الرئيسية آراء وأقلام شهادة الزور وتأثيرها على المجتمع والقضاءقصة “حديدو” بخنيفرة نموذجًا للظلم الصامت

شهادة الزور وتأثيرها على المجتمع والقضاءقصة “حديدو” بخنيفرة نموذجًا للظلم الصامت

images 3
كتبه كتب في 20 أبريل، 2025 - 8:34 مساءً

صوت العدالة- عبد الكبير الحراب

تُعد شهادة الزور من أخطر الجرائم التي تهدد منظومة العدالة في أي مجتمع، إذ تُحوّل قاعة المحكمة من منبر للحق إلى مسرح للباطل. إنها ليست مجرد مخالفة أخلاقية، بل سلاح يهدم حياة أبرياء، ويُفلت المجرمين من العقاب، ويُفشي الظلم في النفوس.

حديدو، رجل ستيني من مدينة خنيفرة، يعمل راعيًا للغنم، وأب لخمسة أطفال. عاش حياة بسيطة، بكرامة وهدوء، إلى أن وجد نفسه فجأة في قلب قضية لا يعلم عنها شيئًا. ثلاثة شهود وقفوا أمام المحكمة وأدلوا بشهادات كاذبة، زعموا فيها أن حديدو كان في موقع الجريمة، رغم غياب أي دليل مادي يربطه بالواقعة.

أُدين حديدو بعشر سنوات سجنًا نافذًا، ودخل السجن مكسورًا، تُلاحقه صدمة الظلم، ويقاسي مرارة الفراق عن أبنائه وزوجته، الذين عانوا من التشتت والفقر والوصمة الاجتماعية.

بعد خمس سنوات من المعاناة خلف القضبان، لم يفقد أخ حديدو الأمل، فرفع شكاية وقدم ملتمسًا لإعادة فتح القضية. وهنا حدث ما لم يكن متوقعًا: أحد الشهود الثلاثة تراجع عن أقواله واعترف بأنه شهد زورًا، وأن شهادته كانت ملفقة، ربما تحت ضغط أو مصلحة ما.

هذا الاعتراف فتح باب الحقيقة، فأعيدت مراجعة الملف، وصدر حكم بالبراءة في حق حديدو، وتم الإفراج عنه بعد خمس سنوات من الظلم الصارخ.

قضية حديدو ليست حالة معزولة، بل مرآة لما يمكن أن تُسببه شهادة الزور من دمار. إنها لا تضر الضحية وحده، بل تضرب أسرته، وتُشوه سمعته، وتُدمر مستقبله، بل وتهدد مصداقية القضاء نفسه.

فمن غير المقبول أن يُزج بأب بريء في السجن، ويُحرَم أطفاله من حنانه، بسبب شهادة لا ضمير فيها. ومن غير المقبول أن تُترك شهادة الزور دون رادع، وكأنها مجرد خطأ عرضي لا عواقب له.

ينبغي على القضاء أن يتعامل بصرامة مع شهود الزور، وأن يُطبّق القانون في حقهم دون تهاون.

يجب توفير آليات تحقيق دقيقة لفحص الشهادات، خاصة في القضايا التي تفتقر للأدلة المادية.

كما ينبغي ترسيخ الوعي المجتمعي بخطورة شهادة الزور، وتربية الأفراد على أن الشهادة أمام الله قبل أن تكون أمام القانون.

قصة حديدو تذكّرنا بأن العدالة تحتاج دائمًا إلى الحيطة والحذر، وأن الكلمة التي تُقال أمام القضاء قد تُغير مصير إنسان بالكامل. لذلك، من المهم أن نُدرك خطورة شهادة الزور، وأن نعمل جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، على ترسيخ مبادئ الصدق والنزاهة في نفوس الناس.

فإنصاف المظلومين ليس فقط مسؤولية القضاء، بل هو واجب مجتمعي وأخلاقي، لأن بناء الثقة في العدالة يبدأ من احترام الحقيقة، ومن حماية الأبرياء من شهادات قد تكون عواقبها مؤلمة وطويلة الأمد.

مشاركة