تشهد تونس فصلاً جديداً من التوتر القضائي والسياسي، بعد أن قررت المحكمة المكلفة بالنظر في ما بات يُعرف إعلامياً بـ”قضية التآمر على أمن الدولة” حجز الملف للمداولة دون السماح لهيئة الدفاع بمناقشة القضية مع المتهمين أو تقديم دفوعاتهم الموضوعية، في خطوة أثارت صدمة واسعة في الأوساط الحقوقية والقانونية.
ورفضت المحكمة بشكل قاطع جميع طلبات الدفاع، بما فيها الملتمسات الرامية إلى مناقشة الملف على ضوء المستجدات، أو تمكين المتهمين من الحديث أمام هيئة الحكم. واعتبرت المحكمة الملف جاهزاً للحكم، لتقرر بشكل مفاجئ حجزه للمداولة والنطق بالأحكام، دون تمكين الدفاع من القيام بدوره، الأمر الذي وصفته هيئة الدفاع بـ”المهزلة القانونية غير المسبوقة في تاريخ القضاء التونسي المعاصر”.
وقد أعلنت هيئة الدفاع، في موقف موحّد بما في ذلك المحاميين المغربيين الأستاذ المهدي فضة و الأستاذ محمد أمين بوفي، سحب مؤازرتها عن المتهمين، احتجاجاً على ما وصفته بـ”الانحراف الجسيم بالإجراءات وضرب أبسط ضمانات المحاكمة العادلة”، معتبرة أن ما جرى “يُفرغ العدالة من معناها، ويحوّل المحاكمة إلى مجرد إجراء شكلي لتزكية أحكام جاهزة”.
هذا الانسحاب المفاجئ للدفاع جاء بعد تسريبات تم تداولها على نطاق واسع، تشير إلى أن الأحكام التي ستصدر في حق المتهمين ستتراوح بين السجن المؤبد والإعدام، ما اعتبرته منظمات حقوقية ومراقبون دوليون “انحداراً خطيراً في احترام حقوق الإنسان وخرقاً جسيماً لمبادئ العدالة وقرينة البراءة”.
وتُعد هذه القضية من أكثر الملفات إثارة للجدل في الساحة التونسية، إذ يُتابع فيها عدد من النشطاء السياسيين والحقوقيين بتهم ثقيلة تتعلق بـ”التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”، وسط اتهامات متبادلة بين السلطة القضائية والحقوقيين بشأن استقلالية القضاء ومصداقية المتابعة.
وأثار مسار المحاكمة، منذ انطلاقه، الكثير من علامات الاستفهام، خاصة في ظل ما وصفته أطراف دولية بـ”الاستخدام المفرط للتهم السياسية لإسكات المعارضين”، الأمر الذي يضع تونس في مرمى الانتقادات الدولية، ويطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل الحقوق والحريات في البلاد.
وبينما يترقب الرأي العام التونسي والدولي مخرجات هذه المحاكمة الثقيلة، يتزايد القلق من أن تشكل هذه القضية سابقة خطيرة تُكرّس تراجع الحقوق الأساسية للمواطنين، وتُقوّض مبدأ استقلال القضاء، في ظرفية دقيقة تمر بها البلاد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.