في تطور جديد لقضية محاولة السطو على جزء من غابة الحوزية، والتي كنا قد تطرقنا إليها سابقًا، تكشفت معالم جريمة منظمة خططت لها عصابة إجرامية باستعمال تزوير مادي ومعنوي هدفه الاستيلاء غير المشروع على عقار غابوي محاذٍ للشاطئ. وقد أثبتت الخبرتان القضائيتان المأمور بهما من قبل السيد رئيس المحكمة أن الوثيقتين المعتمدتين من طرف المتهمين الرئيسيين، وهما رسمي الصدقة والمقاسمة، لا تنطبقان على العقار موضوع النزاع، بل إنهما يتعلّقان بعقار آخر يبعد بعشرات الأمتار داخل نفس المنطقة.
وأكدت الخبرة القضائية أن العقار محل التزوير، الذي قامت مديرية المياه والغابات بتشجيره رسميًا منذ سنة 1958، يتكون من تلال رملية ممتدة من الساحل، وتحتفظ المديرية بمحضر رسمي يثبت تبعية العقار لها منذ ذلك التاريخ. هذا المعطى تعزز بشهادات جميع الملاكين المجاورين الذين بادروا إلى تحفيظ عقاراتهم منذ سنة 1942، والذين أجمعوا على أن العقار موضع الشكاية تابع للأملاك الغابوية ولا يمت بصلة لوثائق المتهمين.
وتأتي هذه التطورات بعد إحالة القضية من قبل السيد الوكيل العام للملك على السيد قاضي التحقيق، حيث التمس إيداع المتهمين الرئيسيين السجن، واتخاذ تدابير قانونية في مواجهة باقي المشتكى بهم. القضية الأولى، التي دامت قرابة السنتين من الأبحاث والتحريات الدقيقة، قادها المشرف الأول على النيابة العامة بالدائرة الاستئنافية بالجديدة بكفاءة عالية، مكّن فيها المتهمون من كافة الضمانات القانونية والآجال الكافية لإثبات مزاعمهم التي اصطدمت بواقع الوثائق ونتائج التحقيقات.
وقد كشفت الأبحاث إنجاز ثلاثة رسوم ملكية على نفس العقار وبنفس الشهود، وكل واحد من المتهمين يدعي إرثًا عن جد مزعوم، في سيناريو يكشف عن تنسيق إجرامي محكم. المفارقة أن الوثائق المحررة تم إنجازها من طرف عدل سبق الحكم عليه بعقوبات سجنية نهائية من أجل التزوير في محررات رسمية، ولا يزال يقضي عقوبته إلى اليوم.
وفي سياق موازٍ، أحال السيد الوكيل العام شكاية جديدة مرتبطة بالملف ذاته على السيد وكيل الملك للاختصاص، فأمر هذا الأخير بإرجاع المسطرة إلى الفصيلة القضائية، مع وضع جميع الأطراف رهن الحراسة النظرية في أفق تقديمهم أمام العدالة وترتيب الآثار القانونية. ويُذكر أن السيد وكيل الملك يشتهر بنهجه الصارم في تدبير الشأن القضائي، وبحرصه على التطبيق النزيه للقانون، مستعينًا بقدرة استثنائية على قراءة تفاصيل الوقائع وتوجيهها في إطار قانوني يكفل كشف الحقيقة وإنصاف الجميع.
وسنعود لاحقًا لمتابعة مآلات هذه القضية، وما ستسفر عنه التحريات القضائية من قرارات قد ترسم معالم محاسبة حقيقية، تصون حقوق المشتكين وتحترم في الآن ذاته ضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين