الرئيسية آراء وأقلام دمقرطة المحاكم

دمقرطة المحاكم

64.png
كتبه كتب في 4 ديسمبر، 2016 - 10:56 مساءً

تعرف المحاكم المغربية في شهر دجنبر من كل سنة عقد جمعياتها العامة التي تتألف من جميع القضاة داخل المحاكم الابتدائية والاستئنافية بما فيهم اعضاء النيابة العامة تحت رئاسة المسؤولين القضائيين وبحضور رؤساء مصالح كتابة الضبط فيما يقوم مقام الجمعية العامة بمحكمة النقض مكتب مكون من الرئيس الأول ورئيس كل غرفة وأقدم مستشار فيها و الوكيل العام للملك و قيدوم المحامين العامين.

وتتحدد اختصاصات الجمعية العامة للمحاكم وفقا للمواد 4و5و6 من المرسوم رقم 2.74.498. بتاريخ 25 جمادى الثانية 1394 صادر تطبيقا لمقتضيات الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 338-74-1 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 (15 يوليوز 1974) المتعلق بالتنظيم القضائي فيما يلي :

تنظيم المصلحة الداخلية للمحاكم.

تحديد عدد الغرف والأقسام وتكوينها وأيام وساعات الجلسات ، وكذا توزيع القضايا بين مختلف الغرف والأقسام.

وسوف نقصر حديثنا عن الجمعيات العامة على مستوى المحاكم الاستئنافية والابتدائية على اعتبار أن محكمة النقض لا تعرف نظام الجمعية العامة وإنما نظام المكتب الذي لا يساعد على اشراك جميع القضاة في هذه المحكمة في اتخاذ القرارات التي تهم عملها التنظيمي .

ونبدأ بطرح بعض التساؤلات التي قد تساعدنا في تأطير هذا الموضوع من قبيل :

أهمية ودور الجمعيات العامة للمحاكم في تحقيق النجاعة القضائية وحماية استقلال القضاء المكرس طبعا لفائدة المتقاضي ؟

ما هو واقع الجمعيات العامة بمحاكمنا ؟ وهل هناك رغبة في تكرسيه من خلال مسودة التنظيم القضائي ؟

ما هي مطالب نادي قضاة المغرب بشأن دمقرطة الجمعيات العامة بالمحاكم ؟

فيما يخص أهمية الجمعيات العامة فإنها تعتبر آلية ديمقراطية هامة لاتخاذ القرارات العامة التي تهم سير العمل بالمحاكم والتي من شأن تفعيلها بشكل سليم أن يحق لنا فائدتين عظيمتين :

الفائدة الاولى غير مباشرة : وتتمثل في الدور الريادي النموذجي في مجال تكريس دمقرطة التسيير والذي ينبغي لباقي مؤسسات الدولة ومختلف الفاعلين الجمعويين وغيرهم أن يقتدوا به باعتبار محورية القضاة داخل التنظيم المؤسساتي للدولة.

الفائدة الثانية وهي مباشرة : وتتمثل في قيام القضاة أنفسهم بالتسيير الذاتي للمحاكم وخاصة فيما له ارتباط بمجال توزيع الشعب والمواد على القضاة بما يضمنه من حرص على سد منافذ التدخل في القضاء من هذا الجانب تطبيقا لمبدأ استقلال القضاء وحفاظا أيضا على حقوق المواطن المتقاضي .

بحيث إنه من المفروض ، تحقيقا لهذين الفائدتين، أن تقوم الجمعيات العامة بتوزيع الأشغال السنوية بين القضاة بطريقة ديمقراطية وبناء على معايير معينة تحددها هذه الجمعية ضمانا للشفافية واستقلالية القرار القضائي، وهو ما تسير على نهجه كل دول العالم الديمقراطية ، لذلك قال المفكر محمد عبده (الذي كان مستشارا في إحدى المحاكم الأهلية المصرية ):” إن الحكومات العادلة اتفقت على أن لا يكون زمام راحة القاضي بيد أي شخص غير مجمع إخوانه ” ، فكيف تجد هذه المبادئ طريقها إلى التطبيق في واقعنا داخل المحاكم المغربية ؟

