الرئيسية آراء وأقلام العنف الرمزي عبر صفحات الفيسبوك

العنف الرمزي عبر صفحات الفيسبوك

20171026 151312.jpg
كتبه كتب في 26 أكتوبر، 2017 - 3:12 مساءً

شكلت ظاهرة العنف أشد الظواهر الإجتماعية الملتصقة بالإنسان، بل أكثرها غموضا و إثارة للقلق لما لها من آثار سلبية و خطيرة على الفرد والجماعة، فهي ظاهرة لازمت المجتمعات على إختلاف درجة رقيها، و إن كانت بدرجات مختلفة، فمنذ أن وطئت قدم آدم عليه الصلاة والسلام الأرض قام هناك صراع بين أبناءه كانت نتيجته أول جريمة قتل في تاريخ البشرية؛ و منذ ذلك الحين و الإنسان يتعايش مع كل مظاهر و تشكيلات العنف سواء منها المباشرة أو غير المباشرة، الخفية أو العلنية، بدء من العنف الجسدي إلى العنف الرمزي الشامل. مارس الإنسان العنف الجسدي من خلال استعمال القوة العضلية في الدفاع والتظلم و اشباع غريزة الإنتصار البشرية، و كذلك العنف الرمزي الذي يتخذ طرائق و مسارات و تمظهرات عدة لا تقل خطورة على العنف الجسدي ليشمل كل أشكال العنف غير المادي التي تلحق الأذى بالآخر سواء عن طريق الكلام أو اللغة أو الأشكال التعبيرية المختلفة. و عبر عنه بيار بورديو ب: ” فرض المعاني الذي يمارسه الفاعلون الإجتماعيون من كاهن و قديس و داعية و مدرس و نفساني و غيرهم “.
ويطرح العنف الرمزي من خلال العديد من الدلالات التي يتضمنها رمزيا، فهو يتخفى ضمن الدلالات والرموز والمعاني والممارسات الثقافية والإجتماعية، و يقصد باستعمال هذه الدلالات والرموز إطفاء الشرعية الحقوقية لممارسة العنف والعنف المضاد؛ فهو إذا آلية من آليات إخضاع الغير من خلال سلطة إجتماعية شرعية أو غير شرعية.
فالعنف الـرمـزي يتخذ العـديـد من الأشكـال والخصائص و أهمها الترميز، و يهدف إلى فـرض السلطة والنفـوذ بشكـل استبـدادي و تعسفي، و يختلف عن أشكال العنف الأخرى بأنه ينشأ بسبب أحداث إجتماعية، و يعتمد بيار بورديو في تحليله للعنف الرمزي على المفاهيم التالية: ” الطبقات الإجتماعية، و السيطرة، و الرأس المال الرمزي، و العاصمة الرمزية، بحيث يرى أن العنف الذي يقوم به سكان المدينة تجاه المجتمع أو تجاه أنفسهم ما هو إلا الوجه المزدوج للعنف المستخدم من طرف الدولة ضد المجتمع ككل “. إن بيار بورديو بتناوله موضوع العنف الرمزي يبين لنا مظهر آخر من مظاهره، فهو يتعدى تجلياته و تجسيده في الحياة الإجتماعية ليشمل كل ما يمكن أن تقع عليه الهيمنة سواء من طرف الدولة أو غيرها من المؤسسات، لأن العنف الرمزي حسب بيار بورديو هو شرعنة الهيمنة و التسلط. فالعنف بكل تجلياته و أشكاله يبقى ظاهرة معقدة تتـداخل فيها الكثيـر من العوامـل والمسببات تتراوح بين الجـوانب الاجتمـاعية و النفسيــة و تتقاطع فيها العديد من الميادين كالسياسة والإقتصاد والإجتماع والثقـافة والفكـر والتربية، كما تساهم في تغذيته العديد من المؤسسات من المدرسة، التي هي الحاضن الأساس لثقافة السلم أو العنف، إلى المؤسسات الإعلامية بصفتها أهم المؤسسات الثقافية الناقلة للمعايير الإجتماعية، و تؤكد معظم الدرسات الأكاديمية أن التربية والثقافة والعلاقات الإجتماعية تلعب دورا مهما في جعل بعض الأفراد أو الشعوب أكثر ميلا إلى استخدام العنف من غيرهم.
