بقلم عزيز بنحريميدة
في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف الطموحات والماديات، ننسى، أو نتناسى، أن لكل بداية نهاية، وأن لكل رحلة موعدًا محتومًا للنزول. قطار الحياة يمضي دون توقف، يحملنا بين محطات الفرح والحزن، النجاح والانكسار، غير عابئ بمن تأخر أو من أضاع الطريق… ولكن، هل وقفنا لحظة نتساءل بصدق: هل نحن مستعدون للرحيل؟
الرحيل هنا ليس سفرا عابرا، ولا انتقالا من مدينة إلى أخرى، بل هو الرحيل النهائي الذي لا رجعة بعده، هو لقاء الحقيقة المطلقة التي طالما أنكرنا التفكير فيها، أو أجلناه إلى وقت لاحق لا يأتي. السؤال الثقيل يطرق أبواب القلوب: هل أعددنا الزاد؟ هل جهزنا العدّة؟ أم أننا منهمكون بجمع ما سنتركه خلفنا لحظة الرحيل؟
كثيرون يعيشون كما لو أنهم خالدون، يسلكون دروب الحياة وكأنهم يملكون مفاتيح الزمن. يغترون بشبابهم، يركنون إلى قوتهم، يعلّقون آمالهم على غدٍ قد لا يأتي، ثم إذا باغتهم النداء، وقفوا على العتبة الأخيرة حفاةً من الأعمال، خاوين من الزاد، يحدقون في الفراغ الذي حاكوه بأيديهم.
الحياة ليست رحلة عبثية، بل امتحان دقيق لما نزرعه ونقدمه. كل يوم نعيشه هو فرصة جديدة للاستعداد، لكل موقف نعيشه أثر، ولكل قرار نتخذه صدى نُسأل عنه يوم ينادي المنادي: انتهت الرحلة.
الزاد الحقيقي ليس المال ولا الجاه ولا الشهرة، بل عمل طيب، قلب طاهر، كلمة حق، يد ممدودة بالعطاء، ودعوة صادقة ترفع في ظهر الغيب. هي البصمات الخفية التي تبقى بعد أن تطوى الصفحات، فتشهد لنا لا علينا.
فمن منا اليوم يقف مع نفسه وقفة صدق، ويسأل: لو دنا أجلي الآن، هل أنا مستعد للقاء ربي؟ هل أحمل زادًا يكفيني لعبور آخر محطات الرحلة؟ أم أنني ضيعت السنين في اللهو واللهاث خلف سراب لن يغني عني شيئًا؟
قطار الحياة منطلق لا ينتظر، ومهما طال الزمن، ستأتي محطة النزول. فلنكن مستعدين، ولنجعل من كل يوم فرصة لزرع بذرة خير، علّها تكون زادنا حين لا ينفع ندم ولا اعتذار.
“وتزودوا فإن خير الزاد التقوى”