المجتمع المدني.. زمن كورونا أي خطاب مدني نريد ؟.

نشر في: آخر تحديث:


بقلم الأستاذ مصطفى أمجكال

صوت العدالة

من محاسن القول أن نثمن المجهودات الجبارة التي أصبح يضطلع بها المجتمع المدني منذ ما يقارب عقدا من الزمن و خصوصا في ظل دستور 2011 الذي أولى العناية الفائقة بالعمل الجمعوي و الشباب بوجه عام ، فلا يسعنا و الظروف العصيبة التي يمر بها العالم بأسره من جراء انتشار فيروس كورونا المستجد ( كوفيد 19) و المغرب بوجه خاص إلا أن نشد بحرارة على كل المبادرات المجتمعية الصادقة التي ابانت عن روح الوطنية العالية و الخالصة في مواجهة هذه الأزمة ولا تزال بعضها إلى يومنا هذا تقاوم ضمن الصفوف الأولى في محاربة الوباء جنبا إلى جنب السلطات العمومية و الأطقم الطبية بمختلف مراتبها و رجال الشرطة و الدرك الملكي و القوات المساعدة و كل القوى الحية ببلادنا .

فإذا كان هذا واقع الحال في زمن كورونا اليوم ، و الكل يشهد أن كل المؤسسات العمومية و المدنية تقوم بما تستطيع لمواجهة تداعيات هذا الوباء الخطير ، فإن الوضع هذا يجعلنا نضع السؤال الأهم في هذه الظرفية الدقيقة و الحاسمة :

أي خطاب مجتمعي مدني نريد اليوم ؟ و ما هي اللغة التواصلية الفعالة التي ينبغي أن تسود اليوم و نحن نقف جميعا على ثغرة الحرب الصحية التي تهددنا بها كورونا ؟

لا ينبغي أن تمنعنا الظروف العصيبة التي تمر بها بلادنا من أن نشارك بقوة في تشخيص المشاكل و اقتراح الحلول والبدائل وعرض ذلك على الهيئات الوصية بمختلف مستوياتها ، فخطورة الوضع كافية أن ندق ناقوس الخطر و نرفع أيضا الإيقاع في التوعية و التحسيس إنطلاقا من أدوارنا الرئيسية كمجتمع مدني ، وهنا لابد من إشارة قوية و جريئة أيضا وهي أن الكثير من فعاليات المجتمع المدني بالرغم من صدقها و إخلاصها في العمل ، لا تزال تتخبط في دائرة الاختصاص و عدم التفريق بين ممارسة الديمقراطية التشاركية و بين الديمقراطية التمثيلية التي يمارسها نواب الامة و المنتخبين في المجالس المختلفة . إن هذا الخلط وحده كفيل أن ينحرف بالعمل الجمعوي من مسار التعاون و المبادرة التطوعية و الاجتماعية الانسانية إلى ممارسة السلطة والتدخل في مهام الغير و بالتالي تضارب المصالح وتغير الخطاب ، خصوصا عند اقتراب الاستحقاقات التشريعية و انفجار بركان الحملات الانتخابية .

إن الجهل بحدود الاختصاص يوقع في معضلة التجاذبات الفارغة و التطاحنات المشينة و التي نحن في أشد الغنى عنها اليوم و نحن نواجه وباءا لا نعرف متى يغادرنا إلى غير رجعة . هذه التجاذبات هي التي نراها اليوم تطفوا على السطح في شكل بيانات توجه اصابع الاتهام إلى الجميع دون استثناء أو إنصاف أو عدل .

من الواجب كما اسلفت أن نمارس الديمقراطية التشاركية كمجتمع مدني غيور على البلاد و العباد ، لكن ليس من حسن المشاركة توزيع التهم و وصف الجميع بالفساد و تعليق النجاة بالمجتمع المدني وحده و كأننا لا نعيش في دولة المؤسسات و لا يؤطرنا قانون.. هذا التغير الحاصل في الخطاب اليوم هو الذي نعيبه على بعض جمعيات المجتمع المدني، إذ لا يعقل كيفهما كانت الاسباب أن نرمي جميع المؤسسات العمومية و السلطات و المنتخبين و كل الهيئات بالفساد و نعمم القوم بأن الجميع مفسد يريد خراب البلاد و العباد ، إننا إذا في ظل هذا الخطاب نضع انفسنا وسط حرب داخلية طرفها المجتمع المدني و الطرف الثاني كل أجهزة الدولة المختلفة ، هكذا يوحي الخطاب اليوم ، أو على الاقل يمكن أن نقول أن صياغة الخطاب أفضت إلى هذا المعني .

من خلال هذا التحليل المختصر ، يمكن أن أوجه بعض الرسائل إلى إخواننا الفاعلين الجمعويين الغيورين على المصلحة العامة :

أولا : لابد أن نمارس العمل الجمعوي بكل قوة وإخلاص ووطنية صادقة بعيدا عن المزايدات الفارغة التي من شأنها تبخيس عمل أي جهة من الجهات ، فالكل معني اليوم بحرب كورونا و المساهمة في إيجاد الحلول و ليس توزيع التهم ..

ثانيا : من أساسيات العمل الجمعوي الهادف بناء الفكر التشاركي وتعزيز قيم الديمقراطية التشاركية و صياغة العرائض و الملتمسات القانونية بصيغها التي اطرها القانون التنظيمي وعدم الاستغناء عنها بالبيانات الاستنكارية التي من شأنها أن توسع الهوة بين الهيئات العاملة في الميدان اليوم .

ثالثا : الترفع عن اساليب الاتهام وتلفيق التهم و وصف الاخر بالفساد لمجرد أنه لم يحقق لي بعض المطالب والتوصيات وإن كانت مصلحة عامة ، فنحن نؤمن بالأولويات و نؤمن أيضا بالإمكانيات المتاحة لكل هيئة و صعوبة احتواء الوضع اليوم على غرار باقي دول العالم الاكثر منا تقدما .

هذا موقفي الصريح و الواضح .. ولا يمكن أن نحابي في قول الحقيقة ، كما لا يمكن أن ندمر كل تلك العلاقة التشاركية التي بناها المجتمع المدني مع السلطات العمومية و المؤسسات و الهيئات المنتخبة وغيرهم ممكن كنا ولا ولنا إلى اليوم جنبا إلى جنب في مواجهة الجائحة بكل الوسائل والإمكانيات ، فمهما تكن مشاكل المدينة والاكراهات التي تعاني منها لا ينبغي أن يخرجنا الوضع عن حدود الخطاب اللائق والواقعي الخالص .

اقرأ أيضاً: