الرئيسية آراء وأقلام ملف الصحراء بين الأزمة و الإنفراج

ملف الصحراء بين الأزمة و الإنفراج

images 13.jpg
كتبه كتب في 8 نوفمبر، 2017 - 9:09 صباحًا

الحديث عن أزمة الصحراء المغربية في عمقها التاريخي، يحيلنا بالضرورة على العديدة من الأزمات التي مرت بها القضية، فالعديد من المفاهيم والنظريات كانت صعبة الاستيعاب عند مغاربة القرنين 18 و 19 الميلادي، وخاصة في فترة ما سمي “بالصدمة الإمبريالية”، فنحن مازلنا ولحد الآن نضع هذه المفاهيم محطة جدال بين مفكرينا وعلماءنا المعاصرين في زمن العولمة والتكنولوجيا، ولعل المفكر عبد الله العروي إبن مدينة آزمور، وهو يقربنا من العديد من المفاهيم، كمفهوم الإيديولوجيا، مفهوم الدولة، مفهوم الديمقراطية، مفهوم التاريخ…إلخ، كان يسعى إلى دق ناقوس الخطر ليستفيق العرب من سباتهم العميق و يستوعبوا عالما ينمو و يكبر من حولهم يحمل من التحولات المفاهمية والنظريات الفكرية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية ما يعجز العقل على استيعابه.
المغاربة، قبل وإبان الإستعمار الفرنسي، لم تكن لهم رؤية واضحة فيما يخص مفهوم الدولة كرقعة جغرافية لها حدودها و سيادتها و نظامها و مؤسساتها، وفي غياب هذا المفهوم، أجبر المخزن المغربي للتوقيع على معاهدة للامغنية سنة 1845م لرسم الحدود المغربية الجزائرية مع فرنسا ، فكانت بمثابة السم القاتل على طبق من ذهب، فالمعاهدة رسمت الحدود الجزائرية-المغربية في جزئها الشرقي الشمالي، وامتدت من قلعة عجرود إلى تنية الساسي، ولم تتناول الجزء الشرقي الجنوبي بدريعة أن المنطقة لا تتوفر إلى على أراضي جافة وقاحلة، لكن سرعان ما انتقلت إليها فرنسا فضمت إلى التراب الجزائري تيديكلت و عورارة و زاوية الركان و توات و بشار و الساورة و تندوف؛ بعد ذلك ستتمكن فرنسا من اخضاع موريتانيا لنفوذها الإستعماري، وفصلها بصفة نهائية عن التراب المغربي، وبالتالي محاصرة المغرب من الجنوب.
بعد استقلال المغرب سنة 1956م، ارادت فرنسا تأسيس لجنة مغربية- فرنسية لتسوية النزاع حول الحدود المغربية- الجزائرية، لكن المغاربة رفضوا ذلك بدعوى أن الخلاف على الحدود يجب أن يسوى مع الحكومة الجزائرية، وهم بهذا الرفض أرادوا أن يظهروا للمستعمر الفرنسي وللعالم بأن قضية الإستقلال يجب أن تتم في اطارها الشمولي بغية الحفاظ على بناء الوحدة المغاربية، الحلم الذي اعترضته العديد من المعيقات، منها مخلفات السياسة الإستعمارية التي نهجتها فرنسا في البلدان المغاربية.
موقف المغاربة في تلك المرحلة من التاريخ وصف بالموقف النضالي والإيجابي، والذي اجمعت عليه جميع القوى السياسية المغربية، هذا الموقف يجعلنا نفهم بأن السياسة في تلك الحقبة كان يحكمها منطق الحماس والعاطفة العربية، ولم يحكمها منطق المكيافليللي ” الغاية تبرر الوسيلة”.
