الرئيسية آراء وأقلام الزمن الثقافي المغربي واستقالة الوعي

الزمن الثقافي المغربي واستقالة الوعي

FB IMG 1592234458208 1
كتبه كتب في 17 يونيو، 2020 - 1:05 مساءً

بقلم:نورالدين بوصباع

سوف لن أتحدث عن ماهية الثقافة وعن مدلولاتها المختلفة من داخل المناهج المعرفية والحقول العلمية التي تتختزلها كل من مباحث الانتروبولوجيا أو الاثنوغرافيا أو العلوم الاجتماعية ، وهذا ما أسهب كل من برونيزلو مالينوفسكي، وإدوارد تايلور، وتالكوت بارسونز في كشف مضامينها وتحديد وظائفها، ولكن سوف أتحدث عن الثقافة باعتبارها إنتاجا فكريا متنورا يعكس أشكالا من التصرفات الحضارية التي تتأسس على وعي تاريخاني متقدم لبناء موقف عقلاني اتجاه الذات واتجاه العالم، وبلورة وعي متجدد لتجديد زوايا نظرنا حيال المعرفة، الأخلاق، الفن، أنماط السلوكات وبالضبط سوف أتحدث عن الزمن الثقافي المغربي الحالي ومن خلاله عن المثقف المغربي في ظل تدهور فظيع شمل كل مناحي الحياة، خصوصا إذا علمنا ما أصبح يسم هذا الزمن المغربي عموما من تسيب ووصولية، فالسياسة قد انتحرت منذ زمن بعيد وأصبحت مجالا للمتسلقين و أصحاب الأموال و دعادة القبلية وأصحاب التقية من المتأسلمين، وقطاع التعليم على وشك الإفلاس رغم إدخاله غرفة الإنعاش الأخيرة، و الاقتصاد المنبني على الريع والتابع للدوائر الاقتصادية العالمية لازال هو الاختيار أو التوجه السديد لتكريس الطبقية البغيضة و لتوسيع هامش الولاءات والبيع والشراء في الضمائر. و أخيرا سقوط الفن والأخلاق في شراك الاستلاب و التبعية في ظل تغييب مقصود للروح المغربية و للهوية المغربية، ولم يتبقى سوى المخزن بشبكته الأخطبوطية والرجعية بتعزيماتها الفقهية لتكريس الجمود في الملعب تلعب وتمرح في غياب شبه كامل لخطاب ثقافي حقيقي يتحمل مسؤولية تنوير المجتمع وتحديد مختلف الأعطاب و التحولات الخطيرة التي مست المجتمع المغربي في صميم هويته الحضارية، وفي عمق وعيه التاريخاني، و في جذر قضاياه المصيرية، و مادام التسلح هنا بالوعي التاريخاني و الإيمان بالقضية هما المحركان الجوهريان لأي فعل يهدف لتجاوز و تخطي المرحلة واستشراف آفاق المستقبل، فأي وعي تاريخاني هو الذي يسم زماننا المغربي هذا! وأية قضية فكرية هي التي تشغل زماننا وتدعونا للتفكير مليا في اجتراح الأجوبة الممكنة لهذا الواقع الذي يتدهور وبسرعة ضوئية، وفي غفلة من مثقفينا الأجلاء، أين هم المثقفون ضمير الأمة و عقلها المتنور! أين هم من مجتمع محنط فقد البوصلة و ضاع خارج الزمن! كيف يتسنى لنا استعادة جزء من هذا الوعي الشقي الذي أصابه الإفلاس واستحلى الردة، وبالتالي كيف يمكننا استلهام القضية الفكرية الإطار لإعادة تأكيد وجودنا الذي لا يمكن أن يتحقق إلى بمساءلة زمننا هذا وتعريته! هل يمكننا تحقيق ذلك بالمثقفين الذين تجمعهم الحانات وتراهم يعربدون كمجانين ويتبلون على أنفسهم! هل بالمثقف أو المتثاقف الذي كتب بضع خربشات وارتشى كاتبا كبيرا ليكتب له مقدمة لخربشاته مقابل قنينة ويسكي وأصبح يعتقد أنه الكل في الكل! هل بالمثقفين الذين يتنازعون على المناصب في اتحادات صورية لم تعد تساهم في الحياة الثقافية بالمرة! هل بالتجمعات الثقافية النخبوية وبالمبدعين المزيفين أنفسهم المعدودين على رؤوس الأصابع والذين يتكررون في الملتقيات إلى حد الغثيان لقراءة ما تيسر من شعر وزجل وقصص قصيرة أو قصيرة جدا! وماذا تبقى إذا من الثقافة و المجتمع يرزح تحت قيم الاستبداد الذي تنتجه الطبقة السائدة والمتحكمة في زمام الأمور! و أية مفارقة هي التي تجمع بين الثقافة كرهان يتأسس على تكريس الحقيقة والانتصار للمبادئ الإنسانية النبيلة وبين مثقف مزيف يستجدي الأعتاب و يتحين الفرص ليستزيد في مدح أسياده لنيل الحظوة والمنزلة ولو على حساب الحقيقة والمبدأ، وهنا لابد أن أشير لكتاب”كلاب الحراسة” لصاحبه بول نيزان الذي يتمحور حول المثقف المزيف والمباع الذي ينتصر للأمر الواقع و لخيارات وقيم الأسياد التحكمية لأستعيد سؤالا جوهريا وهو من هو الأجدى والأعمق هل سؤال الثقافة أم سؤال الوجود! و بعبارة أخرى كيف نستطيع بناء الذات خارج إطار الثقافة المنبنية على معرفة وتشخيص واقعنا الميئوس منه! أين نحن من تلك الجذوة المتوقدة وذلك الزخم الثقافي الرائع الذي عشناه في السبعينات والثمانينات وطبيعة الأسئلة الكبرى التي كانت تؤطر المرحلة وبالحراك الاجتماعي الذي كان متوقدا و زاخرا بمعاركه الحقيقية من أجل الكرامة! وأيضا أين نحن من المبدعين المغاربة العباقرة ومن الإبداعات المغربية الباهرة في مجال الأغنية المغربية، وما السبب الذي يجعلنا نخلف الموعد مع الزمن المغربي ونوقف عقاربه أو نعطله، هل أصبح الاستجداء بالزمن الآخر بديلا حقيقيا للامساك بسؤال الوجود! ثم حقا لو تأملنا مليا في المشهد السمعي البصري المغربي ما هو السقف الزمني المخصص للشأن الثقافي بخلاف برامج الترفيه والتنشيط و الإشهار التي تستحوذ على البث الإذاعي و التلفزي هل يعني هذا أن هناك سياسة خفية و مقصودة لاستبعاد الهم الثقافي الجاد و المتنور و تنحيته عن معانقة مآسي الوطن، مذبحة القيم و فداحة التهميش الذي يلف الإنسان المغربي الذي لم يعد يكثرت بأي شيء يحوم حوله، أو ينخرط في أية حركية مجتمعية لإيمانه بنهاية اللعبة وانكشاف الحقيقة، وهكذا إذا يرتسم في الأفق شبه ضياع وجودي لن نستطيع حل رموزه أو تفكيك أسراره إلا باستعادة الوعي المغيب، الوعي بالمستقبل المأمول خارج وصاية المخزن المقيتة، ومشاريع الاسلامويين العبثية…

مشاركة