تقریر حول أشغال مائدة مستدیرة للتفكیر حول الوسائط الالكترونیة في المحاكمات الجنائیة، ضمانات المحاكمة العادلة من منظور حقوق الانسان والنوع الاجتماعي

نشر في: آخر تحديث:


نظمت جمعیة مبادرات لحمایة حقوق النساء بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان
مؤخرا مائدة مستدیرة للتفكیر حول “الوسائط الالكترونیة في المحاكمات الجنائیة،
ضمانات المحاكمة العادلة من منظور حقوق الانسان والنوع الاجتماعي”،
احتضنتھا مدینة بفاس.
استھلت أشغال ھذا اللقاء بكلمات افتتاحیة، حیث قالت السیدة لیلى اشرعي ممثلة
صندوق الأمم المتحدة للسكان أن حمایة النساء والفتیات من العنف والممارسات
الضارة لیست ضرورة أخلاقیة وحقوقیة فحسب بل ھي شرط أساسي لتحقیق تقدم
الدول الاقتصادي والاجتماعي، نتیجة اللامساواة المتجذرة في توزیع الأدوار
والحقوق والفرص بین الرجال والنساء، وكذا المعاییر الاجتماعیة التي تتغاضى عن
العنف أو تقلل من أھمیتھ، معتبرة أن فترة الجائحة كشفت عن أن التواصل عن بعد
یمكن ان یسھم في التقلیص من الفوارق وتقدیم الخدمات من الساكنة، وبالأخص
المھمشة منھا.
وفي نفس السیاق ذكرت رئیسة جمعیة مبادرات لحمایة حقوق النساء السیدة الھام
الودغیري بالعمل التقییمي الذي سبق للجمعیة أن قامت بھ بخصوص الخدمات
الأساسیة التي تلجأ لھا النساء ضحایا العنف بالاعتماد على التوجھات الدنیا لحزمة.

الخدمات الأساسیة أو برنامج الأمم المتحدة العالمي المشترك حول الخدمات
الأساسیة للنساء والفتیات المعرضات للعنف، مما یجعلھا معنیة بشكل أساسي
بموضوع المحاكمات عن بعد كفرص أو مخاطر سواء تعلق الأمر بالمرأة كضحیة
مباشرة أو كشاھد أو كامرأة في وضعیة نزاع مع القانون في ظل علاقات النوع
التي قد تؤدي بھا الى ارتكاب بعض الجرائم ذات الخصوصیة، مؤكدة على أن
الھدف من تنظیم ھذا اللقاء ھو “التفكیر المشترك في كیفیة التعامل مع مشروع
قانون الوسائط الالكترونیة في الإجراءات القضائیة، وتتبعھ على امتداد مساره
التشریعي قصد المشاركة ضمن الحركة الحقوقیة والنسائیة في التأثیر من منظور
بعد حقوق النساء في فعلیة الوصول الى العدالة والانتصاف”.
وقدم الدكتور خالد المروني مداخلة تمحورت حول “التجارب الدولیة في مجال
المحاكمات” عن بعد مستعرضا عددا من الاتفاقیات الدولیة التي نصت على
استعمال تقنیات التواصل عن بعد في المحاكمات من بینھا، اتفاقیة الأمم المتحدة
لمكافحة الجریمة المنظمة عبر الوطنیة لسنة 2000 ،واتفاقیة الأمم المتحدة لمكافحة
الفساد لسنة 2003 ،ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائیة الدولیة، مؤكدا أنھ
وبعكس ما یروج إعلامیا، فإن أغلب الاتفاقیات الدولیة الموجودة تسمح باستعمال
التقنیات الحدیثة في الاستماع الى الشھود، ولا تنص مطلقا على استعمالھا في
الاستماع الى المتھم، بسبب المخاوف التي یمكن ان تشكلھا ھذه التقنیة من تھدید
لشروط المحاكمة العادلة، مستعرضا نماذج من اجتھادات المحكمة الأوربیة لحقوق
الانسان في تقییدھا لاستعمال ھذه الوسائل بعدة شروط من بینھا ربط حق الدول في
تطبیق تقنیة الاستماع عن بعد أمام المحاكم بتوفیرھا الشــروط والوسائـل المادیـة
والتقنیـة اللازمـة لضمـان السیـر العادي للمحاكمات، وممارسة رقابة على وجود
المبررات المشروعة لتطبیقھا، ومدى توفر شروط صیانة حقوق الدفاع والمحاكمة
العادلة، كما أن ھذه المحكمة أكدت على أن حق الحضور أمام القاضي یكتسي أھمیة
بالغة في أیة محاكمة یراد لھا أن تكون عادلة، وذلك لما یضمنھ ذلك من حق المتھم
في الاستماع إلیھ، والتأكد من حقیقة أقوالھ، وإجراء مواجھة ومقارنة بینھا وبین
أقوال الخصوم والشھود . وقد اعتبرت أیضا أن أي مساس بشروط المحاكمة العادلة
أثناء تطبیق تقنیة الاستماع عن بعد، یعتبر خرقا للمادة 6 من الاتفاقیة ویرتب
بطلان المسطرة.
وقدم الدكتور أنس سعدون عضو نادي القضاة مداخلة حول “حصیلة تجربة
المحاكمات عن بعد والتحدیات المطروحة”، قال فیھا انھ وبالرغم من التقدم
الملموس الذي تكشفھ أرقام المحاكمات عن بعد عبر كافة المحاكم بحسب
الاحصائیات الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائیة والتي مكنت المئات من
المعتقلین من معانقة الحریة بعد الافراج علیھم عقب محاكمات تحترم الأجل
المعقول، ورغم حالة الضرورة التي فرضت اعتماد ھذا الاجراء عن طریق فرض.