يمكن القول كحكم جازم ودون مبالغة ، زاعما أن جميع قضاة وموظفي المحاكم سوف يؤكدانه ، أن الجمعيات العامة للمحاكم التي من المفروض ان تعطي القدوة في احترام القانون وتطبيق مبادئ التشاركية والآليات الديمقراطية في التسيير لا تسير وفق مبادئ الديمقراطية واحترام القانون، بحث إن اختصاصات الجمعيات العامة تمت السيطرة عليها من طرف المسؤولين القضائين – ويستثنى من هؤلاء قلة قليلة لا تكاد تذكر من المسؤولين استحضروا ضمائرهم وتركوا للقضاة توزيع العمل في ما بينهم بالتراضي، فهؤلاء لا نبخسهم حقهم، وسوف يذكرهم التاريخ القضائي من دون شك – باستعمال واستغلال آلة وقوة التقييم القضائي السنوي الكارثي ويعمدون إلى توزيع الشعب والمواد على القضاة وفق الرغبة الشخصية للمسؤول القضائي وأحسنهم وأفضلهم من يقوم ببعض الاستشارات الفردية مع القضاة قبل انعقاد هذه الجمعية العامة ثم لا تلتئم الجمعية العمومية، إلا لتفترق بعد نصف ساعة أو أقل من انعقادها، إذ كل شيء مُعد سلفا فلا مناقشة ولا تصويت ولا أي شيء يمت بصلة الى اجتماع عام للقضاة، حتى إن البعض صار يطلق عليها دقائق الصمت العمومية، والأدهى والأمر من كل هذا هو عندما يصلك جدول توزيع الأشغال برسم السنة القضائية الجديدة تجد فيه عبارة طريفة ومتكررة في كل المحاكم تقريبا، وهي عبارة توجد أسفل الجدول ومكتوبة بخط صغير، تشبه ما يكتب في اللوحات الاشهارية من كون العرض خاضعا لشروط، مفادها أن الجمعية العمومية فوضت للسيد المسؤول- كل حسب درجته وموقعه- تعديل هذا الجدول عند الضرورة ! وكترجمة لهذه العبارة يتم في بعض الأحيان العبث حتى بمقررات هذه الجمعية العمومية على علتها، ولا ندري حقيقة كيف يتم التوصل إلى هذا التفويض، إذا كانت هذه الجمعيات في أغبلها صماء ولا تقوم بالمناقشة ولا بالتصويت ولا بغيره- إلا في ما ندر والنادر لا حكم له- ؟

هذا هو واقع الجمعيات العامة بمحكمنا بدون زيادة أو نقصان أو مبالغة – مع استثناءات لا تكاد تذكر- فهل هناك رغبة لدى الجهة المعنية وهي وزارة العدل في تغييره على الأقل في الجانب القانوني في أفق الوصول إلى الممارسة السليمة ؟

هنا أيضا نبدي اسفنا ليس على عدم وجود الرغبة في اصلاح الواقع الذي كان في نهاية المطاف مخالف للقانون وإنما على الرغبة في شرعنة الواقع الذي نقلنا جانبا منه – وليس كله – أعلاه.

وحتى لا نتهم بإطلاق الكلام على عواهنه نحيل على ما تضمنته المواد من 24 إلى 30 من مسودة التنظيم القضائي الذي أعدتها وزارة العدل والحريات (تم الاطلاع عليه بموقع الوزارة الاليكتروني بتاريخ 07-12-2014)، ونلخص هذه المواد فيما يلي :

إحداث مكتب المحكمة الذي أناطت به المسودة إعداد مشروع الجمعية العامة وهو اقتباس من تجربة محكمة النقض المنتقدة وطنيا ودوليا على إعتبار أن المكتب لا يمثل كافة القضاة .

ضيق تركيبة المكتب الذي يتكون من رئيس المحكمة، ونائبه، ورؤساء الأقسام، وقيدوم القضاة بالمحكمة، وأصغرهم سنا بها مع مراعاة تمثيلية المرأة القاضية.

مشروع توزيع الأشغال الذي يعده مكتب المحكمة لا تقبل المراجعة -عمليا- ، فقد نصت المادة 30 من المشروع على أن مشروع التوزيع يعتبر مصادقا عليه في حالة عدم الاعتراض عليه من قبل ثلثي أعضاء الجمعية العامة ، والمعروف في سوسيولوجيا الانتخابات أن نصاب الثلثين تعد تقنية تعجيزية يتم اللجوء اليها لتحصين بعض المقتضيات من المراجعة لصعوبة استجماع هذا النصاب الذي يكاد يقارب الإجماع مع الأخد بعين الاعتبار أن أعضاء المكتب لهم حق التصويت أيضا .

