انقلاب الصخيرات .. أولى المحاولات الفاشلة للإطاحة بالحسن الثاني

نشر في: آخر تحديث:

سات تيفي/ ✍ بقلم : عبد اللطيف الباز كانت المناسبة الإحتفال بعيد ميلاد الملك الحسن الثاني في قصر الصخيرات المحاذية للعاصمة الرباط في العاشر من يوليوز 1971 عندما فوجئ الضيوف ظهرا بدخول عربات عسكرية تضم أكثر من 1200 جندي وضابط عسكري.
القصر كان يضم وقتها وزراء ومسؤولين وشخصيات عسكرية وسياسية بارزة ودبلوماسيين أجانب، بالإضافة إلى فنانين ومثقفين، كلهم حضروا لتخليد المناسبة برفقة الملك في القصر البهي المطل على شاطئ الأطلسي الذهبي.
العديد منهم اعتقدوا في البداية أن حضور العسكر هو ضمن برنامج الاحتفالات حتى أنهم بدؤوا يلوحون لهم بأيديهم مرحبين، لكن سرعان ما تيقنوا أن الجنود لا يحتفلون، بعد أن بدأت جثث القتلى تتساقط بالرصاص الحي دون تمييز.
وبغض النظر عن خلفيات وتفاصيل المحاولة الانقلابية التي قادها مدير المدرسة العسكرية الشهيرة في المغرب وقتها “أهرممو” (وسط البلاد) الكولونيل محمد اعبابو وبإشراف الجنرال محمد المذبوح فإن الواقعة لم تخل من طرائف بدت غير قابلة للتصديق في مشهد سريالي غطاه اللون الأحمر.
وكانت أداة اعبابو في ذلك طلبة عسكريين وضباطا صغارا يدرسون بأهرممو، أغلبهم ينحدرون من مناطق قروية فقيرة، أخبروا بأنهم سيذهبون من المدرسة إلى ضواحي الرباط لإجراء مناورة عسكرية، ثم أخبرهم بعد ذلك أن “المناورة” تحولت إلى مهمة لاقتحام بنايتين يوجد فيهما مخربون معادون للنظام. بل حتى عندما اقتحم بهم اعبابو قصر الصخيرات كانوا يسمعونه وهو يردد “عاش الملك”، ويكرر عليهم أنه هناك للدفاع عن الملك من الأخطار المحدقة به، كل ذلك وهو يحمل مسدسه ويأمر بقتل هذا المسؤول أو ذاك.

