ماذا لو عادت بنا الأيام إلى الوراء؟
ماذا لو منحتنا الحياة فرصة العودة إلى الوراء؟ هل كنا سنسلك نفس الطرق ونصافح نفس الوجوه؟ هل كنا سنخوض نفس المعارك، ونسكب ذات الدموع، وندفع أثمانًا باهظة من عمرنا وأعصابنا في سبيل من لا يستحق، بينما نتجاهل من كان حريًّا بنا أن نتمسك به، أن نحفظ له ودّه، ونصون حضوره في حياتنا؟
الزمن لا يعود، لكنه يترك فينا ندوبًا لا تُرى، ومراجعات مؤلمة في لحظات الصمت الطويل. كم مرة شعرنا أننا لم نكن في المكان الصحيح، ولا مع الأشخاص المناسبين؟ كم مرة اختلط علينا النفاق بالصدق، والكولسة بالنية الطيبة، فخسرنا معارك لم نختر خوضها، فقط لأننا وجدنا أنفسنا داخل دوامة من الأحقاد والحسد والكراهية، لم تكن من صنعنا ولا تشبه قلوبنا؟
ماذا لو خُيّرنا من جديد، وامتلكنا وعي التجربة بعد أن سقطت الأقنعة وانكشفت الوجوه؟ هل كنا سنفتح الأبواب ذاتها؟ هل كنا سنسلم أرواحنا لذات الدوائر السامة، ونعيد الثقة لأشخاص باعونا عند أول مفترق؟ هل كنا سنصمت أمام الظلم ونخجل من الدفاع عن الحق خوفًا من التشويه أو العزل أو الطعن في الظهر؟
ربما لو عادت بنا الأيام، لاخترنا ببساطة أن نكون صامتين حين يجب الصمت، وأقوياء حين تقتضي الكرامة أن نقول “كفى”. لاخترنا أن نعيش بكرامة على هامش النقاء، بدل أن نحيا في قلب الزيف محاطين بالضجيج والتكالب والتصفيق الزائف.
ما أصعب أن تكتشف أن أكثر ما أضرّك لم يكن من عدوٍ ظاهر، بل من قناعٍ مألوف! وما أقسى أن تُجبرك الحياة على تقمص أدوارٍ لا تشبهك، فقط لأن محيطًا ما قرر أن يضعك داخل صراعات لم تكن يومًا من اختيارك.
لكن رغم ذلك، لعل كل ذلك لم يكن عبثًا. فحتى الوجع كان درسا، والخذلان كان بوابة للوعي، والخسارات لم تكن سوى إشارات كي نعيد رسم خارطة علاقاتنا واختياراتنا.
ولو عاد بنا الزمن، قد لا نغيّر الأحداث، ولكننا حتمًا كنا سنختار أن نُحبّ بحذر، ونثق بحكمة، ونُغادر قبل أن نُطعن، ونقفز من السفينة قبل أن تغرق ونحن نعلم أنها مثقوبة.
فالحياة لا تُقاس فقط بما عشناه، بل بما تعلّمناه