إن مفهوم السياسة مبني على المصلحة المشتركة والمتبادلة، ففي السياسة ليس هناك صديق دائما ولا عدو دائما ولكن هناك مصالح مشتركة، فالمصلحة السياسية كانت تقتدي الجلوس إلى طاولة الحوار مع الفرنسيين والحصول على اكبر عدد من المناطق الحدودية المغربية–الجزائرية، وبعدها يمكن الجلوس على طاولة المفاوضات مع الأشقاء الجزائريين بعد استقلالها ونحن في موقف القوة.
اليوم، ونحن نبحث عن حل يخرجنا من هذه الوضعية التي طال أمدها، نجد أنفسنا أمام دبلوماسية عاجزة على ترويج ملف الصحراء في المحافل الدولية بالشكل المطلوب، وأمام أحزاب و جمعيات يحكمهم منطق الحماسة والانفعال والفجائية كما حكم أجدادهم في الماضي، إننا نقيم زوبعة، سرعان ما تخمد، عندما يطل علينا أحد الأشخاص أو الهيئات أو الدول برأي يدعم أطروحة البوليساريو.
لقد آن الأوان أن نتعامل مع قضية الصحراء والوحدة الترابية بالجد والحزم والصلابة والندية، ملف الصحراء يجب أن يخرج عن المعالجة الكلاسيكية، يجب أن تخرج القضية عن مركزيتها لتلامس عموم الشعب، وخاصة أن قضية الوحدة الترابية اليوم تنعم بإجماع شعبي قل نظيره في الماضي القريب عندما كانت بعض الأحزاب اليسارية و الإسلامية الراديكالية تخرج علينا ببعض الآراء المتعصبة، والتي كانت في عمومها تدعم أطروحة البوليساريو.
إن ملف الصحراء اليوم هو ملف كل المغاربة بامتياز، التوافق الشامل للمغاربة حول قضية الصحراء يجب أن تستغل بأكبر قدر ممكن لمواجهة أعداء وحدتنا الترابية.
موقف الولايات المتحدة الأمريكية الأخير الذي منح قوات المينورسو مراقبة حقوق الإنسان في منطقة الصحراء، يجعلنا نعيد النظر في علاقتنا الديبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية و توجهاتنا الجيوسياسية و الجيواستراتيجية، والبحث على حلفاء وشركاء خارج منطقة الحلفاء التقليديين لتحقيق الموازنة الدبلوماسية والسياسية والإقتصادية، وخاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تراهن على دول المحيط الهادي كحليف استراتيجي وكقوة اقتصادية صاعدة (الصين ثاني قوة اقتصادية في العالم، اليابان ثالث قوة اقتصادية في العالم، كوريا الجنوبية خامس عشر قوة اقتصادية في العالم…) و كثلة بشرية استهلاكية ومنتجة جد مهمة (الصين 1مليار 360مليون نسمة، اليابان 128مليون نسمة، كوريا الجنوبية 48مليون نسمة…).
أيضا موقف الولايات المتحدة الأمريكية من ملف الصحراء المغربية يجب أن نقرأه من خلال التغييرات الأخيرة التي خلفتها إدارة الرئيس أوباما، وخاصة وزيره الذي تقلد وزارة الخارجية جون كيري الموقع سنة 2001 على وثيقة دعم اطروحة إجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء المغربية، ومنصب مستشار الأمن القومي الذي تقلدته سوزان رايس المتشبعة بالأفكار اليسارية الداعمة لحقوق الإنسان، ومنصب سفير واشنطن في مجلس الأمن سامنتا بوير المناضلة الحقوقية ورفيقة الناشطة الحقوقية اميناتو حيدر.
