الرئيسية آراء وأقلام راقي بركان هل هو مختل أم محتال ؟

راقي بركان هل هو مختل أم محتال ؟

IMG 20181221 WA0089.jpg
كتبه كتب في 21 ديسمبر، 2018 - 8:35 صباحًا

 

بهضاض محمد طه / صوت العدالة.

 

 

بعد الضجيج الإعلامي الذي تلا تداول مواقع التواصل الاجتماعي لفيديوهات نازلة ” راقي بركان ” و ما صاحبته هذه الأخيرة من استياء و غضب المجتمع المغربي و خصوصا ساكنة الجهة الشرقية ، ارتأينا كمراسلين و باحثين في علم النفس التطرق لهذه الظاهرة لما تحمله من دلالات و أبعاد اجتماعية ، نفسية ، دينية و ثقافية .
بعيدا كل البعد عن ما يروج حولها من أخبار كاذبة كانت أم صحيحة و التي تدحض بشكل واضح حمل الجاني لكلام الله و امتهانه ” الرقية الشرعية ” ، بل أبعد من ذلك كونه مقاولا مشروعه هتك أعراض الناس و تشويه سمعتهم عن طريق نشر فيديوهات توثق جرائمه و شذوذه . فما أثار انتباهنا هو نفسه الدافع الذي جعلنا نتحدث عن هذه الظاهرة ، و هو الغياب الشبه التام لأي توضيح أو بيان يتطرق للحالة النفسية و العقلية للجاني و التي تعتبر المحرك الأساسي لنزواته و سلوكه الشاذ ، المنافي للقيم الدينية و الخارج عن القانون . و هو ما يوضح حجم الجهل الذي ينخع في نفوس و عقول المواطنين الذين يفضلون اللجوء ” للرقاة ” بدل أصحاب الاختصاص سواء كأطباء، أخصائيين أو استشاريين نفسين في الكشف و علاج معاناتهم ، اضطراباتهم و أمراضهم النفسية و العقلية.
فهل النازلة متعلقة بعدم سواء و أهلية الجاني نفسيا و عقليا ما مهد لتفاقم هذا السلوك ؟ أم لها باستغلاله ضعف عقول و قلوب و جهل العامة و ما يحملونه من صور نمطية و تمجيد للرقاة الشرعيين و الثقة العمياء بهم حول قابليتهم على ما يسمى ” صرع الجن ، فك السحر ، العين و التوكال الخ… ” من وجهة نظر التنشئة الاجتماعية ، الجهل و الثقافة المبنية على الخرافات و التي تساهم في ترسيخ هذه الأفكار و انتشارها ، أو ما يعرف من منظور علم النفس بعلاج الاضطرابات و الأمراض النفسية و العقلية (حالات الهيستيريا ، الفصام الخ …) .

إننا اليوم أمام ظاهرة تمثل في جوهرها حجم المعانات النفسية للأفراد المسلمة و غير المسلمة ، المثقفة و غير المثقفة ، التي إذا ما دلت على شيء و إنما تدل عن مدى أهمية الجانب الروحي و العقائدي في البناء السوي لشخصية الإنسان و سلوكه . يمكن القول أن أكثر الناس عرضة للقيام بمثل هذا السلوك الغير سوي هم أولائك الذين كانوا ضحايا له في فترة معينة من حياتهم ، فيعيدون إحياء نفس السيناريو وفقا لشروطهم ، رغباتهم و نزواتهم و ربما أكثر حدة و تطرفا ليصل في أقصى درجاته إلى سلوك مرضي و غير قانوني كالقتل أو التعذيب أو تشويه سمعة الآخرين الخ … ، فاللاسواء كمفهوم يدل عن الاضطراب و المرض العقلي لا ينحصر بين المثقفين ، المؤمنين و المسلمين من غيرهم بل يشمل جميع الفئات دون أي تمييز ، و هو ما يجعلنا نعيد التفكير في حجم التمجيد و الاهتمام و الثقة التي نوليها لحاملي كتاب الله المفروض خلوهم من العلل و النزوات …
إن ارتفاع معدل مثل هذه الحالات و التي أصبحنا نسمع عنها باستمرار ناتج بشكل كبير عن الجهل المزمن الذي ترسخه التقاليد و الأعراف و العادات تحت ظل غياب التوعية بأهمية علم النفس و الطب العقلي في علاج ما يتداول لدى الرقاة وما يسوقون له على أساس انه نابع من أرواح شيطانية و نشاطات خارقة للطبيعة …
أكدت الدراسات و البحوث منذ سنوات مضت أن الأعراض التي تظهر لدى الأفراد الغير سويين الذين يفترض أنهم ” ممسوسون من طرف الجن ، أو متأثرون بالشعوذة أو التوكال الخ… ” أنها نفسها الموجودة لدى حالات الفصام و التي تتميز بعدم القدرة على تمييز الواقع و الهلوسة السمعية و البصرية (2013، قُدر بأن هناك حوالي 23.6 مليون حالة حول العالم) ، و أيضا حالات الهستيريا و التي تشمل خللا في الأعصاب الحركية و الحسية لتظهر أعراضا جسمية دون أي أساس عضوي و التي تشمل العمى و الصمم الهستيريين اضطراب السلوك و الكلام الخ… بالإضافة للعديد من الاضطرابات و الأمراض النفسية و العقلية .
إن الإسلام بنظرياته يشبه إلى حد كبير نظريات التحليل النفسي فيما يتعلق بالغرائز و التي تحدد بدورها – إذا ما وجهت التوجيه الحسن – الإضرار أو إفادة بناء شخصية الأفراد و بالتالي سلوكهم ، فكل ما يجب على الفرد القيام به هو ممارسة غرائزه وفق ما هو مطلوب و مسموح به و ليس التخلص منها و إبادتها أو ممارستها على حساب الآخرين .

عزيزي القارئ لا أحاول المس بأي شكل من الأشكال بمعتقداتك بقدر ما أحاول تنويرك و مساعدتك للتفكير في العديد مما يتم إيلاجه إلى عقلك الباطن عن طريق محيطك و ثقافتك . فالي متى ستجعل من يدعون تقربهم لله عز وجل الاستيلاء على حريتك في التفكير تفكيرا وجوديا و عقلانيا ؟ و إلى متى سيبقى علم النفس و الطب العقلي حبيسا لخزعبلات الثقافة، الأعراف و الدين و الناس يعيشون في معاناة و ظلال مبين ؟

مشاركة