الرئيسية غير مصنف الشعبوية: بين تبسيط الخطاب واستغلال العاطفة… حين يتحول السياسي إلى ناطق باسم “الشعب” ضد “النخبة”

الشعبوية: بين تبسيط الخطاب واستغلال العاطفة… حين يتحول السياسي إلى ناطق باسم “الشعب” ضد “النخبة”

9b15dcb1 991b 4180 ac39 de175138ef8b
كتبه كتب في 13 أبريل، 2025 - 2:20 صباحًا

صوت العدالة – بنحريميدة عزيز

في السنوات الأخيرة، بات مصطلح “الشعبوية” حاضرًا بقوة في الخطاب السياسي، سواء في المحافل الدولية أو داخل النقاشات الوطنية. يُستخدم أحيانًا لوصف خطاب قريب من الناس، وأحيانًا أخرى كاتهام يحمل في طياته الكثير من التبخيس والتخويف،لكن ما المقصود بالشعبوية فعلًا؟ وهل هي مجرد وسيلة للركوب على العاطفة الجماهيرية؟ أم أنها تعبّر عن أزمة ثقة أعمق بين المواطن والمؤسسات؟

الشعبوية، في تعريفها الأوسع، ليست أيديولوجيا قائمة بذاتها بقدر ما هي أسلوب في الخطاب والممارسة السياسية، يقوم على ثنائية تقابلية: “الشعب” مقابل “النخبة”، “الصالحون” في مواجهة “الفاسدين”، و”الناس العاديون” ضد “النظام”. السياسي الشعبوي لا يقدّم بالضرورة مشروعًا متكاملًا، بل يُغذي شعور الغضب والاحتقان، ويعد بالحلول السريعة دون الدخول في التفاصيل المعقدة.

في هذا السياق، تتحول اللغة السياسية إلى أداة للتأليب لا للإقناع، وتُختزل القضايا المركّبة في جمل بسيطة وقاطعة: “سنُطهر البلد من الفاسدين”، “سنُعيد السلطة إلى الشعب”، “المسؤولون لا يفهمون معاناتكم”، وهي كلها عبارات تجذب الانتباه وتمنح المتحدث صفة المدافع عن “الحق”، لكن دون أن تلزمه بخطة واضحة أو محاسبة حقيقية.

اللافت أن الشعبوية ليست حكرًا على تيار سياسي معين،حيث يمكن أن نجدها لدى جميع الأحزاب بمختلف تياراتها، بل وحتى في خطابات بعض النقابات أو الحركات الاحتجاجية. فكلما ازداد الإحباط الشعبي من الواقع الاقتصادي والاجتماعي، زادت جاذبية الخطاب الشعبوي، باعتباره متنفسًا ووعاءً للغضب العام.

لكن في المقابل، يُخفي هذا الخطاب في كثير من الأحيان تعميمًا خطيرًا ونزعة إقصائية. فالشعبوي لا يعترف بالاختلاف، بل يُصور نفسه ممثلًا حصريًا لـ”الشعب الحقيقي”، ويعتبر من يخالفه الرأي إما “عميلًا للنخبة”، أو “منفصلًا عن الواقع”، وهنا يكمن الخطر، حيث تُختزل السياسة في شعبوية هجومية تُضعف النقاش العقلاني، وتُحوّل المؤسسات إلى خصوم، لا إلى أدوات ديمقراطية.

أما في السياق المغربي، فقد بدأت ملامح الخطاب الشعبوي تتسلل إلى بعض الفاعلين السياسيين، سواء عبر تبني نبرة هجومية على المؤسسات، أو من خلال الوعود السهلة والمطلقة التي لا تراعي تعقيدات الواقع الاقتصادي والاجتماعي. وفي المقابل، يُستعمل مصطلح “الشعبوي” أحيانًا كوسيلة للتقليل من أي صوت معارض أو حاد، حتى وإن كان مشروعًا. مما يجعل من “الشعبوية” سلاحًا ذا حدّين: أحدهما يستخدمه السياسي للركوب على الغضب، والآخر تستخدمه النخبة لنزع الشرعية عن كل من يُحاول مخاطبة الناس بلغة مختلفة.

و يبقى الرهان الحقيقي في الممارسة السياسية هو تحقيق التوازن بين القرب من انشغالات الناس، والصدق في تقديم الحلول الواقعية، بعيدًا عن الاستسهال الخطابي أو النخبوية المنعزلة. فالديمقراطية لا تُبنى بالشعارات، بل بالمؤسسات والنقاشات المسؤولة، والتدبير العمومي لا يحتمل لغة الغضب وحدها، بل يحتاج إلى وعي، وجرأة، وتواضع أمام تعقيدات الواقع.

مشاركة