الرئيسية غير مصنف وشهد شاهد من أهلها… قاضٍ أجمع عليه الخصوم قبل الزملاء: مصطفى الغزال، مسيرة من العدل والتجرد في محراب القضاء

وشهد شاهد من أهلها… قاضٍ أجمع عليه الخصوم قبل الزملاء: مصطفى الغزال، مسيرة من العدل والتجرد في محراب القضاء

IMG 4488
كتبه كتب في 14 يونيو، 2025 - 7:43 مساءً


بقلم عزيز بنحريميدة

في عالم القضاء، حيث الكلمة قد تُنصف أو تُدين، والقرار قد يُرضي أو يُغضب، نادرًا ما يُجمع القضاة والمحامون وموظفو العدالة على رجل واحد، قضى سنواته في المسؤولية متنقلًا بين محاكم المملكة، ممارسًا مهامه القضائية والإدارية بحزم وحكمة، دون أن تترك خلفه خصومة أو يُسجَّل عليه انحراف عن جادة العدالة.

ذلك الرجل هو الأستاذ مصطفى الغزال، القاضي الفقيه، الذي تولّى رئاسة عدد من محاكم الاستئناف بالمملكة، بدءًا من محكمة الاستئناف بتطوان، مرورًا بـمحكمة الاستئناف بالقنيطرة، ووصولًا إلى واحدة من أكبر وأهم محاكم المملكة، محكمة الاستئناف بالرباط.

ورغم تعدّد المواقع وتعاقب المسؤوليات، ظلّ القاسم المشترك في مسيرته هو الإجماع على نزاهته، وعمق فقهه، وتجرده في ممارسة المهام القضائية، حتى من أولئك الذين اختلفوا معه داخل قاعات المحاكم، أو من وجدوا أنفسهم في موقع الخلاف القانوني معه.

محامون كثر ممن ترافعوا أمامه عبر محطات مختلفة، لم يترددوا في التعبير عن احترامهم وتقديرهم لأسلوبه القضائي الرصين، القائم على حسن الإصغاء، ودقة الفهم، ونظافة اليد، ووضوح القرار، بل إن بعضهم ممن خسروا قضايا أمامه، عبّروا بصراحة عن اقتناعهم بمنطقه القضائي، وثقتهم الكاملة في حياديته ونزاهته.

وفي شهادات موظفين من كتابات الضبط، ممن خدموا لسنوات طويلة تحت إمرته، تتكرّر عبارات التقدير لرجل كان يُحسن إدارة المرفق القضائي بنفس تربوي صارم، لا يسمح بالتسيب، ولا يرضى بالظلم، لكنّه في الآن نفسه لا يفرّط في احترام كرامة الموظف وإنصاف المجهودات المبذولة.
لقد كان حاضرًا في تفاصيل الإدارة، لكنه غائب عن الحسابات الضيقة، لا يعرف المحاباة، ولا يقبل التمييز، يؤمن أن القضاء رسالة لا امتياز، ومسؤولية لا سلطة.

أما زملاؤه من القضاة، ممن اشتغلوا إلى جانبه أو تلقوا عنه التوجيه، فيشهدون له بما تميّز به من ثقافة قانونية رصينة، وحس دستوري عميق، ووعي عملي يعكس دربة رجل مارس القضاء بنزاهة قبل أن يُدبّره بمسؤولية. كان لا يُملي تعليمات، بل يُقنع بمنطق القانون، ولا يسعى إلى الهيمنة على القرار، بل يُشجّع على استقلالية الرأي القضائي، ما جعل منه قدوة إدارية وقضائية في آن واحد.

إن ما يُميّز تجربة الأستاذ مصطفى الغزال ليس فقط تعدد محطاته القضائية، بل أنه غادر كل محكمة تولّى أمرها محاطًا باحترام رجال المهنة، وبمحبة من اشتغلوا معه، وبتقدير من تابعوا عن بعد كيف كان يُدبّر الملفات الشائكة والقضايا الكبرى برباطة جأش ونفَس قانوني عميق.

وإذا كانت المسؤولية في سلك القضاء كثيرًا ما ترتبط بالتجاذبات، فإن الغزال نجح في بناء مساره بثبات دون أن يسقط في شَرَك الصراعات، أو يُستدرج إلى حروب النفوذ، فقد ظلّ صوته هادئًا، وقراره نزيهًا، وسلوكه شاهداً عليه قبل أن يشهد عليه غيره.

ولأن الشهادات الصادقة لا تُطلب، بل تخرج من القلوب قبل الألسنة، فإن ما قيل في الأستاذ الغزال خلال مساره الحافل، هو شهادة مغربية نادرة في حق رجل مارس القضاء بعين القانون، وحكم الضمير، وابتعد عن الشبهات دون أن يغيب عن وجدان المشتغلين بالعدالة.

فطوبى لقاضٍ لم ينصفه فقط من اشتغلوا معه، بل حتى من خاصموه قانونيًا… فهكذا فقط يُكتَب التاريخ المهني الحقيقي

مشاركة