كل هذا يعني عمليا تكريس الواقع الذي عشناه ونعيشه والذي كان مخالفا للقانون إلا أن الجديد هذه المرة هو ارادة شرعنة هذا الواقع.

وأمام هذا الواقع كان نادي قضاة المغرب ومنذ تأسيه يدعو سواء في كتابات أعضائه أو في مواقفه الرسمية إلى ضرورة إعطاء العناية الكافية للجمعيات العامة بالمحاكم لأنها صمام أمان لاستقلال القاضي على أرض الواقع ، وهكذا نلخص المطالب التي طرحناها فيما يلي :

ضرورة الاشارة إلى مبدأ العمل بالجمعيات العامة في صلب القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية ثم بعد ذلك تنظيمها في قانون خاص يحدد عملها من حيث انعقادها وسير أعمالها واختصاصها ومعايير اسناد المواد والمسؤوليات (المقصود التكليفات داخل المحاكم)، ونشير هنا إلى أن بعض الدول نظمت اختصاص الجمعيات العمومية بالمحاكم في صلب قانون السلطة القضائية وتم منحها سلطات واسعة تمتد إلى اقتراح المسؤولين القضائيين والكفاءات من القضاة التي سوف تلتحق للعمل بمحكمة النقض من محاكم الاستئناف بناء على معايير علمية واضحة.

تمت مطالبة وزير العدل بضرورة توجيه كتاب – بصفته نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء- قصد حث المحاكم على تطبيق القانون في هذا الباب ، وهو ما تمت الاستجابة له فعلا ، لكن لم تتم مواكبته بفعل عدم تحمس الوزارة نفسها له لأسباب لا مجال لذكرها الآن.

مقتطف من مذكرة نادي قضاة المغرب التي وجهت إلى وزارة العدل والحريات بشأن الجمعيات العامة :

“إن نادي قضاة المغرب ما فتئ يؤكد على المطلب القديم و المتجدد لقضاة المملكة و المتعلق بضرورة إصلاح و تطوير آلية الجمعية العمومية ، إذ أن هذه الجمعية تعتبر مدخلا أساسيا من مداخل الإصلاح الحقيقي للسلطة القضائية و تجسيد استقلالها على أرض الواقع .

و من أجل ذلك فإن نادي قضاة المغرب يرى أن الشكل الذي تسير به الجمعيات العمومية وفق المرسوم المنظم لها جعل للمسؤول القضائي مركزا محوريا أهله ليكون الآمر الناهي في العملية القضائية ، و هو أمر منافي لاستقلال القاضي و قراراته ، فالمسؤول القضائي هو الذي يقرر في الجمعية العمومية و هو الذي يوزع المهام و يحدد تواريخ الجلسات و يقسم القضايا على الغرف و ينشئ الغرف أو يحذفها و هو الذي يتولى الدعوة إلى الجمعية العمومية و يعين القضاة في الجلسات و كذا يكلفهم بالمهام داخل المحكمة و غير ذلك ، كما يحتفظ لنفسه بالدور الذي يرغب فيه من خلال آلية التفويض الذي يتركه لنفسه من أجل التدخل في أي وقت في العملية القضائية ، كما له أن يجري التغييرات التي يراها مناسبة لسير العمل و ما إلى ذلك ؛ من كل هذا فإن القضاة ما فتئوا ينادون بضرورة تغيير هذا الوضع الذي يتربع فيه المسؤول القضائي على كرسي اتخاذ القرارات الانفرادية في مقابل قضاة ما عليهم إلا السمع و الطاعة و الانصياع . و لذلك فإن مسألة تغيير هذه الوضعية بات أمرا ملحا حتى تضمن استقلالية القاضي و قراراته و تضمن كذلك علاقة عقلانية بين المسؤول القضائي و باقي القضاة العاملين بالمحكمة من أجل نجاعة حقيقية للعمل .

و في هذا السياق فإن نادي قضاة المغرب يرى أن السبيل الأنجع لضمان حسن سير العدالة في ظل مقتضيات دستورية متقدمة هو إعطاء الجمعية العمومية المكانة اللائقة بها في تقرير القرارات الكبرى التي تهم سير العمل بالمحكمة . و على هذا الأساس فإن النادي يرى من الضروري :

اعتماد الجمعية العمومية كنواة أساسية في تنظيم العمل داخل المحاكم ، و جعلها المقررة في ذلك بمشاركة جميع قضاة المحكمة و جعل المسؤول القضائي سواء بالرئاسة أو النيابة مشرفا على حسن تنزيل ما أقرته الجمعية العمومية و ضامنا للتنزيل الأمثل لقراراتها.

