أيقننا بأن نص الأزمة الممكن الاعتماد عليه مجحف ولن يؤتي أوكله فإننا خرجنا آنذاك من نص الأزمة إلى أزمة النص و لحلحلة أزمة النص وفكها لابد من إعمال مقتضيات الفصل 81 من الدستور وإصدار مرسوم قانون يتمم ويعدل بمقتضاه القانون الجنائي و أقترح تتميم القانون الجنائي في الكتاب الثالث المعنون : في الجرائم المختلفة و عقوباتها وذلك بإضافة الباب الرابع مكرر يكون عنوانه ” في حماية الصحة العامة ” و يتضمن هذا الباب فصلا فريدا وأقترح أن نحذو حذو المجلة الجزائية التونسية في فصلها 312 و يكون النص كالتالي ” يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 1000 درهم إلى 10000 درهم كل من يخالف التحجيرات وتدابير الوقاية والمراقبة المأمور بها أو المعلن عنها حال وجود مرض وبائي أو جائحة .”
وهذه دعوتي إلى الحكومة وإلى البرلمان وهي دعوة تتطلب استجابة سريعة فلئن كان صاحب الجلالة حفظه الله قد اتخذ إجراءات سريعة درءا وصدا للوباء فإن الحكومة والبرلمان مدعوان لمواكبة السرعة المولوية .
كما نوجه الدعوة إلى كل المواطنين قصد مزيد من التفاعل الإيجابي مع ما تتخذه السلطات العمومية من تدابير و كما أبان السواد الأعظم من المغاربة – باستثناء الحالات الشاذة – عن حسن تفهم و عن بصر بصيرة حادين الابتعاد عن كل سلوك من شأنه تعقيد عمل السلطات العمومية او استنزاف طاقاتهم والتنحي عن كل سلوك قد يضر بصحتنا العامة جميعا أو من شأنه احداث اضطراب في النظام العام بمدلولاته الثلاث من سكينة عامة و صحة عامة و أمن عام.
وختاما وعرفانا واعترافا نوجه الشكر للأطر الطبية وأطر التمريض وكذلك الشكر الجزيل لمختلف الساهرين على سلامتنا من موظفي المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني و موظفي المديرية العامة للأمن الوطني و السلطة المحلية والوقاية المدنية والدرك الملكي والقوات المساعدة ، فخورون بكم.
ذ / أشرف منصور جدوي
المحامي بهيئة المحامين بالدارالبيضاء

مشاركة