فلقد اتخذت ظاهرة العنف في العقود الأخيرة، رغم التراكمات التاريخية و الترسبات الحضارية المتعاقبة أشكالا جديدة باتت تشكل خطرا على المنظومة الإجتماعية والأخلاقية والدينية والثقافية و الفكرية بسبب ظهور أشكال تواصلية جديدة أطلق عليها الشبكات التواصلية الإجتماعية الإلكترونية، حيث شكلت منابر حرة لإبداء الرأي و مناقشة كل القضايا بعيدا عن الاستعمال الإعلامي التقليدي والرقابة المضروبة عليه، و الإكراهات و الحدود التي يضعها المجتمع لكل ممارسات و أفعال الجماعات والأفراد، و بهذا يمكن إعتبار فضاء الأنترنيت فضاء هاما لدراسة كل السلوكات و أنماط التفكير البشري و قياس مدى ممارستهم لأشكال العنف بكل تمظهراته و تجلياته.
و إذا كانت ظاهرة العنف عامة تشمل جميع فئات المجتمع إلا أنها لذى فئة الشباب تتخذ منعرجا خطيرا بسبب اعتماده اسلوبا للتعايش والتعبير و إثبات الذات والرغبة في إظهار القوة والعنفوان. فمن أسباب العنف عند الشباب هناك ما هو إجتماعي و نفسي كالفقر والبطالة والإحساس بالتهميش والإحباط، و هناك ما هو موضوعي يساهم في تكريس ثقافة العنف مثل مؤسسات التنشئة الإجتماعية من أسرة و مدرسة. كما أن لوسائل الإعلام دورا محوريا في المنظومة الإجتماعية و بالـذات في تغذية ظـاهرة العنف من خلال تشكيل صور و تكريس ممارسات تساهم في نشر ثقافة العنف لدى المتلقي.
لقد تعرضت العديد من الدراسات إلى إشكالية العنف عبر وسائل الإعلام التقليدية، إلا أن وسائل الإعلام الجديدة و على أهميتها و ارتباط ممارسات العنف و تمظهراته بها، تبقى في منأى عن الدارسات الاكاديمية بما فيها الشبكات الإجتماعية و مواقع التواصل الإجتماعي التي تشكل النصيب الأوفر من انشغالات الشباب و استخداماته. و من هنا تأتي أهمية دراسة تجليات العنف عبر الشبكات الإجتماعية و خاصة “الفيسبوك”، أكبر شبكة التواصل الإجتماعي في العالم، وفق منطق علمي و وحدة منهجية ملائمة. أصبح جدران الفيسبوك فضاء تعبيريا افتراضيا منفتحا تتجسد فيه و من خلاله العديد من الرموز والإشارات تندرج ضمن العنف الرمزي، حيث شكل مجالا خصبا سمح لمستعمليه في إعتناق كل أشكال التفكير والتعبير. و الواقع أن العنف الرمزي المخل بالبنية الأخلاقية للغة يزداد خطورة عبر الفيسبوك بسبب سرعة الإنتشار و كثرة التداول والوصول، كما أنه يتميز بالتخفي و الإنسياب في العقل دون أن يشعر الفرد بهذه القوة التي تجعله يخضع لها و يصبح بذلك أداة تحركه كما تشاء و وقت ما تشاء، إنها الرغبة القوية في استعمال “المخدر الرقمي”. من جهة أخرى أصبح موقع الفيسبوك عبارة عن ستار يتخفى وراءه العديد من المستعملين من خلال حسابهم الشخصي بأسماء و صور مغلوطة يوظف عبره شخصيته العدائية و الشرسة التي تعتمد على أسلوب السب و الشتم و الجدال الحاد مما يجعل لغة الحوار والتواصل الحضاري معه منعدمة، لكن ما يثير التعجب و الإستفهام هو تداول هذا النوع من التعبير في شبكة الفيسبوك ليسكن الجوانب اللاواعية لدى الفرد و بذلك يصبح مقبولا في مجتمعنا فلا نصده و لا نحاربه، و هذا ما يصطلح عليه في الدراسات الإعلامية ” إضعاف الحساسية ضد الممنوعات الثقافية”. فالبرغم من المعايير الدولية لحرية الأنترنيت التي نصت على احترام حقوق و حريات الآخرين، يبقى هذا الفضاء الافتراضي منبعا للتجاوزات و انتشار الكلمات البديئة و العبارات النابية، فالتعدي على الآخرين اصبح مادة مستهلكة في مواقع الفيسبوك مما يعكس سوء استعمال وتفاعل مستعملي خدمات هذا الموقع الذي جاء من اجل التقريب بين كل الشرائح والأجناس والأعراق البشرية والديانات السماوية و غيرها على اساس لا حدود لدول العالم في التلاقح و التحاور بشكل متمدن و حضاري.

 

 

 

 

مشاركة