بقلم عزيز بنحريميدة
صوت العدالة – الدار البيضاء
منذ سنة 2016، والمبنى التاريخي للمحكمة المدنية بالدار البيضاء يعيش واحدة من أطول عمليات الإصلاح والترميم في تاريخ المؤسسات القضائية بالمغرب، إن لم يكن على الصعيد العالمي. ورش أشبه ما يكون بورشة بلا نهاية، تتحرك فيه الآلات والرافعات ببطء السلحفاة، دون أن تلوح في الأفق أي مؤشرات على قرب انتهاء الأشغال.
هذا الوضع الشاذ أثار استياء عارمًا وسط القضاة وموظفي كتابة الضبط والمهن القضائية المرتبطة بالمرفق، ناهيك عن آلاف المرتفقين الذين يُضطرون للتنقل يوميًا إلى فضاء أشبه بورشة بناء، تسوده الضوضاء، والفوضى، وانعدام أدنى شروط التنظيم والراحة. فأن تعمل داخل المحكمة أو تلجها اليوم، هو بمثابة مغامرة وسط أدوات الحفر، وأكوام الأتربة، وغياب ممرات واضحة أو قاعات كافية.

المفارقة أن مسلسل الترميم انطلق في عهد الوزير السابق مصطفى الرميد، واستمر في عهد من تلاه، دون أن تُحدد له مدة زمنية واضحة أو يتم الإعلان عن تقدم ملموس. واليوم، ونحن في منتصف سنة 2025، لا تزال المحكمة المدنية تغرق في الضجيج والحفر والسقالات، دون أن تلوح أي مؤشرات تدل على قرب نهاية هذا المسلسل العبثي.
فهل نحن أمام مشروع ترميم فعلي يراعي احتياجات العدالة وظروف العمل؟ أم أن الأمر تحوّل إلى ما يشبه “البحث عن كنز مفقود” تحت الأرض، في ظل غياب الشفافية والمراقبة والمساءلة؟ إذ لا يُعقل أن يستمر ورش إصلاح لما يقارب عشر سنوات دون حصيلة واضحة، أو حتى تبرير رسمي لما يجري.

إن استمرار هذا الوضع يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى جدية الجهات المسؤولة عن المشروع، ويُعيد إلى الواجهة سؤال الحكامة في تدبير المال العام، ومصير الصفقات المرتبطة بإصلاح المؤسسات القضائية. كما يطرح سؤالًا أكثر إلحاحًا: متى تنتهي هذه المهزلة؟ ومتى تعود المحكمة المدنية بالدار البيضاء إلى سابق عهدها كمرفق قضائي يليق بانتظارات المواطنين وكرامة العدالة