الرئيسية أخبار وطنية كيف استغلت إسرائيل هجوم السابع من أكتوبر للتسريع ب” صفقة القرن ” والسر وراء تصريحات ترامب شراء غزة

كيف استغلت إسرائيل هجوم السابع من أكتوبر للتسريع ب” صفقة القرن ” والسر وراء تصريحات ترامب شراء غزة

IMG 20250211 WA0058
كتبه كتب في 11 فبراير، 2025 - 8:56 مساءً


بقلم : هشام الصميعي

بعد انتهاء صفقة الرهائن والهدنة المؤقتة، هل يمكننا استباق المشهد و الحديث عن سلام دائم في الشرق الأوسط ، كيف كشف دونالد ترامب بتصريحه بتهجير الفلسطينيين الى سيناء والأردن واقتناء غزة من اسرائيل عن إجرائه منذ ولايته الأولى المسمى ب”صفقة القرن ” والتلويح بانتداب أمريكي جديد على غزة ، خدعة اتفاقات المراحل بالدوحة ، هذا في الوقت الذي ينظر فيه أغلب الساسة الأمريكيين في إدارة ترامب ، أن حل الدولتين أصبح من الماضي وأن وضعية القدس باتت خارج أي تفاوض.
 تساؤلات نطرح على ضوئها ، قرائة أحدات السابع من أكتوبر قرائة واقعية ، مع طرح أسوء السيناريوهات فالسياسة بمفهومها الدقيق كفن للحرب ، لا تتفائل إلا  بوجود القوة الكفيلة بتحقيق الإرادة السياسية ، كمحرك للأحداث أمام ضعف تأثير مؤسسات المجتمع الدولي وتدبدب عربي .

السابع من أكتوبر : صدمة إسرائيل ودمار غزة

هناك دائما تفظيلا للإسترتيجيين للتعريف الذي منحه كلاوزفيتش للحرب ، على أنها امتداد للسياسة، لكن بأشكال عنيفة ومن هذا التعريف لاتبدو الحرب كغاية في حد داتها بل هي أسلوب عنيف، لفرض الإرادة السياسية على الخصم ، فبقدر ما أماط هجوم السابع من أكتوبر الذي قادته حماس ضد اسرائيل،  اللتام عن ترهل نظرية الأمن الإسرائيلي , كشف الهجوم الخاطف الذي قادته مجموعات بأسلحة فردية خفيفة ، أنها دولة غير آمنة ، فقد كتب بن كسبيت، المحلل السياسي الأبرز في صحيفة معاريف في ذكرى هجوم 7 أكتوبر:” أن إسرائيل خانت مواطنيها واصفا ما حدث “بالكارثة الوطنية” التي تتطلب عقودا من أجل التعافي” ، في نفس المنحى ،رأت المحللة السياسية الاسرائيلية سيما كدمون :” أن المجتمع الإسرائيلي يعاني من “صدمة وطنية” منذ وقوع الأحداث” صدمة ستمتد آتارها الاجتماعية والنفسية لعقود من الزمن”.
لذلك فاحداث السابع من أكتوبر تشكل فارقا هو الأكبر في تاريخ دولة اسرائيل, ربما لايفوقه إلا انهيار جدار بارليف في حرب أكتوبر 1973 ، لأنها جردت الدولة العبرية من وتوقية الأمن وجاهزيتها للدفاع عن مواطنيها وحمايتهم وبالتالي، فان هذه الأحدات قسمت ظهر هجرة اليهود من الشتات الى اسرائيل الشريان الرئيسي، الذي تعتمد عليه الحركة الصهيونية في إمداد الخريطة الديموغرافية لدولتها، بل أكتر من ذلك فقد دفعت الحرب ضد حماس بهجرة معاكسة من إسرائيل، الى انحاء متفرقة من العالم و أيقضت المخاوف و الشكوك في بقاء الدولة العبرية واستمرارها  .

فإذا كانت حركة حماس قد راهنت على أنها ستجبر اسرائيل بهذا الهجوم الخاطف على التفاوض ، وهو ما نجحت فيه في النهاية ، لكن بتكلفة جد باهضة لأنها لم تكن تدرك ما يسميه الخبراء العسكريون سوء تقدير ردة الفعل المعاكس ، فمن يهتف بالنصر ، مقابل تحرير مئات السجناء في مقابل الدمار الشبه الكامل لغزة ومئات الآلاف من القتلى والمعطوبين في أوساط المدنيين الفلسطينيين ،هو بكل تأكيد يقفز عن أية قرائة عقلانية أو حتى نظرة إنسانية لمن يتألمون تحت سماء غزة المدمرة ، ويركض ربما هاتفا بعواطفه العمياء المثقلة بالهزائم النفسية فوق سكة من الجمر المتقد.
 
والأنكى من ذلك، أن الهجوم الذي لايخرج عن تكتيكات  البدائية الكر والفر ، منح لإسرائيل فرصة ثمينة في إعادة رسمها للخرائط وأعطاها مبررا لتوسيع نطاقها الآمن ليس فحسب بغزة،  بل في الظفة وغور الأردن ولبنان وسوريا ومنح إسرائيل، فرصة شطب محور فيلاديلفيا من السيطرة المصرية ،على عكس نص معاهدة كامب دايفد وجعل هذه الأخيرة تقف عاجزة على فتح معبر رفح ، بل شرعت الدولة العبرية تتطلع بعينها على سيناء .

لا نريد أن ندخل في هذه المقالة في تماهي واستهلاك القضية الفلسطينية، في تماس ومصالح اللاعب الكبير في المنطقة إيران ، وكل ما يهمنا هو كيف سرع هجوم السابع من أكتوبر الذي قادته حماس ،  بالشروع في تنفيذ بعض طروحات صفقة القرن ومنح إسرائيل، الفرصة أن تتسيد مجددا على عرش السياسة الأمريكية !

صفقة القرن : حلم اسرائيل القديم “الترونسفير” والشرق الأوسط الجديد
بالرغم من أن العديد من الخبراء العرب يرون في هذه الصفقة بعدا خياليا، متأثرين في ذلك برفض نظرية المؤامرة فإنها ليست صنيع اليوم بل ابتدأت فعليا منذ 6 ديسمبر 2017 واستتبعتها إجراءات تقع في صلب خططها ، اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل وإصدار واشنطن لقانون …. والتلويح بوقف المساعدات عن الأردن والسلطة الفلسطينية بل وحرمان هذه الأخيرة من حصتها في الضرائب وتصفية منظمة الأونروا باستهدافها في الحرب بعد السابع من أكتوبر ، وتقديم التطبيع قبل أية مبادرة للسلام بين إسرائيل والدول العربية وبذلك إسقاط معاهدات السلام السابقة من اتفاق أوسلو و اتفاق كلينتون وجورش بوش واقتراحات حل الدولتين ، وهذه الإجراءات نصت عليها صفقة القرن بتفصيل .
كما نصت  الخطة عبر مراحل على العديد من النقط تفصيلية نركز فيها على مايلي  :

  • إنهاء حماس وتصفية ملف اللاجئين الفلسطينيين من خلال مقترحات التوطين والتهجير الجماعي .
  • خلق كنفدرالية بين الدولة الفلسطينية المؤقتة والأردن ، تكون هي المركز لمن يريد العودة أو مايسمى بالوطن البديل .
    *ضم اسرائيل للكتل الاستيطانية الكبرى ،في الضفة الغربية والابقاء على الغور تحت السيطرة المباشرة .
  • ضم أجزاء من شمال سيناء للقطاع ليكون في تمام استيعاب الديموغرافيا وخلق مشاريع استثمارية تشغل تلتي سكان القطاع وثلث ساكنة سيناء .

 لقد استغلت حكومة نتانياهو بيمينها المتطرف بدهاء أحداث السابع من أكتوبر ، لتقوم بما يسميه الديبلوماسيين “مسح الطاولة ” أو الطاولة الجرداء لتظل المبادرة المطروحة ، أحادية الجانب بما يسميه نتنياهو في أدبياته بالسلام مقابل السلام ولفرض خياراته على الفلسطينيين، بالقوة بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية ، وتصفية القضية الفلسطينية على طريقة الهنود الحمر ،” تحت شعار ما توصلت له اسرائيل من اتفاق مع الفلسطينيين ، سيقبله بقية العرب” لأنهم لن يكونوا أكثر فلسطينية من الفلسطينيين وذلك بحسب مضامين الخطة .

صفقة القرن، ليست صنيعة اليوم،  فمنذ سنوات نشر مقطع صوتي للرئيس المصري الراحل حسني مبارك على الأنترنيت ، يوضح رفض الأخير لضغوطات نتانياهو إزاحة قطاع غزة إلى سيناء وتوطين الفلسطينيين بمصر ، وجاء نشر هذا المقطع ، في حينه ردا على وثائق نشرتها ال -بي- بي -سي- ، تفيد أن الرئيس المصري الراحل وردا على الطلب الأمريكي ,أبدى موافقة مبدئية على توطين الفلسطينيين بسيناء ، وذلك في إجتماع رسمي مع مارجاريت تاتشر بلنذن سنة 1983 اتر عودته من واشنطن، بعد لقائه بالرئيس الأمريكي رولاند ريغن.
 وهي لا تتوقف عند القضية الفلسطينية بل تتعداه إلى الدمج الكامل لإسرائيل واعتبارها كشريك إستراتيجي وحليف في مواجهة الأخطار المشتركة بالمنطقة . وتحويل تلأبيب إلى محور رحى للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتغيير خريطة الدول الشرق أوسطية لتفتيتها الى كيانات تحت مسميات الدول الفديرالية كخطوة أولى لتقسيمها  إلى كما هو منشور في خريطة الشرق الأوسط التي تعتمدها بعض مراكز الدراسات العسكرية الأمريكية  .