جعل التحضير لأعمال الجمعية العمومية فرصة لترسيخ مبدأ التشاركية في تدبير العمل داخل المحكمة يؤمنه القضاة أنفسهم بمعية المسؤول القضائي الذي يلعب دور الضابط لإيقاع التوجهات و الاختلافات الممكنة من غير احتكار لسلطة القرار .

تمديد نظام الجمعية العمومية ليشمل محكمة النقض بدل أن تيم تعميم تجربة محكمة النقض على محاكم الموضوع من خلال إقرار ” مكتب المحكمة ” الذي ما هو في الأصل إلا آلية جديدة لتحويل القبضة الحديدية للمسؤول القضائي إلى قفاز من حرير يمرر به القرارات الانفرادية بشكل أكثر قانونية و مشروعية .

جعل الجمعية العمومية بمحكمة النقض النواة الأولى لدمقرطة العمل القضائي بتلك المحكمة ، و لها أن تقرر في المسائل الكبرى لحسن سير تلك الهيئة القضائية ، إذ كيف لمستشاريها أن يتمتعوا بالحكمة و التجربة و الخبرة التي أهلتهم ليكونوا من فريق أعلى هيئة بالمملكة و هم غير قادرين على تدبير وضعياتهم القضائية ؟

جعل الجمعية العمومية بمحكمة النقض المرجع في إسناد المسؤولية للمستشارين، وكذلك من خلال انتخاب رؤساء الغرف بما في ذلك الغرفة الأولى التي يعتبر رئيسها عضوا بقوة القانون في المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، و لذلك فإن هذا الانتخاب هو الآلية الوحيدة التي تمكن هذه الفئة من نخبة القضاة من التمثيلية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية على اعتبار أن الرئيس الأول لمحكمة النقض هو الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مما أصبح معه هو المسؤول عن سياسة المجلس المذكور و ليس كما كان من قبل في ظل وجود وزير العدل ، الشيء الذي يفرض ضرورة تمثيل مستشاري محكمة النقض و محاموها العامين من طرف أحد زملائهم بالمجلس ، و لن يكون ذلك إلا من خلال انتخاب رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض من طرف الجمعية العمومية و جعله مسؤولا أمامها تجسيدا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة .

جعل الجمعية العمومية بمحكمة النقض هي صاحبة القرارات في تعيين الغرفة الإدارية بذات المحكمة في انتظار تنزيل مجلس الدولة و إخراجه إلى حيز الوجود ، خاصة وأن هذه الجهة القضائية هي التي أناط بها الدستور مهمة الفصل في الطعون الموجهة ضد قرارات المجلس الأعلى للسلطة القضائية متى تعلقت بتدبير الوضعية المهنية للقاضي و اتصفت بالشطط في استعمال السلطة . لذلك فإن المنطق الذي يتماشى مع هذا الحق الدستوري هو ضرورة عدم جعل المستشارين الذين سيناط بهم أمر الفصل في تلك الطعون تحت رحمة سلطة التعيين من الرئيس الأول لمحكمة النقض ، ليبقى انتخابهم من الجمعية العمومية أفضل وسيلة في حدود المتاح و الممكن لضمان حيادية و استقلالية الهيئة عند النظر في تلك الطعون .

جعل مكتب المحكمة تحت إشراف المسؤولين القضائيين جهة تسهر على تنفيذ قرارات الجمعية العمومية للمحكمة بدل أن تكون هي الجهة المقررة ، و تمديد هذا النظام إلى محكمة النقض .

تغيير موعد انعقاد الجمعية العمومية من شهر دجنبر إلى شهر شتنبر أو أكتوبر من أجل إقرار برنامج جلسات خاص بالسنة الموالية ، يتهيأ القضاة و المحامون و المتقاضون له بدل الإبقاء على التاريخ الحالي و هو ما يجعل تنظيم الجلسات و الهيئات الجديدة في اضطراب مع بداية كل سنة قضائية بين تصريف القضايا المؤخرة وفق برنامج السنة الفارطة و تصريفها وفق برنامج السنة الجديدة .

جعل قرارات الجمعية العمومية تتخذ بالأغلبية المطلقة بدل وضع نصاب تعجيزي لا يتماشى مع المنطق الديمقراطي كما هو منصوص عليه في مسودة مشروع قانون التنظيم القاضي للمملكة ” .

*دكتور في الحقوق

رئيس نادي قضاة المغرب

مشاركة