نوع من التباعد الاجتماعي بین الأشخاص الموجودین في حالة اعتقال، وبین فضاء
المحاكمة، لأسباب صحیة، یبقى اعتماد تجربة المحاكمة عن بعد مند أبریل 2020 ،
واستمرار تطبیقھ رغم تخفیف حالة الطوارئ، مثارا لعدة إشكالیات وتحدیات عمیقة
ترتبط بمدى احترام شروط المحاكمة العادلة المنصوص علیھا في المواثیق
الدولیة”، معتبرا أن تجربة ھذه المحاكمات تواجھھا تحدیات تقنیة یمكن التغلب
علیھا، وتحدیات أخرى حقوقیة، تستوجب تعمیق النقاش العمومي العمیق حولھا،
أبرزھا تحدي احترام الشرعیة الإجرائیة نتیجة التأخر في صدور قانون منظم
للمحاكمة عن بعد، وتحدي احترام مبادئ الحضوریة والتواجھیة الشفھیة، العلنیة،
والمساواة في الأسلحة وحقوق الدفاع.
وأضاف المتدخل أنھ وبالرغم من تقیید تطبیق المحاكمة عن بعد بموافقة المتھم،
وبتنازلھ عن الحق في المحاكمة الحضوریة، فإن إشكالیة وضعیة المعتقلین
الاحتیاطیین الذین یتمسكون ودفاعھم بالحق في الحضور یبقى مطروحا، وھو ما
أشار الیھ التقریر الأخیر للمجلس الوطني لحقوق الانسان الذي أبدى قلقھ من كون
تشبث بعض المعتقلین بالحق في الحضوریة ورفض اجراء المحاكمة عن بعد،
یؤدي أحیانا إلى تأجیل البت في قضایاھم، وھو ما قد یشكل إخلالا بمبدأ الحق في
المحاكمة داخل أجل معقول، وقد كان من دواعي ھذا القلق كون “الاحصائیات
الدوریة المنشورة لا تشیر الى وضعیة ھذه الفئة، وطبیعة القضایا المتابعین من
أجلھا، وما اذا كانت جنایات أو جنح بسیطة، وطبیعة ونوعیة الإجراءات المتخذة
لضمان حقھم في المحاكمة داخل أجل معقول، كما لا تتضمن أي جواب حول مدى
مراعاة بعد النوع.
مذكرا في ختام مداخلتھ بتوصیة اللجنة الدولیة للحقوقیین التي دعت الى ضرورة
مراعاة المحاكمات عن بعد للمنظور المتعلق بالنوع الاجتماعي حیث “یجب على
الھیئات القضائیة أن تولي اعتبارا خاصا لأوضاع النساء والأطفال والأشخاص
الأكبر سنا، والأشخاص ذوي الإعاقة، وغیرھم مع الإقرار بالطبیعة المستعجلة
للطلبات المقدمة الى المحكمة بشأن تدابیر الحمایة للأشخاص المنتمین لھذه الفئات
الذین یواجھون أو یتعرضون لمخاطر متزایدة من العنف، أو الإساءة أو الإھمال
مقارنة بمجموعات أخرى، سواء كانت نتیجة لإجراءات العزل العام أو الذین
یتعرضون لمخاطر أكبر في حال تم تعلیق أو تقیید أوامر الحمایة الأخرى.
وقدمت القاضیة سھام بنمسعود عضو الودادیة الحسنیة للقضاة مداخلة حول
“الاقتناع الوجداني بین المحاكمات العادیة والمحاكمات عن بعد”، أكدت من خلالھا
ان المحاكم حرصت على احترام موافقة المعتقلین على اجراء المحاكمة عن بعد
والاشارة الى ھذه الموافقة في محضر الجلسة، والاشارة في وصف الأحكام الى
كونھا حضوریة عن بعد؛ وفي حالة تمسك المتھم بالحضوریة فإن ذلك یؤدي الى
تأجیل البت في ملفھ الى حین تھیئ الظروف الملائمة لإحضاره، مؤكدة أن حالة
الطوارئ الصحیة حتمت اللجوء الى اجراء المحاكمة عن بعد.

