في تطور صادم، اهتزت المدرسة العليا للتكنولوجيا بسلا على وقع محاولة انتحار مأساوية لأحد الأعوان العاملين عبر شركة مناولة، بعد اتهامه بسرقة حاسوب شخصي لمدير المؤسسة، في واقعة سلطت الضوء على سلسلة من الاختلالات والتجاوزات التي تعرفها هذه المؤسسة الجامعية العمومية.
وبحسب معطيات توصلت بها صوت العدالة، فقد جرى اكتشاف واقعة السرقة خلال ندوة دولية أثارت جدلًا واسعًا، إثر عرض متدخلة إيطالية لخرائط مبتورة للمملكة المغربية لا تتضمن أقاليمنا الجنوبية، ما دفع رئيس الجامعة إلى استفسار مدير المؤسسة حول خلفيات الحدث، غير أن هذا الأخير لم يبادر إلى إبلاغ رئاسة الجامعة ولا الأجهزة الأمنية، في سلوك اعتبره عدد من المتتبعين تستراً غير مبرر عن واقعة تمس السيادة الوطنية والمؤسسة معًا.
المدرسة، التي سبق أن عرفت حوادث سرقة متكررة شملت قاعات دروس ومعدات تقنية، لم تشهد في أي من هذه الوقائع فتح تحقيق رسمي أو إشعار النيابة العامة، ما جعل دائرة الشك والاتهام تشمل الجميع: من الطلبة إلى الأعوان إلى عاملات النظافة. وقد بلغ الأمر حدًا مأساويًا حينما حاول عامل نظافة الانتحار من فوق سطح إحدى البنايات بعد اتهامه بالسرقة، لولا تدخل بعض الموظفين والأعوان الذين حالوا دون وقوع الكارثة.
ويطرح هذا الوضع تساؤلات حارقة حول أسباب عجز إدارة المؤسسة عن تأمين الحرم الجامعي، رغم الصفقات الضخمة التي خصصت للحراسة وتركيب كاميرات مراقبة يفترض أن تغطي جميع مرافق المؤسسة. وتفيد مصادر من داخل المؤسسة أن أشغال تركيب الكاميرات تُسند للأعوان والتقنيين الداخليين بدل الشركات المتعاقدة، في خرق صريح لبنود الصفقات. كما توصلت المفتشية العامة للتعليم العالي، بحسب مصادرنا، بصور توثق قيام أعوان وموظفين بأشغال بناء داخل المؤسسة، في تجاوز خطير للقانون والمساطر الجاري بها العمل.
وما يضاعف من حدة القلق داخل المؤسسة، هو الخوف المتنامي وسط الأطر الإدارية والتربوية من ضياع وثائق حساسة كالمحاضر، والنقط، والديبلومات، ومشاريع البحث، وملفات الصفقات، في غياب الثقة في منظومة الحراسة، خاصة بعد اختفاء الحاسوب الشخصي للمدير، الذي تشير مصادر إلى أن قيمته تفوق خمسة ملايين سنتيم، في إطار صفقة مثيرة للجدل لاقتناء حواسيب باهظة الثمن وُزعت على مقربين من الإدارة، في حين يعاني الأساتذة والطلبة من غياب التجهيزات الأساسية للعمل البيداغوجي، بحسب ما صرّح به مصدر نقابي من داخل المدرسة.
وأمام هذه التطورات، يطالب أساتذة المؤسسة وزارة التعليم العالي بفتح تحقيق شفاف ومعمق، للوقوف على ملابسات عمليات السرقة، ومصير الصفقات، ومدى احترام الإدارة للضوابط القانونية في التسيير والتجهيز، حفاظًا على أمن المؤسسة وصورة التعليم الجامعي العمومي.
في انتظار نتائج التحقيق ـ إن تم ـ يبقى السؤال المطروح بقوة: هل تتستر الإدارة على وقائع أخطر؟ وهل هناك من يسعى لإبقاء المؤسسة في دائرة الغموض والفوضى