الرئيسية آراء وأقلام حين يضيق الأفق في مرآةٍ واسعة.

حين يضيق الأفق في مرآةٍ واسعة.

IMG 20250113 WA0044
كتبه كتب في 13 يناير، 2025 - 6:29 مساءً


بقلم…معاذ فاروق

هناك، في صمت اللحظات الثقيلة، حيث يتصارع الضوء مع امتداد الظل، تبدو الحياة كأنها ساحة لصراع أزلي لا ينتهي. ليس صراعًا بين الحق والباطل، ولا بين القوة والضعف، بل صراع بين ما كان وما يمكن أن يكون. في ذلك المشهد، تُزرع بذور الغربة في أرضٍ يعرفها المرء جيدًا، لكنها ترفض أن تعرفه.إن أقسى ما يواجهه الإنسان ليس العداء الواضح، بل النظرة الغامضة التي تخفي خلفها تساؤلًا مريرًا: “لماذا أنت هنا؟” كأن الحضور بحد ذاته اعتداء على نظام الأشياء، وكأن كل محاولة للتجديد هي إعلان حرب على الركود الذي تحول إلى عادة.كيف يمكن لذاتٍ أن تُفهم في عالم يخشى التغيير؟ أن تسير بين الجموع وكأنك تتنفس هواءً آخر، تراه نقيًا لكنهم يرونه عاصفًا. كأنك غريب يحمل في جيبه خريطة لعالمٍ آخر، فيُنظر إليك بريبة، لا لأنك ضال، بل لأنك تعرف الطريق.أحيانًا، يبدو الزمن نفسه شريكًا في هذا الصراع، يمسك بيد الماضي . وحين يمد الحاضر يده، يجد نفسه وحيدًا، كمن يزرع وردة في صحراء تعشق الحجارة.لكن أي لومٍ يمكن أن يُلقى على حجرٍ يهاب الماء؟ وأي عتابٍ يمكن أن يوجه إلى جدارٍ يخشى السقوط أمام نسيمٍ جديد؟ إن ما يثقل الكاهل ليس الصراع بحد ذاته، بل محاولة تفسيره، وكأن الإنسان مطالب بأن يبرر وجوده في كل لحظة، لا لأنفسهم فقط، بل حتى لنفسه.وحين يطفح الكأس، ويصبح الرحيل فكرة تسكن الزاوية، لا يكون ذلك هروبًا من معركة، بل بحثًا عن فضاءٍ لا تتعارك فيه الخطوات. لكن العالم، بتقاليده التي لا ترحم، يرفض أن يفهم الرحيل كبحث عن سلام، بل يراه دائمًا كإعلان هزيمة، وكأن البقاء هو وحده الدليل على الانتصار.يا لهذه المفارقة المؤلمة: أن يَطلب الإنسان السلام في مكانٍ لا يعرف إلا الصراع، وأن يكون مطالبًا بحمل الشعلة في ممرٍ يخشى النور.لكن، ربما، هناك حكمة أعمق في كل هذا. ربما يُختبر الإنسان لا ليُهزم أو ينتصر، بل ليعرف أنه، في نهاية المطاف، ليس سوى مسافرٍ في طريق لا يحتاج إلى وجهة واضحة، بقدر ما يحتاج إلى صدقٍ مع نفسه.فلتكن الخطوات هادئة، ولو كانت على أرضٍ تهتز تحتها. ولتكن الأنفاس مطمئنة، ولو كان الهواء ثقيلًا. فما قيمة الرحلة إن لم تكن الروح هي الدليل؟

مشاركة