وتساءلت المتدخلة ھل یمكن اعتبار المحاكمات عن بعد نوعا موازیا للمحاكمات
العادیة تكفل ضمانات المحاكمة العادلة للمتقاضین وتحقق الاقتناع الوجداني للقاضي
ویمكن اللجوء الیھا في جمیع القضایا؟
وخلصت وبعد نقاش مستفیض الى أن المحاكمة عن بعد لا تؤثر على القناعة
الوجدانیة للقاضي أو للمحكمة، لكنھا قد تؤثر أحیانا في تفرید العقاب، الذي تضرر
بسبب استعمال الوسائط الالكترونیة، معتبرة أن الإیجابیات التي یمكن تحقیقھا بفضل
المحاكمة عن بعد مالیا وأمنیا، في مجال ترشید النفقات والاعفاء من نقل المعتقلین،
لا ینبغي أن تحولھا من استثناء الى قاعدة، ما عدا في حالة الموافقة المتبصرة
للمتھم.


أما المحامیة خدیجة الروكاني فقدمت قراءتھا في مسودة مشروع القانون المتعلق
باستعمال الوسائط الالكترونیة في الإجراءات القضائیة من منظور حقوق الانسان
والنوع الاجتماعي، حیث اعتبرت أن ھذه المسودة طغى علیھا الجانب التقني وغاب
عنھا الجانب الحقوقي، بل وغیبت بشكل تام مقاربة النوع الاجتماعي سواء على
مستوى لغة النص أو على مستوى المضامین، وأضافت أن موقع المتھم أو المتھمة
في مسودة القانون یجعلھما الطرف الضعیف، مثلما لم یتم استحضار موقع المطالب
بالحق المدني اذ لا وجود مطلقا لمصطلح “الضحیة” في مسودة ھذا القانون،
وخلصت الى وجود فراغات كبیرة على مستوى تحدید المفاھیم، فضلا عن وجود
تضییق كبیر وواضح على حقوق الدفاع وتضییق على مبدأ العلنیة بشكل یمس عمق
شروط المحاكمة العادلة، وھو ما یبدو من خلال عدم اتاحة فرصة الطعن في قرار
استعمال تقنیات التواصل عن بعد في المحاكمات رغم نص المشروع على وجوب
أن یكون القرار معللا.
أشغال المائدة المستدیرة عرفت تقدیم قراءة في حالات نساء مررن بتجربة المحاكمة
عن بعد، قدمھا الدكتور خالد تیسیر أخصائي ومعالج نفسي داخل مركز البطحاء
متعدد الاختصاصات لتمكین النساء بفاس، تساءل فیھا ھل الضحیة تتمتع فعلا بحالة
نفسیة مستقرة تسمح لھا بتتبع ملفھا أمام القضاء، سواء في الحالة العادیة أو في حالة
المحاكمة عن بعد؟ وھل تستفید فعلا من الدعم النفسي والمواكبة، واذا كان ھذا
الدعم موجودا، ھل ھو معمم على المستوى المجالي؟ ھل التشخیص النفسي الذي
قد ینتج عن العنف النفسي الذي تتعرض لھ الضحیة تأخذه المحكمة عند تقدیر
العقوبة؛ منتقدا اغفال موقع الضحایا في ھذه المحاكمات والتركیز أساسا على حق
المتھم في أغلب النقاشات التي واكبت ھذا المشروع.
المشاركات والمشاركون في أشغال ھذه المائدة المستدیرة أكدوا على ضرورة
الإسراع بإیجاد النص القانوني المنظم للمحاكمة عن بعد احتراما لمبدأ الشرعیة
الإجرائیة، وضرورة الإسراع بتحقیق المحكمة الرقمیة وتوظیف الرقمنة من أجل.

تكریس الحق في الوصول الى العدالة لكل الفئات الھشة، وللنساء والفتیات، وتیسیر
سبل الحصول على المساعدة القانونیة والقضائیة، وضرورة الاخذ بمقاربة النوع
والأثر المتباین على الرجال والنساء في سیاق المحاكمات عن بعد باستحضار
السیاق الاجتماعي والثقافي، وعدم اغفال موقع الضحایا في ھذه المحاكمات، كما تم
التأكید على ضرورة الاستمرار في مواكبة المسار التشریعي لمسودة مشروع قانون
الوسائط الالكترونیة بھدف المساھمة في التأثیر من منظور بعد حقوق النساء في
فعلیة الوصول الى العدالة والانتصاف.

اقرأ أيضاً: