الرئيسية آراء وأقلام ” من اللامركزية إلى الديمقراطية”

” من اللامركزية إلى الديمقراطية”

IMG 20180923 WA0099.jpg
كتبه كتب في 23 سبتمبر، 2018 - 10:46 مساءً

إصدار جديد للأستاذ عبد الرحمن حداد

صدر للأستاذ الباحث عبد الرحمن حداد كتاب جديد بعنوان ” من اللامركزية إلى الديمقراطية”، وهو من منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس. والكتاب الذي جاء في 184 صفحة، يشكل حسب مؤلفه دعوة للتأمل في رحلة لم تكتمل بعد، كان من المفترض أن تنتقل معها اللامركزية إلى عهد جديد، عهد كان يطل علينا من الخطاب السياسي ومن مشاريع الإصلاح الإداري دون أن يجد له تجسيدا في واقع وظائف الجماعات الترابية وفي تمثلات الناس عنها. رحلة كان المأمول منها أن تنقل التدبير اللامركزي من رتابة وضيق التصور الإداري و”الإداروي” إلى رحابة المعيش المجتمعي، حيث تصير موضوعا لتملك جماعي.
يعتبر الباحث أن اللامركزية الترابية لا يمكن اختصارها في مجرد هيكل إداري أو واقع تنظيمي أو بناء قانوني. بل إنها أولا وأخيرا إطار للحياة اليومية للرجال والنساء، للشيب والشباب، للأفراد والتنظيمات. هي فضاء للعيش المشترك بين الناس.
قد يبدو،للوهلة الأولى، عنوان الكتاب ” من اللامركزية إلى الديمقراطية” مثيرا للاستغراب والتساؤل وحتى الاعتراض ربما. إذ أنه يحمل في ظاهره ومنطوقه شبهة التفريق بين اللامركزية والديمقراطية والتمييز بينهما. والحال أن كل أدبيات القانون الإداري والعلوم الإدارية تجعل من اللامركزية والديمقراطية توأمين لا ينفصلان، الأولى تجسيد للثانية، والأخيرة روح الأولى.
إلا أن الباحث يرى أن تقاطعات العلاقة التي جمعت حتى الآن اللامركزية الترابية بالمبادئ الديمقراطية، قد اعترتها الكثير من العتمة ومناطق الظل. إلا إذا اكتفينا من الديمقراطية بمفهومها الشكلي العددي، واعتبرنا أن التسجيل باللوائح الانتخابية والتنقل لمكاتب الاقتراع وإلقاء الورقة الفريدة في الصندوق الفريد، كافية للدلالة على ديمقراطية الشأن المحلي. بمعنى آخر، تصبح اللامركزية ديمقراطية عندما تنجح في التجييش وفي دفع الناس للمشاركة وعندما تنحصر في إحصاء الأصوات.

لقراءة علاقة اللامركزية بالديمقراطية، يقترح الأستاذ حداد العودة إلى تطور التنظيم الترابي المغربي من خلال تقسيمه إلى ثلاثة أجيال:

– الجيل الأول سماه الباحث جيل الغياب، غياب ديمقراطية محلية حقيقية، تم اختزالها في البعد الانتخابي ومشاركة السكان في الاستحقاقات الانتخابية. وقد يكون أيضا جيل الاستئناس بتجربة تدبيرية جديدة كانت في طور التشكل وتقتضي بالضرورة التمهل والحذر. ويعبر الميثاق الجماعي الصادر في 23 يونيو 1960 عن روح هذه المرحلة.

– الجيل الثاني هو،حسب الأستاذ حداد، جيل التوافق أو جيل التوازنات والذي أقر مبدئيا بالنضج النسبي للتجربة المحلية، مستفيدا من حالة التوافق التي سادت بين الفرقاء السياسيين في أجواء ما بعد المسيرة الخضراء. إلا أن هذا التوافق لم يصل إلى حد إقرار لامركزية ترابية كاملة ومستقلة وظل التعبير الديمقراطي محصورا مرة أخرى في بعده الانتخابي ليس إلا. ويعد الميثاق الجماعي الصادر في 30 شتنبر 1976 وما واكبه من تشريعات موازية حامل لواء هذه المرحلة.

– الجيل الثالث لم يتحقق بعد، بتعبير الأستاذ حداد!إذ يرى أن فلسفة ميثاق 1976 ظلت مهيمنة وحاضرة في كل التعديلات والإصلاحات التي توالت بعد ذلك. ورغم أن القوانين التنظيمية التي صدرت عام 2015 في سياق دستور 2011 قد أضافت بعض البهارات التشاركية للمجالس المحلية، فإن ذلك لم يشفع لهذه النصوص لتؤسس لمنظور ترابي جديد قوامه المقاربة الحقوقية والمشاركة الفعلية للمواطنين والمواطنات وتنظيمات المجتمع المدني في بلورة مشروع ترابي يحقق شروط العيش المشترك بين الناس. لقد نجح دستور 2011 في رسم ملامح تجربة ترابية جديدة، إلا أن تنزيل ذلك على المستوى التشريعي والتنظيمي لم ينجح في التخلص من شبح ميثاق 1976.
نوال فهمي : أستاذة باحثة

مشاركة