بقلم : ذ. مصطفى أمجكال – فاعل جمعوي
صوت العدالة
عام كورونا ، هكذا سوف يؤرخ لسنة 2020 عند سكان الكرة الأرضية قاطبة ، فهو عام التغيير بامتياز ، عام الصدمة التي هزت عروش الدول العظمى و أركان الاقتصاد العالمي القوي و السياسات الدولية و المصالح المتبادلة .
سنة 2020 سنة الصحة العالمية ، إنها سنة الحرب ضد عدو خفي لا تراه العين المجردة ، عدو أزهق عشرات الالاف من الأرواح في غضون اشهر قليلة أمام انظار الأطباء و المتخصصين و ارباب المختبرات الطبية و شركات الأدوية العالمية . فمنذ اللحظات الاولى التي تناسلت فيها أخبار العدو القاتل بالصين ، أخذ العالم بأسره يترقب ما سوف تسفر عنه الاجراءات المتخذة من طرف الصين وهي واحدة من اقوى الاقتصادات العالمية و المتقدمة جدا في مختلف المجالات الصناعية و خاصة الطبية و الصحية .. لكن كورونا كان أقوى من كل التوقعات و سرعان ما بسط نفوذه على العالم في تحدى صارخ وقوي لكل الانظمة الصحية العالمية و مخترقا كل الحدود الجغرافية و مناطق العبور و الجمارك و متحديا كل الاجهزة الاستخباراتية القوية .
كورونا عدو قوي ، هذه حقيقة أدركها العالم حين وجد نفسة مرغما على الدخول الى المنازل كحل وحيد للحد من انتشار الوباء و حصر العدوى في انتظار ما تسفر عنه الابحاث العلمية داخل المختبرات الطبية العالمية التي تعمل ليل نهار من أجل لقاح فعال يخرج العالم من جائحة عمت العالم .
إن هذه الجائحة العالمية جعلت من عاداتنا و تقاليدنا و معاملاتنا تتغير رأسا على عقب ، أو ربما يمكن القول أنها جعلتنا نستفيق نحو أنفسنا بشيء من الوعي ، وعي صحي و مجتمعي و إنساني تضامني ، وعي سياسي و اقتصادي و أخلاقي .. حيث صرنا ننظر بعين الحقيقة للحياة ، فهل تساهم أزمة كورونا في تغيير القيم الإنسانية العالمية ؟؟
لعل كل المتتبعين لمجريات الأحداث العالمية اليوم يرى بعين البصيرة تغيرات جدرية على أكثر من صعيد ، و سوف أحاول من خلال هذا المقال استعراض وجهة نظري المتواضعة كفاعل جمعوي وسياسي و كرب أسرة كان للحضر الصحي الاثر البالغ في رسم مجموعة من الملاحظات الأسرية والتي بكل تأكيد سوف تكون لها الاثار الايجابية على المستوى القريب و البعيد .
ما بعد كورونا ، للصحة المقام الأول و النصيب الأوفر في دائرة الاهتمامات الانسانية جمعاء ، فعلى المستوى السياسات الحكومية الدولية و الوطنية سوف يكون لقطاع الصحة الحيز الأكبر من النقاش و الاهتمام ، فالجميع اليوم أدرك أنه مهما بلغت منظوماتنا الصحية من التطور و القوة تبقى غير كافية في ظل التطور التكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم و الذي من شأنه أن يخلق ازمات صحية عالمية تجتاح القارات بسرعة متناهية .
لن أناقش موضوع كورونا من منظور الصراع الدولي بين القوى العظمى ، فذلك موضوع مستنزف للطاقة الفكرية دون التوصل إلى اليقين نحو أي طرح مهما بلغت ادلته و شواهده ، لكن اليوم يبقى الواقع سيد الموقف و الذي يحكي أزمة لم يشهدها العالم منذ عقود . اليوم كورونا ارغمت العالم على التفكير الجدي في السياسة الصحية كأولى الاولويات ، و الدليل الاكبر هو أننا نستطيع توقيف التعليم و التجارة والمساجد و المقاهي و كل شيء .. لكن لن نستطيع توقيف الاطباء و الممرضين الذين يواجهون اليوم الأزمة في الصفوف الامامية من الحرب ضد فيروس كوفيد 19 .
واقع الصحة في ظل أزمة كورونا يجعلنا نعري واقع التعليم بكل شفافية و جرأة و نضع الاسئلة الجوهرية الدقيقة : هل منظومتنا التعليمية تستجيب للتحولات العالمية اليوم في شتى المجالات ؟ هل يستطيع تعليمنا اليوم بسياساته الراهنة أن ينتج لنا جيلا من المفكرين و الباحثين و المخترعين و ارباب البحث العلمي في مجال الطب والادوية و مهندسي السياسات العمومية التي تواكب التطور العالمي ؟ هل يستطيع تعليمنا اليوم أن يصنع نخبة سياسية قوية يراهن عليها مستقبلا في بناء المغرب الحديث ؟
إننا من خلال نظرة واقعية و موضوعية عن التعليم اليوم سندرك مدى التعثر و التأخر والشلل الذي اصاب المنظومة التعليمية ككل سواء منها الخاص أو العام ، و الامر لا يحتاج إلى تفصيل أكبر ، فالعبرة بالنتائج لا بالوسائل .
أزمة كورونا اليوم غيرت الحياة رأسا على عقب ، و لعل أكبر مظاهر هذا التغير هو الجدية في التعامل مع الواقع و الأحداث ، فمنذ أن استشعر المواطن الخطر المحدق بحياته و عائلته من جراء انتشار فيروس كورونا حتى قطع مع مظاهر الهزل نحو الجد و مع التفاهة نحو التعقل و المعقول ، وقد راينا كيف تهاوت قنوات العبث و تعالت أصوات الحكمة و الوطنية ، و كيف تعالمت الدولة بالصرامة اللازمة مع الاستهتار بحياة المواطنين و مصلحة الوطن .
يتبع …..