لا يمكن البحث في معرفة أي بلد من غير الوقوف على تاريخه، وإن تحدثنا على المغرب بالخصوص سنقول أنه تاريخ دائم مترسخ في جذور الأمة.
معركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914، ومعركة أنوال بالريف من 1921 إلى 1926، ومعركة بوغافر بورزا زات، ومعركة جبل بادو بالرشيدية سنة 1933، وما إليها من الملاحم والمعارك البطولية، ثم تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 والتي جسدت قوة إرادة التحرير لدى العرش والشعب، والخطاب التاريخي في يوم 9 أبريل 1947، الذي قام به المغفور له محمد الخامس بمدينة طنجة
ليلة عيد الأضحى يوم 20 غشت 1953، رمز تبادل المقاومةالمغربية ملكها الحب والتضحية، والوفاء، الملك الذي لم يتنازل عن مبادئه وقناعاته وفضل السيادة الوطنية وصون عزة وكرامةالشعب رغم كيد الاستعمار الذي حاول بكل قوة أن يرسخ فكرةأن المغرب غير قادر على تدبير شؤونه، حيث تم نفي بطل التحريرالمغفور له الملك محمد الخامس، والمغفور له الملك الحسن الثانيوالأسرة الملكية إلا أن ذلك لم يثن الشعب المغربي الأبي عنمواصلة كفاحه الوطني.
تشكل ذكرى ثورة الملك والشعب، حدثا بارزا راسخا في ذاكرةالمملكة باعتباره محطة حاسمة من أجل طرد المستعمر واسترجاعالسيادة الوطنية، ثورة فريدة من نوعها سرعت من وثيرة حصولالمغرب على استقلاله بعد 44 سنة فقط.
ويشكل تخليد الملحمة التاريخية، مناسبة لاستحضار أحداثتاريخية جوهرية في بناء المغرب الحديث بمعاني متجددة لبناءوإعلاء صروح الوطن وصيانة وحدته الترابية.
من هنا كيف يمكن الحديث عن الاعتزاز بالهوية المغربية التي حارب من أجلها الملك والشعب؟
تأسست الحركة الوطنية تنظيميا، وجعلت من النضال من أجلاللغة العربية والدين الإسلامي بعد صدور “الظهير البربري” سنة 1930، فقامت بصياغة الهوية المغربية انطلاقا من هذين العنصرين، وهو ما اتخذته الدساتير مبدأ لها منذ 1962 الذي يرتكز على المرجعية التقليدية والموروث السياسي المغربي.
وانتهاء بدستور 2011، الذي أفرد حيزا واسعا لمقتضيات تنهل منالمرجعية الحديثة، دون أن يقطع مع الثوابت الدينية والتاريخية، مؤكدا على تجديد العهد المقدس بين الملك وشعبه.
وإذا كانت الهوية هي ما به يكون الشيء هو هو، مما يحقق ذاتهويحدد تميزه، فإنها بالنسبة لأي مجتمع وعاء ضميره ومشاعره، فإن المملكة المغربية حريصة، على التعبير على الانخراط فيمقتضيات العصر الحديث وذلك من خلال الانتقال بالهوية الوطنيةمن مجرد أفكار ومعتقدات إلى معيار دستوري مرتبط بمختلف جوانب الحياة الخاصة والعامة.
ولقد تم التعبير عن الهوية الوطنية أو المغربية في الدستور“المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة،متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحموتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كلمكوناتها، العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراويةالحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسيةوالعربية والمتوسطة، كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوءالدين الاسلامي مكان الصدارة فيها”
“تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الاسلامي السمح، والوحدة الوطنيةمتعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيارالديمقراطية”
“لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدينالاسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وبالاختيارالديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحرياتوالحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور”
تميز النظام السياسي المغربي، من خلال عدم إحداث قطيعة معالماضي المتصل بالحاضر، في شكل تقاليد وأعراف وتأثيرات، وبهذا تكون الهوية الوطنية الراسخة بكل مكوناتها، صمام الأمانللحفاظ على الخصوصية المغربية، مما يقتضي وجود آليات من بينها البيعة التي تعتبر من أهم الثوابت وركيزة أساسية للنظامالدستوري وبناء الدولة.
كون الهوية شاملة لكل الخصائص الثقافية والاجتماعية والنفسيةالمتوفرة لدى كل الجماعات البشرية، رغم تتعدد انتماءات الفردوميولاته والتزاماته الأيدلوجية والفكرية والسياسية، والاعترافبتنوع العنصر البشري، يحمل الجميع مسؤولية العمل على صيانةوحماية هذا التنوع، فإن الالتزام بالهوية الوطنية الراسخة، هوصمام أمان من كل اجتياح على الخصوصية المغربية.
يوسف الحفيرة
طالب باحث بســلك الدكتـوراه جامعة محمد الخامس