طعام الأحلام
ومن بين تلك الطرائف يقول أحمد المرزوقي -وهو أحد الضباط المشاركين في المحاولة الانقلابية التي استمرت لساعات قليلة فقط- في كتابه “الزنزانة رقم 10″ أن الطلبة العسكريين وجلهم من قرى نائية وفقيرة اندهشوا لدى رؤيتهم القصر و”تلال” أطباق الطعام التي ضمت مختلف أنواع الأكلات، وجلها مجهولة لديهم.
وبينما انشغل بعضهم بتنفيذ أوامر اعبابو بإفراغ الغرف من الذين فروا إليها وجمعهم داخل الساحة شرع بعضهم الآخر في إطلاق الرصاص على تلك الأطعمة بغيظ وحنق شديدين.
بل إن أحد الجنود خاطب صديقه قائلا “نحن نأكل كيكي (نوع رديء جدا من السردين المعلب رخيص الثمن) وانظر هم ماذا يأكلون”.
تحت ظلال الرصاص :
وحكى محمد الرايس -الضابط الذي شارك في الانقلاب- في كتابه “تازمامارت.. تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم” أنه وجد ضابطي صف اثنين مختبئين داخل إحدى الغرف وهما يزردان الطعام اللذيذ، بينما الرصاص يلعلع في الساحة وفي كل مكان، واعبابو يقود حملة التفتيش عن الملك الحسن الثاني. وعندما انتهرهما الرايس أخبراه أنها فرصتهما لتذوق هذا الطعام الذي لا يطمعان بتناوله حتى في الأحلام، وأكدا له أنهما وزملاءهما مجرد منفذين لأوامر عسكرية يحاسب عليها من أصدرها طبقا للقانون العسكري.
أحد الضباط دعا الرايس للاستمتاع بأكل الفراولة وشرب الحليب البارد اللذيذ، ليذهب عنه بعض التعب في هذا اليوم المرعب من شهر يوليوز الحارق.
ليس دما
بعد سقوط عشرات القتلى على عشب القصر لم يعتقد أحد الجنود أن ما وطئته قدماه دم، بل راودته فكرة غريبة وهو يطأ ذلك العشب، إذ اعتقد أن البناية التي قيل لهم إنهم سيقتحمونها لمواجهة “مخربين” هي مصنع لإنتاج معلبات الطماطم.
والجندي ذاته وجد وهو يجمع أنبوبا بلاستيكيا من ملعب الغولف، وأخبر الرايس أنه سيحمله معه إلى مدرسة أهرممو ليسقي به حديقتها.
إنقاذ مهم :
على مقربة من مسبح القصر انتزع جندي سلسلة ذهبية بعنف من عنق سيدة أوروبية فركله أحد الضباط ودفع به بعيدا، لكن الجندي وجه الرشاش إلى رئيسه وكاد يقتله.
بسبب هذا الموقف تجرأت السيدة الأوروبية على أن تطلب من الضابط أن يحمل إليها طفلا صغيرا يبكي، فما كان منه إلا أن ذهب وحمل الطفل بين يديه وسلمه للسيدة وذهب.
الضابط كان هو أحمد المرزوقي، والطفل لم يكن سوى ولي العهد وقتها محمد بن الحسن، الملك محمد السادس حاليا، والسيدة الأوروبية كانت ببساطة إحدى المربيات البلجيكيات.
ولم يذكر المرزوقي في كتابه أنه هو الضابط الذي أنقذ ولي العهد، وشرح لاحقا أن السبب يرجع لتخوفه من أن يتهم بالتملق وهو الذي قضى أكثر من 18 عاما داخل معتقل تازمامارت السري الرهيب.
أين الإذاعة؟
قبل أن يقتحم الكولونيل اعبابو الإذاعة توقف عند بناية رسمية وسط الرباط، وأمر الجنود بالنزول للسيطرة عليها، لكن أحد الضباط أخبره أن اليوم يوم سبت، وبالتالي فالإدارات العمومية لا تعمل.
نهره اعبابو وقال له إن الإذاعة تشتغل صباح مساء على مدار الأسبوع فانتبه الضابط وأخبره بأن البناية المعنية ليست الإذاعة إنما مؤسسة عمومية، أما الإذاعة فتقع على بعد بضع مئات من الأمتار منها.
وسط هذا الموقف المحرج لقائد المحاولة الانقلابية لم يكن أمامه سوى أن يأمر جنوده بالعودة إلى عرباتهم والانتقال إلى مقر الإذاعة.
العندليب والانقلابيون
ولأن المناسبة كانت احتفالا كبيرا بعيد ميلاد الملك فإن نجوم الغناء في مصر وقتها كانوا حاضرين بالمغرب لإحياء حفلات بالمناسبة، بينهم محمد عبد الوهاب وشادية وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ.
العندليب كان قد أعد أغنية للملك بالمناسبة، لكن يبدو أن الوقت لم يسعفه “لمنتجتها” في مصر، فتوجه يوم الانقلاب إلى الإذاعة لتجهيزها، لكن من سوء حظه حوصر مع الموظفين داخل مقر الإذاعة.
يقول مدير الإذاعة الرسمية وقتها محمد بنددوش إن الكولونيل اعبابو عندما اقتحم الإذاعة صادف عبد الحليم حافظ، فأخبره أنهم قاموا بانقلاب ضد الملك، ويظهر أنه طلب منه قراءة بيان الانقلاب أو الحديث بإيجابية عما جرى.
فالانقلابيون لم يكن لديهم بيان مكتوب، وكانت الإذاعة تبث الموسيقى العسكرية وكانوا يحتاجون لمن يتحدث عن سقوط النظام ونجاح الانقلاب.
لكن عبد الحليم رفض واعتذر لكونه مصريا أجنبيا عن المغرب، وأنه من الأفضل أن يبقى بعيدا عن الموضوعالضابط كان هو أحمد المرزوقي، والطفل لم يكن سوى ولي العهد وقتها محمد بن الحسن، الملك محمد السادس حاليا، والسيدة الأوروبية كانت ببساطة إحدى المربيات البلجيكيات.
ولم يذكر المرزوقي في كتابه أنه هو الضابط الذي أنقذ ولي العهد، وشرح لاحقا أن السبب يرجع لتخوفه من أن يتهم بالتملق وهو الذي قضى أكثر من 18 عاما داخل معتقل تازمامارت السري الرهيب.

فالانقلابيون لم يكن لديهم بيان مكتوب، وكانت الإذاعة تبث الموسيقى العسكرية وكانوا يحتاجون لمن يتحدث عن سقوط النظام ونجاح الانقلاب.
لكن عبد الحليم رفض واعتذر لكونه مصريا أجنبيا عن المغرب، وأنه من الأفضل أن يبقى بعيدا عن الموضوع ،وبذلك نجا العندليب الأسمر من فخ نصبه له الانقلابيون لاستغلال شهرته الكبيرة في العالم العربي للدعاية للانقلاب، وهو الفخ ذاته الذي وقع فيه -مجبرا- صديقه الملحن المغربي الشهير عبد السلام عامر الذي كان يرافقه وزوجته في الإذاعة.
“إنقاذ” عبد الحليم
المطربون المصريون الذين كانوا موجودين لحظة الانقلاب في فندق الهيلتون وسط العاصمة كانوا قلقين جدا على رفيقهم عبد الحليم الذي كان يعاني من المرض.
وطالت ساعات الاحتجاز داخل الإذاعة، ويحكي بنددوش أن العسكر عندما أدخلوه إلى أستوديو الإذاعة الذي يبث منه البيان المرتجل للانقلاب شاهد عبد السلام عامر وزوجته وعبد الحليم فجلس معهم، ثم ما لبث العندليب يقول مكررا إنه محتاج لحقنة العلاج.
وبقي المطرب المصري محاصرا داخل الإذاعة، وهو ما أقلق زملاءه في فندق الهيلتون، حيث تداعوا إلى القيام بأي مبادرة لتخليصه من يد العسكر.

اقرأ أيضاً: