الرئيسية آراء وأقلام حول حق القضاة في التصويت ؟!

حول حق القضاة في التصويت ؟!

ABDERZAK JBARI.jpg
كتبه كتب في 27 سبتمبر، 2016 - 11:24 مساءً

بقلم الأستاذ عبد الرزاق جباري

معلوم أن الحق في التصويت عند كل انتخابات، تشريعية كانت أو جماعية، هو من حيث المبدأ حق لكل مواطن ومواطنة، إلا ما استثني من ذلك بمقتضى نص من القانون.
وقد نصت على هذا المعطى المادة 7 من القانون رقم 11-57 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة، فجردت بعض الفئات من ممارسة ذلك الحق لعلة ارتأى فيها المشرع مصلحة ما، وهم: كل حاملي السلاح، من أفراد القوات المسلحة الملكية، وأعوان القوة العمومية ؛ والأفراد المحكوم عليه بعقوبة جنائية، أو بعقوبة جنحية من أجل بعض الجنح المرتبطة بالثقة العامة، كالسرقة والنصب وخيانة الأمانة وشهادة الزور أو الرشوة .. إلخ ؛ الأفراد المحرومون من حق التصويت بموجب حكم قضائي خلال المدة المحددة في هذا الحكم ؛ الأشخاص الصادرة عليهم أحكام جنائية غيابية ؛ المحجور عليهم قضائيا ؛ الأشخاص الذين طبقت في حقهم مسطرة التصفية القضائية ؛ الأشخاص المحكوم عليهم بالتجريد من الحقوق الوطنية.
ولعل الظاهر من خلال هذا المقتضى، أن القضاة لم يستثنوا من ممارسة الحق الدستوري في الانتخاب والتصويت، وهو ما يطرح التساؤل الآتي: هل كان المشرع المغربي موفقا حينما لم يلحق القضاة بالفئات المستثناة من ممارسة الحق المذكور أم لا ؟
وجوابا على هذا التساؤل، ننثر بعض ما تبدى لنا من ملاحظات، أهمها:
– لا شك أن ممارسة الحق في التصويت، سواء في الانتخابات التشريعية أو الجماعية، هو في حد ذاته ممارسة دستورية سياسية، طالما أن الغاية منها اختيار برنامج سياسي وتفضيله عن باقي البرامج السياسية الأخرى، مع الاعتقاد بأنه الكفيل لضمان نجاعة تسيير الشأن العام والسياسات العمومية.
– وإذا كان ذلك ثابتا بقوة الدستور والواقع، فقد يترتب عنه، لا محالة، تعاطف الناخب مع الحزب أو الفئة المتبنية للبرنامج السياسي المختار، وإحساسه بوحدة الانتماء والمصير، ولو من الناحية الفكرية الإيديولوجية غير التنظيمية.
– وفي خضم الملاحظتين السالفتين، نشير إلى أن أهم ما يميز القضاة، كمكون من مكونات السلطة القضائية، عن أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية، هو عنصري الحياد والاستقلالية، بخلاف هؤلاء الأخيرين باعتبار وضعهم السياسي وانتماءاتهم الحزبية التنظيمية.
– ولما كان الوضع بهذه الثنائية، فبمجرد ما أن يختار القاضي برنامجا سياسيا عبر آلية التصويت، ويفضله عن باقي البرامج الأخرى المنافسة، يكون قد خرج عن حياده واستقلاليته، لأن باختياره ذاك أضحى متعاطفا مع حزب سياسي معين، ومتموقفا معه، بل ومنتميا إليه فكرا وإيديولوجية، وهو ما يتنافى مع رسالة القضاء جملة وتفصيلا.
– ومما يزيد من تأكيد هذه النتيجة، أن القضاة، واعتبارا لصفتي الحياد والاستقلالية، اختارهم المشرع نفسه لرئاسة اللجن الإدارية المكلفة بإعداد اللوائح الانتخابية حسب المادة 10 من القانون المذكور آنفا، فكيف، إذن، للقاضي أن يكون مشرفا على نزاهة إعداد تلك اللوائح، وهو في نفس الآن ميال لبرنامج سياسي وحزب يعتبر فاعلا في كل التجاذبات السياسية المصاحبة لعمل اللجنة ؟
– فضلا عن ذلك، فإن السلطة القضائية، ومن خلالها كل ممثليها من القضاة والقاضيات، هي من أوكلها المشرع، حصرا، البت في الطعون والنزاعات الانتخابية، سواء تلك التي أثيرت في مواجهة اللجان المذكورة (المادتين 45 و46 من القانون المذكور)، أو أثناء عملية تقديم الترشيحات (المادة 68 وما يليها من مدونة الانتخابات)، أو التصويت، أو بعد فرز نتائجه (المادة 69 وما يليها من نفس المدونة)، مما يدفعنا لطرح سؤال آخر: كيف لمن صوت على برنامج حزب معين، واختاره من دون الأحزاب الأخرى، متموقفا عنها به ولفائدته، أن يكون مستقلا عند بته في تلك الطعون والنزاعات المعروضة عليه، لا سيما وأن أحد أطراف النزاع، لا يمكن أن يخرج عن الحزب الذي اختار برنامجه السياسي وصوت لصالحه، أو أن يكون حزبا منافسا لهذا الأخير ؟
وتأسيسا على كل ما سلف، أعتقد أن المشرع لم يكن موفقا عندما لم يستثن القضاة من ممارسة الحق في التصويت، وعليه أن يتدارك الأمر لما فيه من حماية لاستقلالية السلطة القضائية، وأخذها نفس المسافة من جميع الفرقاء السياسيين، خصوصا وأن هناك بعض القضاة الذين يمارسون حقهم في ذلك استصحابا للأصل المفهوم من سكوت النص.

مشاركة