معطيات اليوم لملف الصحراء تجعلنا نتعبء من جديد في اطار عام وشامل من أجل فتح حوار وطني يشمل كل المدن والقرى المغربية، نستحضر فيه كل السناريوهات الممكنة لمواجهة أعداء وحدتنا الترابية داخليا وخارجيا، و خاصة بعد تغيير الحكومة الأمريكية و على رأسها دونالد ترامب، بالإضافة إلى تعيين هورست كولر مبعوثا أمميا جديدا إلى منطقة الصحراء، و الذي يعتبر من أنجح السياسيين في إدارة المفاوضات على الصعيد العالمي؛ إذ سبق ونجح في المفاوضات بين حكومة ألمانيا الغربية سابقا وحكومة جمهورية ألمانيا الديمقراطية لتوحيد العملة، إلى جانب إدارته للمفاوضات مع موسكو لسحب القوات السوفياتية من الجمهورية الألمانية، وأيضا مفاوضات معاهدة “ماسترخت” حول العملة الأوروبية الموحدة.
كما يجب على الدولة المغربية أن تواصل مسيرتها في توسيع مجال الحريات وبناء دولة ديمقراطية، تجعل من أولوياتها بناء المنشآت التعليمية والصحية في كل التراب المغربي، تقوية البنية التحتية، والتركيز على ترسيخ مفهوم المواطنة عند المواطن وفي الإدارة والمؤسسات. والإسراع في تفعيل مشروع الجهوية الموسعة…
إن عودة المغرب للإتحاد الإفريقي لم يكن بالأمر الهين لولا سقوط الرئيس السابق لدولة ليبيا معمر القدافي و أيضا تراجع الإقتصاد الجزائري بعد انخفاض ثمن البترول و الغاز؛ و لأن الجزائر لم تصبح لها القدرة على شراء ضمائر هيئات المجتمع المدني و رؤساء الدول الإفريقية و لوبي الإتحاد الإفريقي و رؤساء دول أمريكا اللا تينية، فقد عادت الكلمة للمغرب الذي أدرك بأن لغة الإقتصاد (رابح رابح) هي الجديرة بإرجاع مكانة المغرب إلى المنتدى الإفريقي و الدور الرائد الذي طبع كل تحركاته بالقارة السمراء عبر التاريخ.
لقد أحدثت عودة المغرب و بقوة إلى الإتحاد الإفريقي ارتباكا و صعوباتة للجزائر و غريمها البولساريو، عندما حقق العديد من المكتسبات منها الحد من القرارات التي لم تكن تخدم مصالح المغرب وقضيه الترابية، كما شجعت عودته العديد من الدول الإفريقية و اللاتينية للإلتحاق بركب الصداقة المغربية و اعترافها بمغربية الصحراء.
إن هدفنا اليوم داخل الاتحاد الافريقي هو إعادة صنع القرارات من أجل قضية المغرب، الأمر الذي يجب أن تفطن إليه الدبلوماسية المغربية، فغايتنا ليس طرد البولساريو من الإتحاد الإفريقي، لأن هذه الغاية بعيدة المدى، و قد تكون مستحيلة، فالطرد ليس له تأثير مباشر على قضية الصحراء، فلا يجب أن نقع في نفس المصيدة التي وقعت فيها الجزائر و البولساريو اللذان أضاعا الوقت و المال و الجهد بدون الحصول على نتائج تذكر بعدما سيطروا و لعقود على الإتحاد الافريقي. يجب على المغرب أن يحسم في ملف قضية الصحراء و ذلك بالحصول على دعم كل الدول الإفريقية للمقترح المغربي، و يفكر في آليات ناجعة لربح الرهان من خلال طرح برامج لتنمية إفريقيا في بيئة آمنة، و استغلال فرصة تواجد أمين عام جديد للأمم المتحدة، و تفعيل كل الاستراتيجيات و البرامج من أجل مغرب منسجم مع أبنائه ومع كيانه. و أن نجعل من المغرب قبلة لكل الدول الخارجية بسبب ما ينعم به من الاستقرار والأمن. وأكيد أن الديمقراطية ستنتصر على كل أعداء الوحدة الترابية، وسينعم المغرب حينها بتاريخه المشرق في ضل ملك همام و وحدة ترابية من طنجة إلى الكويرة.
محمد الغوفير

مشاركة