غزة : “القنبلة الديموغرافية” قلب الشرق الأوسط الجديد

منذ فجر التاريخ بوء الموقع الإستراتيجي لغزة هذه الأخيرة أن تكون مطمعا لكل الإمبراطوريات للسيطرة على الشرق الأوسط، فبسقوطها تمكنت الإمبراطورية الآشورية في الألف  قبل الميلاذ من السيادة على القدس و كل الشام، كما تمكن الأسكندر المقدوني بعد الإستيلاء عليها بعد مقاومة عنيفة في القرن التالت قبل الميلاد  ، من أن تنفتح أمام قواته لبنان ومصر بسهولة بل أن يحكم العالم القديم بكامله ، ويورد التاريخ دهاء المملوكي الطاهر بيبرس الذي أدرك في مهب الغزو الموغولي أن دخول هؤلاء إلى غزة،  سيسقط مصر في أحضان هولاكو لذلك استبق الأمر ليعترضهم على مشارفها بعين جالوت وأن يلحق بهم الهزيمة .

اليوم وفي سياق تغير طرق التجارة وتلهف شركات الطاقة على الشرق الأوسط وطموح ترامب إلى نمط إمبراطوري لحكم العالم  ، يمكن أن ندرك أن غزة تشكل قلب العالم الجديد، في صراع أمريكا مع القوتين في الشرق وأعني الصين وروسيا ، فالسيطرة الأمريكية على غزة سيمكنها من ضرب طريق الحرير الجديد كشريان للتجاة الصيني ، والاستغناء عن النفط والغاز الروسي ومن تم ضرب عصفورين بحجر واحد ، ولعل هذا ما يفسر حلم والسعي المحموم لترامب بتملك غزة في سياق طموح إمبريالي تقف خلفه عشرات الشركات المتعددة الجنسيات ، لتحويلها إلى قاعدة لممر التجارة العالمية  وتدفق الطاقة من الخليج عبرها  الى أوروبا وأفريقيا والسلع الى الهند ودول آسيا ، هذا المشروع الإقتصادي سيجعل من اسرائيل سمسار للطاقة العالمية وسيضرب في الصميم كل من قناة السويس و وممر البحر الأحمر ،اللذين لن تعودا لهم أهمية إستراتيجية ، والسيناريو الوحيد الذي تتخوف منه أمريكا في هذا الطموح النيوكولونيالي الجديد هو الصدام الكبير  مع تحالف الحضارات المكونة لدول المنطقة  واتحادها في حلف واحد ضد هيمنة القطب الوحيد المتغطرس بالقوة ، وهو السيناريو الذي تحدث عنه الخبير صامويل هنتنتونغ في كتابه صراع الحضارات، وسبقته النبوؤات الثوراتية تحت اسم حرب هرمجدون .

في كتابه “مكان تحت الشمس “أو” مكان بين الأمم” ، يتحدث نتنياهو في فصل من كتابه عن القنبلة الديموغرافية التي تشكلها غزة ، فالمعركة كما قال في كتابه تدار اليوم في” الرحم ” ورغم أنه استخف في كتابه من توقعات كبار الديموغرافيين بإمكانية اضمحلال إسرائيل  وزوالها،  تحت تأتير النمو الديموغرافي للفلسطينيين ، ونضوب هجرة اليهود إلى إسرائيل وتزايد نزيف الهجرة العكسية فإنه يطرح في كتابه حل “الترونسفير” أو تهجير الفلسطينين الذين ينظر لهم كأقلية ، وتوسع إسرائيل الذي لم يعد يتسع لها الشريط الساحلي الضيق بحسبه ، فإنه يجد في هاذين العاملين وتحويل اسرائيل الى قوة إقتصادية لاستعادة هجرة اليهود الى اسرائيل، كخيار لانقادها من مخاوف الإضمحلال .

فبين تقاطع إنقاد إسرائيل من الزوال والتوسع الإمبريالي في الشرق الأوسط، التي تقف خلفه الشركات المتعددة الجنسيات والنبوءات الثوراتية المغدية للفكر الإنجيلي ، تلوح صفقة القرن مجددا بقوة متغطرسة  لاحدودة لها عنوانها :” أحببتم أم كرهتم ” كما يردد ترامب على مسامع الجميع  !
 

مشاركة